تسريبات كيري خبث في الهدف والتوقيت!

تسريبات كيري خبث في الهدف والتوقيت!
في تسجيل صوتي مسرب مدته 40 دقيقة، لاجتماع عقده جون كيري مع وفد من المعارضة السورية، في مقر الوفد الهولندي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 22 إيلول \\ سبتمبر الماضي، وكشفت النقاب عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يقول كيري: "نحن ندعم المعارضة في وجه القاعدة وتنظيم الدولة أيضاً، لأنهم يتآمرون على أمريكا، لكننا لن ندعمهم ضد حزب الله اللبناني لأنه لا يتآمر ضدنا". 

الوزير كيري وخلال الإجتماع، يشرح لوفد المعارضة، مدى التزام الولايات المتحدة بالقانون الدولي، وعدم قدرتها على مهاجمة قوات الأسد دون قرار أممي، أو طلب من "الحكومة الشرعية"، مذكراً إياهم بأن روسيا لا تقيم وزناً للقانون الدولي، لكنه وبالطبع لم يأتِ على ذكر إسقاط بلاده لعشرات الأنظمة الشرعية حول العالم ولا تدخلها لإسقاط نظام القذافي، أو غزوها واستباحتها للعراق دون قرارات أو تفويض من مجلس الأمن الدولي، هذا المجلس الذي لا يعدو دوره، عن كونه مطية وأداة بيد الدول الكبرى، تستخدمه من أجل تنفيذ مشاريعها وفرض إرادتها بشكل سلمي على الدول الأضعف؟!

التسريب الصوتي أظهر وعلى لسان كيري، زيف وكذب إدعاءات الإدارة الأمريكية، وحديثها عن ضرورة تنحي الأسد، وهو في نفس الوقت يكذب خطوط أوباما الحمراء وكلامه عن أيام الأسد المعدودة، حيث ظهر كيري وهو يطلب من الوفد السوري ضرورة المشاركة في إنتخابات تضم الأسد والقبول بنتائجها. يتحدث وكأننا لم نثر ضد نظام مافياوي مجرم، ويختصر أزمتنا بوجود تنظيمات معادية للولايات المتحدة، وما كانت لتتواجد لو سقط هذا النظام.

كل ما جاء في التسريب خطير وخطير جداً، لكن لعل أخطره، هو ما كشف عنه أحد الحضور السوريين، ويدعى المهندس "مصطفى السيوفي"، من أن كيري، قد تحدث إلى وفد المعارضة السورية بالقول حرفياً: "عليكم أن تقاتلوا من أجلنا، لكنّنا لن نقاتل عنكم". 

عبارة قاسية وفجة بكافة المقاييس، وبعيدة عن الأعراف الدبلوماسية، وهي إن دلت على شيئ، فإنما تدل على وقاحة الرجل، ونظرة الدونية والتبعية التي تنظر بها الإدارة الأمريكية للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، والتي يمكن إعتبارها إنعكاساً لحالة الانتهازية والأنانية والتسول، التي صبغت طابع عمل شرائح عريضة من المعارضة، التي نصبت نفسها ممثلة لأعظم ثورة عرفها التاريخ، لكنها فشلت في أن تكون على مستوى تضحيات الشعب السوري الثائر. 

ما قاله كيري في التسريبات يفسر تلقائياً، سبب تشرذم الفصائل وتناحرها، واستخدام بعضها كأدوات في حرب الولايات المتحدة على ما يسمى "الإرهاب" السني تحديداً، بينما يبقى إرهاب الأسد، وروسيا، وإيران، وميليشياتها الطائفية الشيعية، إرهاباً مرحباً به طالما أنه موجه ضد المسلمين السنة.

يطيب للبعض أن يصف كيري بالضعيف المتردد، وهو وصف فيه ظلم كبير للرجل الذي يعرف ما يريد، ولكن له أسلوبه الخاص به، ويكفي أن نشاهد أثر سياسته المدمرة على منطقتنا كي نعلم حقيقته، ربما كان هؤلاء يتوقعون من شخص بخلفية كيري العرقية والدينية، أن يصيغ السياسة الخارجية الأمريكية بما يخالف مصالح أمريكا وإسرائيل وإيران؟ وبما يتوافق مع مصالح العرب والمسلمين؟ هي أحلام وأماني ليس إلا.

جون كيري ذو الأصول اليهودية، الذي نافس الرئيس السابق "جورج دبليو بوش" في انتخابات العام 2004 وخسر أمامه بفارق ضئيل، هو خريج علوم سياسية، خدم في البحرية الأمريكية في فيتنام، وحائز على العديد من الأوسمة والميداليات، كالنجم الفضي، والميدالية البرونزية ستار، وثلاث ميداليات القلب الأرجواني، وهذا دليل مشاركة فاعلة في الحرب. وكيري عمل محاميا وتدرج في المناصب الحكومية كنائب مدعي عام، ثم مدعياً عاماً، ونائباً لحاكم ولاية ماساتشوستس، ثم حاكماً لها، وعضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي لخمس دورات، ورئيساً للجنتي العلاقات الخارجية والمشاريع التجارية الصغيرة، لقد جمع هذا الرجل بين أربعة وظائف وخبرات عملية فهو "محامي، وضابط بحرية، وسياسي، ودبلوماسي". 

  

كيري ليس بالرجل عديم الخبرة، أليس هو من أنجز الاتفاق النووي الشهير مع إيران؟ فضرب بعرض الحائط مصالح حلفاء الولايات المتحدة العرب والأتراك، وهو من طمأن المصارف الأوروبية ودعاها للتعامل مع إيران؟ أليس هو مهندس هدن سورية التي لم يحترم أي منها؟ وهل ننسى القضية الفلسطينية التي أصبح ملفها في خبر كان؟ أم ننسى الدعم اللامحدود للميليشيات الشيعية الطائفية، وإستباحتها للدم السني في سورية والعراق؟ وإطلاق يد إيران وأشياعها في المنطقة؟

تماماً كديمستورا الذي يعتبره السوريون وزيراً لخارجية الأسد، أو ناطقاً بإسمها، فإن جون كيري وعندما يتعلق الأمر بإيران، فسنراه يتحدث كما لو أنه وزير خارجيتها، ولو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، لعلمنا أن مخرجات إجتماعات فيينا، كانت هي نفسها بنود مبادرة الحل السياسي التي طرحتها إيران وروسيا، وعدل عليها الأسد، ليتبناها دي ميستورا، ويفرضها كيري على إجتماعات فيينا، وقد سلطت حينها الضوء على "الخطة الإيرانية" بمقال نشر على موقع أورينت نت، تحت عنوان: "خطة الحل السياسي المطروح على الطاولة" حيث مضى على نشره عام بالتمام والكمال. 

يقول المثل: إذا عُرف السبب بطل العجب، فانحياز كيري لإيران له ما يبرره، لأننا إذا ما إستثنينا السياسة وإلتقاء مصالح البلدين، فإن ما يربط الرجل بالإيرانيين هو علاقة نسب ومصاهرة، حيث من المعروف أن ابنته المدللة "فانيسا" متزوجة من الطبيب الأمريكي، الإيراني الأصل "بهروز براين ناهد".

الولايات المتحدة تقدم نفسها كطرف مدافع عن الحرية والديمقراطية، وداعم للمعارضة السورية أو بعض أطيافها، لكن دعمها ودفاعها لا يستند على أي جهد حقيقي يمكن الوثوق به بل على العكس فإن الإدارة الأمريكية وفي أكثر من مناسبة، عملت على تخويف المعارضة وإجبارها على القبول بما يقدمه الروس والإيرانيون من مبادرات، فقول كيري في التسريب الصوتي: "إذا تدخلنا في سوريا سوف يرتفع سقف المراهنات وسيقضون عليكم جميعا" هو تهديد واضح وصريح، ويعيد إلى الأذهان ما قاله في حوارات جانبية على هامش مؤتمر المانحين في لندن بتاريخ 5 شباط \\ فبراير من هذا العام، أي قبل إعتماد الهدنة الأولى في نفس الشهر، حيث سرب أنه قد حَمّل وفد المعارضة مسؤولية فشل مباحثات جنيف حينها، وهددهم بأنه سيتم اقتلاع المعارضة خلال ثلاثة شهور من الجحيم، الذي قصد به قصف روسيا ونظام الأسد للمدن المحررة.

موقع "ميدل إيست آي" الأمريكي الذي سرب تهديد كيري هذا، تحدث حينها أيضا عن رسالة أمريكية للأسد، مفادها: " نحن لا نريد تغييرك، ولكن عليك أن تتوقف عن القصف بالبراميل كي نستطيع تسويقك" 

تسريبات كيري هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وهي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة بشكل مباشر عن مأساة السوريين، فلاهي التي وقفت إلى جانبهم، ولا هي التي منحتهم حرية العمل على إسقاط النظام الذي ثاروا ضد جرائمه، بل عملت بجد على شرذمة السوريين وتنصيب الفاسدين والخونة كممثلين لأعظم ثورة عرفها التاريخ.

  

من المهم جداً لنا، أن نعلم أنه لم يكن بمقدور أحد أن يسجل لقاء كيري بوفد المعارضة، دون علم المسؤولين الأمريكيين، الأمر الذي يعني أن التسجيل مقصود، وكذلك توقيت بثه الذي جاء في ذروة ما طفى على السطح من حرب التصريحات وتأزم العلاقة بين واشنطن وموسكو، فكان التسريب رسالة تطمين أمريكية لروسيا وإيران وأشياعها، مفادها: "نحن معكم في نفس الخندق، حتى وإن اختلفت الوسائل"، وهو ما أسهم في تخفيف حدة الإحتقان بين البلدين، وتهدئة الدب الروسي الهائج.

زعيم ميليشيا حزب الله أيضا تلقف الرسالة الأمريكية، فكان خطابه في الأول من شهر محرم، رداً غير مباشر على حديث كيري الذي لم يعتبر حزب الله عدواً للولايات المتحدة، حيث جاء الخطاب حافلا بالنفس الطائفي والتجييش الديني، ومؤكدا للجميع على حقيقة أن حرب إيران وأشياعها في المنطقة موجهة ضد المسلمين، وليس ضد الغرب وإسرائيل.

    

الإدارات الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام صديقاً للشعوب، ولا ناصرة للحرية والديمقراطية، رغم رفعها لشعارهما، فهي دولة قامت على جماجم ملايين البشر، وهي اليوم مركز صناع القرار العالمي، شئنا أم أبينا، وسواء فهمنا هذه الحقيقة وعملنا على أساسها، أم تجاهلناها، والثابت في الأمر أن أي إدارة أمريكية جمهورية كانت أم ديمقراطية، لم يعد بإمكانها أن تحيد عما هو مرسوم لها، وما موقف إدارة أوباما من مأساة الشعب السوري المستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام، سوى ترجمة لمخطط إطالة أمد الحرب، وصولاً إلى تدمير سورية الوطن والإنسان، فماذا بعد؟ وإلى متى سيبقى هذا التشرذم والإنبطاح العربي الإسلامي؟ الذي قد ينقل السيناريوهات السورية والعراقية واليمنية إلى دول عربية جديدة؟

التعليقات (5)

    الحقيقة

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    السياسة الامريكية اتجاه ايران هي متداد لسياسة البريطانية مطلع القرن المنصرم من دعم خفي وتوسيع لايران وستبقى هذه السياسة كما هي ما دامت تؤتي ثمارها الامركا والغرب ولن تتغير حتى تتغير والوقائع على الارض وليس بتغير اسماء المسؤولين بالغرب

    Houssam Abunaag

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    تحليل رائع وواقعي نرجوا ان يبدد اوهام من يراهنون على العدو الاول للشعب السوري وثورته وعموم اهل السنه...

    خليل المقداد

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    أشكرك أخي حسام, هذه هي الحقيقة وعلينا أن نعمل على أساسها

    خليل المقداد

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    في الحقيقة لم تكن إيران يوما عدوا للغرب بل كانت علاقتها بهم علاقة تحالف وتنسيق, عدوها هو العرب والمسلمون

    ابو عمر

    ·منذ 7 سنوات 7 أشهر
    تحليل منتاز وهذا يدل على ان الشعب السوري عليه ان يخضع تحت سيطرت تنظية الدوله الاسلامية لانهم الوحيدين الذين يدافعون عن الاسلام السنة الله المستعانه
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات