خريف الطفولة

خريف الطفولة
تتميّز الحياة البشرية بمرورها بعدّة مراحل متعاقبة بشكلٍ منتظم بعيداً عن العشوائية, حيث تمتاز كلّ مرحلةٍ بصفات و مظاهر تختلف فيها عن سابقتها و لاحقتها من المراحل, لتكونَ بصمةً يُعرف بها أين وصلنا في مشوار هذه الحياة.

فالطفولة هي تلك المرحلة البريئة التي لا يحتملُ فيها العقلُ البشري التفكير الكثير, فالحياة فيها عفويةً و لربّما عشوائيةٌ في أغلبِ الأوقاتْ. فالطفلُ و إن كثُرَتْ مشاكسته فالأمر ليس إلا للُعبةٍ أحبّ أنْ يقتنيَها أو لمكانٍ أرادَ الذهاب إليه, هي مشاكسة سهلةُ الحلّ إذاً طالما بقيَ المجتمع يُعامله كطفلٍ يعيش حياته بعفويتها و براءتها دونَ أنْ يكون هناك تدخلٌ في قانون الحياة الذي شرّعه الله لهذه البشرية. فهذا التدخل وإنْ كانَ إيجابياً في بعض الحياة حيث تُصقل من خلاله شخصية الطفل ليكونَ مهيئاً أكثر من غيره للمرحلة التالية فإنّها في معظم الأحيان قد تنعكس سلباً ليُصبح الطفلُ بعدها في عالمٍ يَصعبُ عليه إدراكه, و تصبح تصرفاته خليطاً بينَ براءةِ الطفولة و ظلام المرحلة التي وُضِعَ فيها بشكلٍ قسريّ.

لكَ أنْ تتخيّل طفلاً وُضِعَتْ بين يديه لعبة "الكلمات المتقاطعة" تلك التي يعجز عن حلّها الكثير من الكبار, أقولها جازماً: أنّ الطفلَ سيملؤ الفراغات كلّها و لكنْ بحروفٍ أضاع الطفلُ مكانها الصحيح تاركاً تلك اللعبة في مأزق كبير و كلماتٍ غيرَ مفهومةِ المعنى.

هو الحال نفسه الذي سوف نشاهده عندما يُجنّد الأطفال في سنّ مبكرةٍ و يُدرّبون على السّلاح و القتال و يُشرّبونَ أفكاراً لا تحتملها عقولهم, بيدَ أنّ هذه الأفكار ستًجٍدُ لها مساحةً واسعةً في هذا العقلَ كما أراد له ذلك المجتمع الذي يحيطُ بهذا الطفل. هو يقتلُ ولا يملكُ مفهوماً واضحاً لهذه الكلمة و يُعَذَّبُ دونَ أنْ يُحسَّ بآهات الألم التي تصدر عن الشخص الذي يعذّبه.

هو استغلالٌ إذاً لتربة طاهرةٍ تُنثر بها البذور المطلوبة لتنموَ بسرعة دونَ أنْ يُعيقها بذورٌ سابقة أو يتساقط فيها بذورٌ جديدة, هو مجتمع انغلقَ غلى نفسه لكي يحتفظ بالثمار حتى تنمو و تنضج في أرضه. تلك الأرض التي تُشبه صحراءَ مقفرة يصرّ ساكنوها على زراعتها دون أن يُعدّوا لها العدّة أو أنْ يتركوا مجالاً للثمار لتأخذ وقتها الطبيعيّ في النموّ. فالزراعة كانتْ في غير  موعدها و مكانها كما هو حال الحصاد الذي جاء مبكّراً كثيراً ليقطفَ هذه الثمار دونَ أنْ تشهد لها الأرض أو يعرفها المجتمع و يذكرها. حصاد تسقطُ فيه الثمار المسكينة التي  وُضِعَتْ في الأغصان العالية ليكون سقوطها موجعاً للجميع حتى للأعداء, فهي ثمار كان بالإمكان أن تحيا في مجتمع يحفظها و يرعاها و أرضٍ تُزرع بها بكلّ عناية لمنعها من السقوط كأوراق الشجر في خريف مبكّر, فهم لم يُصبحوا بعد أشبالاً ولا أسوداً ولا رجالاً.

هم أطفالٌ كما العصافير الصغيرة التي تسعى في الأرض مغرّدة تستحقّ حياةً أفضل فربيع حياتهم ما زال مزهراً و الخريف بعيدٌ عنهم كما الجبال و الأدوية.

التعليقات (2)

    kk

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    يا ستار .. نسئلك الخلاص وان تحمي أطفال المسلمين و تعذهم من الشيطان الرجيم

    الماس عنجريني

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    بكلمات بسيطة : مقالك كان ممتازا" أدبيا" وفلسفيا" عبر عن الواقع العلقمي إحساسا" وتذوقا" ..!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات