تنظيم تدفق اللاجئين بدل حل النزاعات

تنظيم تدفق اللاجئين بدل حل النزاعات
ما الذي اتفقت عليه الدول الـ193 في الأمم المتحدة بنهاية قمة اللاجئين والمهاجرين؟ تضمن البيان الختامي نيات حسنة مثل: إدارة أفضل لتدفق اللاجئين، حماية حقوقهم الأساسية، زيادة الدعم لدول الاستقبال، تحسين تعليم الأولاد.. لكن المعنيين بأعمال الإغاثة وجدوا أنه كانت هناك تعهدات جيدة ولم تكن هناك أرقام، أي أن معاناتهم لتأمين الموارد ستستمر بلا تغيير. ففي الأعوام الخمسة الماضية لم تكن التبرعات بمستوى المأساة، وكلما ازدادت أعداد المحتاجين كلما تراجعت العطاءات. الحكومات تعبت سريعا من هذه الاستنزاف الطارئ، وتذرعت بأزماتها المالية ومتطلباتها الداخلية. بالطبع كانت هناك دول التزمت على الدوام ما توجب عليها، لكن عدد الدول المتهربة ظل أكبر.

كان «تقاسم المسؤولية عالميا» من أبرز التعهدات، غير أن سلوك الدول يشير إلى العكس. وكان الأهم ما لم يطرح في تلك القمة، وهو أن تبلور الدول الكبرى المعنية إرادة حازمة لحل النزاعات التي غدا النزوح من تداعياتها الكارثية. استبقت القمة بعرقلة إيصال المساعدات إلى حلب المحاصرة، ثم تزامنت مع حدث بالغ الحقارة والدناءة إذ دمرت قافلة المساعدات بغارة جوية ليلية رجح أن القوات الروسية قامت بها. ورغم أن الأمم المتحدة تقدر عدد اللاجئين في العالم حاليا بـ65 مليون شخص، إلا أن عشر هؤلاء هجروا قسرا من سوريا وتحملت ثلاث دول، هي تركيا ولبنان والأردن، العبء الأكبر في إيوائهم. وفيما يستمر الصراع في دفع أعداد جديدة منهم إلى دروب الهجرة، ظهر أخيرا الاستعصاء الدولي في أسوأ أشكاله حين عجز «اتفاق» روسي - أميركي عن تأمين هدنة، ناهيك عن إيصال الغذاء والدواء إلى المحاصرين. فهل يعني ذلك، بعد قصف المشافي وفرق الدفاع المدني، سوى دعوة إلى المغادرة.

لعل اليأس من المجتمع الدولي هو ما جعل الأمم المتحدة تلح على «إعادة توطين» اللاجئين ليتمكنوا من بناء حياة كريمة ومن توجيه أبنائهم نحو سبل تبعدهم عن العنف والتطرف. وتقدر الإحصاءات النازحين بـ41 مليونا داخل بلدانهم، فيما تكشف توزعا غير متكافئ لـ24 مليونا ينتمون إلى عشر دول إفريقية وآسيوية وعبروا الحدود بحثا عن ملاذ، فمعظمهم يعيش في ثماني دول ذات مداخيل ضعيفة أو متوسطة، ولا شك أن دولا مثل أوغندا وكينيا وإثيوبيا وباكستان لا تستطيع استيعابهم أو وضع الخطط المناسبة لإدارة عيشهم، وبالتالي فإن إعادة توطينهم لديها لا يعني شيئا بالنسبة إلى «حقوقهم». أما الدول الغنية والقادرة على توطينهم فلم تستقبل سوى %7 (نحو 1,8 مليون)، بينها مثلا الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والثلاث الأخيرة تضيق بوجودهم وتجتهد في وضع العراقيل لصدهم.

لا شك أن تكاثر الدول الفاشلة باقتصادها المضطرب وانعدام فرص العمل والمستويات العالية للفقر كان وراء بعض النزوح القسري، لكن أضيفت إليه حروب ونزاعات أهلية بعضها مستمر منذ ربع قرن (سوريا والعراق والصومال والسودان وجنوب السودان وبوروندي والكونغو الديمقراطية والقوقاز..). وبالنظر إلى الخوف من الإرهاب فإن ظواهر العنصرية والعداء للأجانب تتفاقم في بلدان الاستقبال. ورغم أن البنك الدولي يطالب بمساعدة إنسانية تقرب من ثلاثين مليار دولار، إلا أن الطريق الأقصر لمعالجة مشكلة اللاجئين تبدأ أولا بحل النزاعات ودعم التنمية والكف عن مساندة الحكام المستبدين.;

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات