حلب تُسقط فيينا

حلب تُسقط فيينا
من الصعوبة أن نكتب عن معركة لاتزال مفتوحة، ولا يزال صوت الرصاص عالياً ورائحة الدواليب المحترقة تسكن سماء حلب. معركة كبرى كمعارك كثيرة خاضها الثوار على مدار سنوات عمر الثورة ضد نظام الأسد الكيماوي وحلفائه الكثر.

لكن تبقى لهذه الملحمة خصوصيتها لأسباب عديدة، أهمها كسر الحصار عن ثلاثمئة ألف مدني كانوا محاصرين بعد أن سيطر ما تبقى من جيش النظام وحلفائه على طريق الكاستيلو، الحصار الذي سارعت موسكو إلى محاولة استثماره حيث صرح وزير الدفاع الروسي بكل صفاقة أنه على "مسلحي" حلب تسليم أسلحتهم والاستعداد للخروج منها،روسيا كانت تريد تطبيق نموذج مصالحات وهدن استسلامية على ثورا حلب في حال نجح الحصار، أي سيناريو الباصات الخضر سيء الصيت.

وتأتي أهمية معركة حلب الكبرى من كونها نسفت كل تفاهمات فيينا بين موسكو وواشنطن، فالاتفاق بين كيري ولافروف في فيينا نهاية العام الماضي، كان بمثابة فخ للثورة، حيث كانت تسعى موسكو بمباركة أمريكية للضغط عسكرياً على المعارضة عبر زيادة ضرباتها الجوية، وزيادة استهداف كل الفصائل التي تقاتل حليفهم من أجل ان تقبل المعارضة بالرؤية الروسية الامريكية الجديدة، والتي تعني باختصار قبول الأسد الكيماوي، وتشكيل جيش موحد بين الطرفين والتفرغ لقتال تنظيم الدولة.

المعركة جاءت بعد انتكاسات كثيرة للمعارضة، انتكاسات حدثت منذ نهاية شهر أيلول من العام الماضي، أي بعد التدخل الروسي المباشر، معركة حلب لاتزال في بدايتها حسب ما صرح أكثر من فصيل، قالوا إنهم يريدون تحرير كل مدينة حلب، وأن مرحلة كسر الحصار ماهي إلا خطوة أولى.

عسكرياً، يشكل كسر الحصار بعد السيطرة على منطقة الراموسة، والتي تحوي على قلعة حصينة كمدرسة المدفعية ونقاط أخرى مثل المدرسة الفنية الجوية يشكل ضربة كبيرة لما تبقى من جيش النظام وحلفائه. حيث كان يتمركز المئات في تلك الثكنات مع عتاد ضخم ودعم جوي غير محدود من قبل الروس، وأيضاً وجود ميليشيات شيعية تعتبر من قوات النخبة كما يصرحون بشكل مستمر، رغم كل هذا التعزيز العسكري استطاعت الفصائل أن تلحق هزيمة كبرى بالنظام وحلفائه.

لهذا النصر الكبير عدة مقومات أهمها اتفاق الفصائل على وضع خطة المعركة ومشاركة الجميع ضمن استراتيجية واحدة وصولاً للهدف المرحلي الأهم، فك الحصار ومنع وقوع كارثة إنسانية بحق آلاف المدنيين. وأيضاً،الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة كانت متفقة على ضرورة توحيد الجهود  لفك الحصار ولم تبدي  تلك الدول أي رغبة للضغط على الفصائل من أجل قبول هدنة كانت موسكو تستجدي الجميع لتطبيقها انقاذا لحليفها الذي كان يترنح هو وجيشه تحت ضربات المعارضة.

المعركة في بدايتها، وهي قد تطول لأسابيع وربما أشهر، ستعتمد الفصائل غالباً على استراتيجية الكر والفر بسبب تفوق عدوهم جوياً. وستأخد مراحل المعركة عمليات مد وحزر وتبادل السيطرة على المواقع والنقاط الهامة في حلب.

ملحمة حلب نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع في وعلى سوريا، لأنها أولاً أذلت وزير دفاع ثاني أقوى جيش في العالم ورئيسه المتغطرس، حين قال حرفياً بعد الاستيلاء على الكاستيلو "بأمر من الرئيس بوتين سوف يتم فتح معابر إنسانية للمدنيين ومعبر للمسلحين"، وثانياً، أسقطت معركة حلب أمر دبر بليل في فيينا بين كيري ولافروف، حيث أن تفاهمات فيينا أخطر ماحيك للثورة من مؤامرات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات