أيهما أهم الجيش أم الدولة؟

أيهما أهم الجيش أم الدولة؟
ربما تكون المرة المرة الأولى التي يتابع العالم بكامله مشاهد صعود انقلاب عسكري وهبوطه بكامل توصيفه الهمجي، انقلاب من الذي اعتادت ما تعارف عليها بالامبريالية القيام به في دول العالم الثالث، من إيران إلى سوريا إلى مصر وتركيا والسودان وباكستان والجزائر وليبيا وعموم إفريقيا المضطهدة وحتى أميركا اللاتينية.

المسؤولون الأتراك ظلوا أثناء المحاولة الفاشلة وبعدها، يرددون غاضبين أن تركيا لم تعد تشبه تلك الدول (العالم ثالثية) التي تنجح بها مثل تلك الانقلابات الهمجية، وهو ما أكده سياسيون منظرون للسياسة التركية مثل عبدالله غول وأحمد داوود أوغلو وزعماء أحزاب المعارضة التركية بكاملهم.

لكن الحقيقة التي تجلت بنصوع يوم 15\\7\\2016، أن التطور العظيم الذي أنجزته الأمة التركية في مختلف مجالات الدولة، لم يكن كافياً لنقلها من العالم الثالث إلى العالم المتحضر الحديث.. طالما أن هنالك رجالاً بأحذية عسكرية ضخمة وغبية، يظنون أنهم يستطيعون قصف البرلمان وقلب الطاولة على جميع سياسي البلد مثلما يفعل أي عسكري أمي وجاهل مغرور بقوته وعنجهية القوة الحديدية التي يملكها بين يديه.

ربما كان هذا هو الحد الفاصل الذي يمنع دولة مهمة مثل تركيا الانتقال من تلك الطبقة في التصنيف إلى طبقة الدول المتحضرة، حيث لا يمكن للجيش الألماني أو البريطاني أو الأميركي أن يفكر في الانقلاب على السلطة السياسية مهما ارتكبت هذه السلطة من كوارث وأخطاء، وهناك مئات الأمثلة على أخطاء وهفوات ارتكبتها النخب السياسية الأوروبية دون أن تلقى من الجيش إلا كل طاعة وانصياع.

فما هو دور الجيش ودور الطبقة الحاكمة وما هو الحد الفاصل بين صلاحيات الفريقين؟ في كل دول العالم المتطورة يتبع الجيش للسلطة السياسية ويسير خلفها مهما اختلفت وتباينت تلك السلطة من حكومة إلى حكومة، ومهما زجت الجيش في معارك لا يفهم ماهيتها أحد مطلقاً، كما فعل جورج بوش وبلير في العراق ونيكسون في فييتنام وحتى دول مسالمة مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا..

ولكن تركيبة الدول المشرقية الحديثة هي تركيبة صممت وهندست في مطابخ السياسة الغربية، حيث الجيش هو القوة العسكرية العمياء في مواجهة السياسيين، جيوش مخترقة حتى النخاع من قبل الغرب، كل ضباطها وقادتها درسوا ويدرسون منذ عقود وأجيال في الغرب.. هذا ما حصل مع مصدق في إيران، حينما حاول التصادم مع الغرب، وحدث في تركيا أربع مرات، آخرها كان مع اعتقال الجيش التركي ستمائة وخمسين ألف إنسان من معارضي الغرب.. وهذا ما حصل أيضاً عشرات المرات في سوريا والعراق ومصر والجزائر.. مرات ومرات انقلب فيها الجيش على الدولة رافعاً شعاراته الجوفاء في تصحيح الأمور وإعلاء حقوق الأمة والشعب، الذي ما أن يدرك ما يدور من حوله حتى يكون القطار قد فاته ووضعت الأغلال في يديه مجدداً.

أسوأ ما استطاع الغرب دسه في دساتير الشرق، هو قدسية الجيش، وأهميته، والحض على تأليه عناصره، وحصانته، بل وصل الأمر في بعض الدول إلى تدخله في الاقتصاد وامتلاكه ثروات وعقارات، جيوش فاسدة غارقة في المؤامرات حتى النخاع.. فهذا حرس ثوري يملك أبار نفط، وذلك جيش يدير معامل معكرونة، وآخر يسيطر على حركة التهريب و الموانئ.. فساد يلبس ثوب القوة ويتزين بشعارات العزة والفخار.. أوسمة من عار، حتى وصل الأمر إلى مرحلة وضع البسطار على رؤوس المواطنين، وتحويل الحذاء العسكري العفن إلى مزهرية، أناشيد وطنية  تردد يومياً في مدارس الأطفال لا معنى لكلماتها سوى تقديس الجنود ورفعهم إلى مستوى القديسين والمنزهين عن الخطأ، بينما تقوم هذه الجيوش يومياً في قتل المواطن العادي والتنكيل به، واستعباده، وتحويله إلى رهينة لمفهوم القوة التي لم تستطع أن تنجز إلا قهر هذا المواطن، وتكريس بؤسه.. جيوش مهزومة في ساحات الوغى ومستأسدة على شعوبها، تكاد روائح القذارة من أحذيتهم السوداء أن تزكم سماء عواصم بلدنهم.

وفي النهاية وحين تدق الساعة، ينقضون على السلطة، مهما كانت تلك السلطة، سواء اتفقنا معها أم لا، ويتمون التنكيل بأفرادها ومن ثم يمررون السياسات التي تطلبها الدول التي ترعى تلك الانقلابات.. ممسكين بزمام تلك الدول يجرونها إلى البقاء في سواد العالم الثالث التابع للغرب المتحضر.. في سوريا حل غورو الجيش السوري الوطني، وأعاد بناء جيشه الخاص في سوريا، وأسماه جيش الشرق، الذي أنجز كل السياسات التي أرادتها فرنسا وحلفاءها.. وهذا ما تم في تركيا أتاتورك، وكذلك الجزائر وإيران وكانت العراق 2003 آخر الدول المستهدفة بتمكين هيمنة الجيش.

الدولة تعني ببساطة تمكين رأس المال من الانتعاش والعمل بحرية، تعني المساواة في الفرص والإيمان بالتعددية والحوار الهادئ للوصول إلى تحقيق مصالح الشعب، بغض النظر عن رضا دول العالم أم غضبها، لكن الجيش الذي يدمن على شراء السلاح من الغرب، ويلم أفراده عبر الخدمة الإلزامية التي تجمع أكبر قدر ممكن من بسطاء التعليم ومحدودي التفكير، لا يستطيع الحوار إلا بالنار والعنف، جيوش تعتبر كلمة (أستاذ) هي أكبر شتيمة ممكن أن توجه داخل المؤسسة العسكرية.. لا يعول عليها إلا بحرق بلدانها.. وهذا ما يحصل.. وسيبقى مستمراً، حتى تتحول فكرة الخدمة الإلزامية إلى خدمة تطوعية للعلم، تكسر عصابات الضباط المتآمرين فيما بينهم، والمتصلين عبر أقنية خلفية مع الخارج.. وهذا ما سيحاول الأتراك فعله الآن.. كي يقفزوا ببلدهم بعيداً عن العالم الثالث الذي تحكمه جيوش بلهاء خائنة.

ان أي دولة لا تستطيع اقناع شعوبها بقوانينها و ظروف حكمها ، تعمد إلى الاستقواء بالجيش لفرض هذه القوانين و الشروط بالقوة ..وهذا ما يتم بالفعل في عموم الدول العربية ..حتى الآن على الأقل.

التعليقات (2)

    يوسف

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    تحليل رائع لواقع الجيوش في العالم الثالث

    [email protected]

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    مقال غاية في الأهمية وقسما سوف نعمل على إدخاله في مناهج سورية الحرة منذ الصف السادس ويتعمق حتى الجامعة لمفهوم الجيش للحدود وظهره إلى البرلمان كااصنم مهما حدث مفهوم ياحذاءاامزهرية
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات