تهافت الاتفاق الروسي الأمريكي

تهافت الاتفاق الروسي الأمريكي
لم ينفك الروس والأميركان عن عقد مؤتمرات ثنائية وجماعية، بعضها معلن وبعضها سري، تدور أغلب نقاشاتها حول مخارج غير حاسمة للأزمة السورية، غارقة في ترتيبات أولويات كلا الطرفين في تحديد مطالبه في هذا الاتفاق، فالروسي يطالب بهزيمة كاملة لتنظيم الدولة الاسلامية وجبهة فتح الشام قبل الدخول في أي حوار سياسي، ومن جهتها لا تبدي الولايات المتحدة أية رغبة غير كلامية في تنفيذ طلباتها في تطبيق انتقال سياسي يتيح للمرحلة الانتقالية البدء في حوار مفرغ يدور في حلقات لا منتهية، بينما الشعب السوري ينزف يومياً، الجديد في هذا الحوار غير المنتهي هو عودة البريطانيين إلى الساحة، عبر طلب بوريس جونسون وزير خارجية المملكة المتحدة إعادة الملف السوري إلى مجلس الأمن، واتخاذ إجراءات حاسمة من شأنها إنهاء أكبر مأساة عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.

فرغم الجهود اللفظية من الطرفين الروسي والأميركي إلا أن أغلب الآراء السياسية تشير إلى استعصاء كبير يدور ما بين الطرفين، تلخصه ببساطة القيود التي وضعها باراك أوباما على نفسه فيما يخص انتهاكه للوثيقة الأخلاقية التي سنتها الولايات المتحدة عبر العقود الستة التي أعقبت انتهاء الحرب الكبرى الثانية، والتي تعهدت عبرها الولايات المتحدة بالانتصار إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها ومنع أية انتهاكات ومجازر كبيرة قد تحدث خلال العهد الأميركي، ولم يطالب العالم أميركا بأي شيء آخر غير ممارستها لدورها في الزعامة العالمية ، طالما هي تسمي نفسها زعيمة العالم الحر وغير الحر.. وتدخلها المباشر في جميع ملفات العصر الحديث السياسية منها وغير السياسية ، من هنا يدرك الجميع أن الاتفاق الروسي الأميركي ليس إلا مضيعة للوقت، واستنزاف غير مباشر للقوى المتصارعة عبر الصمت الأميركي المخيف، الذي كان ديدنه التنازل الأوبامي المذل لإيران فيما لا تنتفض على الاتفاق النووي، مما فسح المجال أمام التغاضي عن شرط بقاء بشار الأسد في السلطة .

كلا الدولتين تدرك أن المسألة معقدة للغاية، وقد أضحى الصراع أكبر من أن يحل عبر حل الأزمة السورية نفسها ،فالعطب المشخص في سوريا كشف عن أزمة إقليمية و دولية كبير ، أزمة ثقة تتفاقم في الإقليم بين إيران و تركيا والسعودية، وأزمة دولية تتعلق برغبة واشنطن في إعادة الدب الروسي إلى القمقمم الأميركي، وأخرى تتعلق في كبح جماح المد التركي المتزايد في المنطقة العربية ، والرغبة في إزالة أردوغان نفسه لتمهيد الطريق للتعامل مع تركيا واقعية كما يراها الغرب، تركيا لا تنازل أوروبا ولا ترغب في ضم قلوب المشرق العربي.

أزمات تفجرت من رحم الثورة السورية، وكبرت لدرجة أن كرة ثلج الأزمة السورية باتت تتدحرج من دولة إلى أخرى محققة كل ما يطلبه مديرو الأزمات في مراكز صنع القرار من وصفات لتكسير الأطر القديمة ومحاولة خلق واقع جديد أو ربما شرق أوسط جديد يخرج من رحم الفوضى الخلاقة التي تحدثت عناه كوندوليزا رايس. 

فما هي الجدوى الحقيقية من تحقيق السلام في سوريا بالنسبة لصناع القرار الأميركيين، هل هي تحقيق الأمن والسلام والديمقراطية للسوريين، غالباً لا يكترث الغرب لهذه القيم حينما يفاضلها مع مصالحه ، بينما بقاء الأزمة مشتعلة تجعل جميع الأطراف مستعدة لتقديم تنازلات حاسمة وحقيقية ،في جميع الملفات المتراكمة ، طبعا لم تتوقف الادارة الأميركية عن صب الزيت على النار في إدارتها للملف السوري وتشعباته، بل زادت منه، بداية من الانسحاب من العراق في 2011 للتركه نهباً لداعش ولايران، مروراً بالتراجع عن الضربة الكيماوية والاتفاق النووي مع إيران ومؤخراً إقرار قانون جاستا لملاحقة الدول التي خرج منها إرهابيو الحادي عشر من أيلول .فإن لم ينفع الضغط فالمزيد منه حتماً سينجح ، والروس الذين تورطوا في المستنقع الروسي، ربما لن يخرجوا منه كما دخلوه، وبوتين المتعجرف الذي قضم القرم وشرق أوكرانيا وأبخازيا وأوسيتيا في 2008 و 2015، سيتمنى لو أنه لم يتورط في الرقعة الشرق أوسطية التي ابتلعت امبراطوريات سابقة ، أما الايرانيون فهم يصنعون بأيديهم من سيقوم بالقضاء عليهم ، وكل المد الذي يحصلون عليه ما هو إلا ضغط هائل للقوى التي سترتد عليهم والجميع يدرك هذا بمن فيه الفرس نفسهم .

الترياق السوري ما هو إلا وصفة سحرية يمتلكها الأميركيون ،وهي محفوظة في مكان بعيد جداً حالياً عن متناول الأيدي الروسية ، وكل ما يطلبه الروس هو إيقاف الانهيار الإقليمي الذي سيتدحرج تلقائياً إلى القوقاز ومنه إلى أواسط آسيا و شرق الصين فيما يسمى تركستان وحينها ستبدو الدولة الروسية أشبه بدب بلا أنياب و لا حتى أسنان .

إن العد التنازلي للمرحلة الأوبامية قارب على الانتهاء ، وبكل تأكيد جميع الأوروبيين والروس والعرب والصينيون ينتظرون بترقب شكل وأبعاد قائد اللعبة الجديد ، هل سيكون مجازفاً كجورج بوش ويتورط عسكرياً أ أنه سيبقى حذراً كأوباما وقيادته للأزمة عن بعد ، أما كل شيء غير الانتظار فيبقى تحريك للأحجار بعيداً عن كلمة كش ملك.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات