العيش بين حنايا الفيس بوك..!

العيش بين حنايا الفيس بوك..!
فقدت الأيام لذتها وجمالها ورونقها؛ بفعل الحرب الدائرة وبتفاصيلها الدقيقة الضائعة ايضاً كالنوم والاستيقاظ تصفح جريدة تخبرك مايدور من حولك بملل .. او قراءة مجلة مزركشة بأحدث الالوان وصيحات الموضة.

اليوم أعيش بين قضبان الشاشة الزرقاء منذ الصباح وقبل ان اغسل وجهي افتح هاتفي المحمول واتصفح حسابي على الفيس بوك لأرى ماحدث واقرأ ما كتبه الاصدقاء .. اشاهد تعليقاتهم واعجاباتهم وبعدها استعد للاستيقاظ.

مع فنجان قهوتنا الصباحي "أنا وزوجي " نتأمل حساباتنا الزرقاء بشغف ونقرأ الأحداث ثم نعيد تحديث الصفحات .. وحالنا يقول هل من مزيد. حتى فنجان القهوة أصبح عابراً نرتشفه بارداً ساخناً لا يهم .

اشغّل التلفاز وابحث عن شيء اتابعه .. ارفع الصوت قليلاً حتى أسمع، لانني في هذه اللحظات اوجه نظري نحو هاتفي المحمول الذي يشدني اليه ويضطرني للاقتراب من المقبس الكهربائي لأشحنه. لا افهم كثيراً مايدور في التلفاز الا أنه يصدر صوتاً يوهمني بأن الحياة طبيعية. وكعادتي قبل الثورة لدي متسعٌ من الوقت يومياً لأتابع مسلسلاً مصرياً او سورياً او فيلماً كوميدياً لأحمد حلمي أضحك عليه بشكل جنوني أروح عن نفسي من ضغط العمل او الدراسة .

اليوم في غربتي عن سوريا ومنفاي وبعدي عن مايحدث لا أسامح نفسي قط، لذلك ابقى على تواصل مع من هم في الداخل اتابع صفحاتهم منشوراتهم وتعليقاتهم ، أثني على بطولاتهم واحمد الله على انتصاراتهم واشكره على مايمدهم من قوة لبقائهم في سوريا رغم ما يدور فيها. عندما ابتعد عن جوالي لسبب تحضير الطعام او لزيارة مباغتة لضيف غير محبب أشعر بالتقصير اتجاه سورية والسوريين.

أعيش اليوم في غربتي بين حنايا الفيس بوك اتابع واعلق واشارك .. لأثبت لمن بقي اني معه واتابعه أو لأثبت لنفسي "النادمة" انني ما خرجت من سورية عبثاً وانني لا زلت على تواصل واعلم كل صغيرة وكبيرة وما يجري على الأرض.

لكن اتوقف احياناً وانتبه لهذا الغرق الكبير في الصفحات الزرقاء واقول لنفسي "ليس كل ما ينشر هنا حقيقة ..هذه المناشير لا تعبر الا عن رأي أصحابها لا يجب عليّ الغوص اكثر .."

احاول الابتعاد لكن شيء ما يشدني الى التصفح والاطمئنان على الأصدقاء ليس فقط في سورية وانما في دول اللجوء يجب أن أبقى متابعة لكل مايهم السوريين .

أتصفح أحياناً مجموعات انشأها مغتربون في المانيا والنروج وحتى في السودان ومصر  مجموعات تحكي قصص ومواقف وطلب مساعدة واستفسار عن شيء ما وكذلك مجموعات الطبخ والموائد في غربتهم، لأطلع على احوال السوريين في كل بقاع الأرض.

مللت كثيراً من العيش في الواقع الافتراضي الذي أنساني زيارة أصدقائي وأقاربي وليالي سمر جميلة، قررت في لحظة قوة ان سأغلق حسابي ليومين بسبب التوتر والقلق والأرق الذي اعانيهم وطلبت مني الطبيبة الابتعاد عن نشرات الاخبار والموت والقتل وأن ألجأ للتسوق وقراءة مجلات ومتابعة افلام او مسلسلات واي شيء ترفيهي اخر ونصحتني ان امارس الرياضة واعتني بصحتي وحتى بأسناني التي أهملتها كثيراً.

اغلقت الحساب فصلت (الواي فاي )عن جهازي فحتى واتس اب او فايبر سيشغلاني عن فرصة الاستراحة التي قررت ان اتخذها لنفسي.

مضت الساعات ببطء، قهوتي لذيذة ساخنة كما أحبها. عملت على تنظيف منزلي وتحضير وجبة افطار شهية وخرجت بعدها لشراء الخضار واللحم لتحضير الغداء . ويمكن في طريقي أن أعرّج إلى بيت صديقتي ابارك لها بالمولود الجديد واطمئن على صحة اخرى واسلم على اهل صديقتي القادمين للتو من سورية واهنأ جارتي بنجاح بناتها وتفوقهم المدرسي.

امور وتفاصيل قد نسيتها وابتعدت عنها في غربتي الفيسبوكية كما اسميها احياناً. مرّ اليوم الأول بسلام وهدوء.

في المساء فتحت التلفاز، لم استطع إلا وان أمر بقنوات الأخبار وأتابع مايجري بسوريا، تفاجأت بأخبار تحرير مدرسة الحكمة في حلب والأطفال الذين يحرقون الاطارات وجيش الفتح يتقدم .... والكثير من الفرح والانتصار . سارعت الى هاتفي فتحت حسابي الفيسبوكي تزاحمت الاشعارات والرسائل عليه تابعت ..علقت ...شاركت ..لم أستطع ان ابقى متفرجة فيجب أن أشارك الحدث.. حضّرت عدة تقارير اخبارية سلمتها لوكالات متعاقدة معهم وعدت لارتشاف قهوتي الباردة أو الشاي الساخن الذي يحرق فمي في كل مرة لاستعجالي بشربه.

لن أبتعد عن الفيس بوك مرة أخرى فأخشى أن يسقط بشار الأسد أو أن يحاصر ويقتل وأنا بعيدة عن عن المشاركة في هذا الحدث الجلل.

سأبقى بين قضبان الشاشة الزرقاء محاصرة ، الى ان تنتهي الحرب في سوريا يمكن يومها أن أطمأن واستطيع اغلاق الهاتف بأمان دون أن افجع بخبر موت قريب او اعتقال أحدهم،  وان الطائرات التي تحوّم فوق سوريا لن ترتكب مجزرة وتقتل العشرات من الاطفال . عندما تنتهي الحرب سأعود معلمة كما كنت اتفرغ لمتابعة تعليمي واقتناء مجلات ترفيهية وأحل الألغاز واحتسي قهوتي ساخنة.

التعليقات (3)

    محمد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    سلام عليكم ياضيع دين الاسلامي ياله من بعد عن الله بسب فيس بوك سوريا لبست بحجه الا رجوع الى الله

    التاريخ

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    انتهى زمن الفضائيات وحتى الجزيرة في متابعه الاخبار هلىء الفيس بوك وتويتر بيجيب اخبار الثورة لحظة بلحظة مع انو في كثير من التغريدات والاخبار مبالغ فيها او غير صحيحه الا ان الفيس بوك وتويتر بينقل اي شيء بيصير بسوريا بسرعه

    عبد الرحمن

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    ليس بعداً عن الله لكن الفيسوك اليوم هو أداة تواصل هامة جداً ومنبر اخباري متنوع أيضاً
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات