ما بعد زيارة أردوغان لروسيا

ما بعد زيارة أردوغان لروسيا
أعادت زيارة رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، لمدينة سانت بطرسبرغ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، العلاقات التركية الروسية إلى طبيعتها، بل اتفق الجانبان في نقل العلاقات بين أنقرة وموسكو إلى مستوى أعلى مما كانت عليه قبل إسقاط المقاتلة الروسية التي اخترقت المجال الجوي التركي.

هذه الزيارة المهمة جاءت في مرحلة حساسة جدا، في ظل تكهنات حول اتجاه تركيا نحو التقرب من روسيا والصين والابتعاد عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد أن أفشل الشعب التركي محاولة الانقلاب العسكري التي قامت بها مجموعة من الضباط الموالين لجماعة غولن، بمباركة واشنطن وعواصم أوروبية. ويمكن القول إن الزيارة حققت أهدافها في ترميم العلاقات التركية الروسية، والاتفاق على إيجاد آليات تحول دون نشوب أزمات مشابهة، كما نجحت في كسر الحصار الذي حاولت قوى دولية وإقليمية فرضه على تركيا لإبعادها عن التدخل في الملفات الإقليمية، خلال عملية رسم خارطة المنطقة من جديد.

زيارة أردوغان الأخيرة لروسيا وعودة العلاقات التركية الروسية إلى طبيعتها مما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد التركي، وستعود الشركات والفواكه والخضراوات التركية إلى الأسواق الروسية، كما سيعود السياح الروس إلى المدن التركية، بالإضافة إلى مواصلة إنجاز مشاريع الطاقة المشتركة كمشروع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، مما يعني خيبة أمل كبيرة للمتربصين باقتصاد تركيا القوي.

بالإضافة إلى النتائج الاقتصادية، ستكون للزيارة حتما انعكاسات سياسية على التوازنات الدولية والإقليمية، الأمر الذي جعل العواصم الغربية تراقب الزيارة عن كثب وتبدي قلقها حيال تداعيات التقارب التركي الروسي. ومن المتوقع أن يكون الملف السوري وما يدور في شمال سوريا على رأس الملفات التي ستكون على طاولة المباحثات بين أنقرة وموسكو، في المرحلة الجديدة التي دشَّنتها الزيارة.

كان حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، فتح مكتباً في العاصمة الروسية موسكو، مستغلاً تدهور العلاقات التركية الروسية بعد إسقاط المقاتلة الروسية. وتم إغلاق هذا المكتب بشكل نهائي قبيل زيارة أردوغان لسانت بطرسبرغ، بل زعم بوتن أنه لم يكن على علم بوجود المكتب المذكور. 

آراء ومواقف أنقرة وموسكو لم تكن متطابقة في جميع الملفات قبل 24 من نوفمبر 2015، لكن الاختلافات لم تكن تشكل عائقا أمام تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات. ومن المؤكد أن العلاقات بين البلدين ستشهد أيضا مواقف متباينة من قضايا عدة، مثل ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، إلا أنها لن تعيق تمتين العلاقات الثنائية والبحث عن سبل تقريب وجهات النظر.

تركيا دعمت الثورة السورية من انطلاق شرارتها الأولى، ووقفت إلى جانب الشعب السوري، ودفعت ثمن هذا الموقف المشرف غالياً. ومن غير الوارد أن يتغير موقف أنقرة من الثورة السورية مع التقارب الروسي التركي الأخير، بل المتوقع أن تسعى أنقرة لاستغلال هذا التقارب في صالح الشعب السوري.

التوازنات الجديدة يمكن أن تفتح أمام تركيا مساحات واسعة للمناورة، والإفلات من غدر الولايات المتحدة وقوى إقليمية ومؤامراتها. ولا يعني ذلك بالضرورة الابتعاد عن الغرب والاتحاد الأوروبي، بل المتوقع أن تعزز هذه التوازنات يد تركيا في التفاوض سواء مع واشنطن أو عواصم أوروبية كبرى.;

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات