قراءة فى الموقف التركى من معركة الموصل

قراءة فى الموقف التركى من معركة الموصل
تصر تركيا على المشاركة الجدية أو على الأقل عدم إبعادها عن معركة الموصل في العراق، لحاجات سياسية أمنية، وحتى اقتصادية، وهي تحبّذ طبعاً أن يتم تكرار نموذج جرابلس في الموصل، بمعنى أن لا يتم الاستعانة بإرهابيين في معركة تحرير المدينة. وأن يتم الاعتماد على أبناء المنطقة مع تسليمهم الإشراف عليها وإدارتها بعد تحريرها لتلافي أي آثار أو تداعيات سلبية، كما حصل قبل ذلك في سورية والعراق نفسها.

 فى الحقيقة ثمة اسباب عديدة تقف خلف اصرار تركيا على المشاركة والحضور في معركة الموصل، لأن المعركة ضد داعش، وهي ليست فقط عضوة في التحالف الدولي ضد التنظيم، وإنما تخوض معه معركة مباشرة سواء  في تركيا او فى سورية والعراق ، كونه يشكل خطر فعلي وجدى على الأمن والمصالح التركية في المنطقة.

تصر أنقرة  كذلك على المشاركة الجدية فى المعركة كي تمنع مشاركة إرهابين من بي كاكا فيها لأن مشاركة هؤلاء لا تضفى عليهم شرعية سياسية وإعلامية فقط، وإنما تسمح لهم بالحصول على أسلحة وخبرات قتالية يستخدمونها ضد تركيا نفسها، فيما بعد علماً أنهم مستمرين في المعركة ضدها داخل تركيا وخارجها.

أنقرة تريد كذلك ضمان أمن وسلامة التركمان العراقيين سنة وشيعة، وضمان ألا يحدث أي تغيير ديموغرافي في المدينة، كما حصل قبل ذلك فى مناطق ومدن اخرى، ما  يؤثر على مستقبل المنطقة والتوازانات السياسية والديموغرافية فيها.

 الى ذلك لا ترغب تركيا فى  حصول موجة نزوح جديدة من اللاجئين إليها مع ملاحظة أن الحديث يجري عن احتمال نزوح مليون لاجىء من الموصل ومحيطها، وهي تعتقد أن  أى إدارة خاطئة سيئة أو طائفية للمعركة ستؤدي إلى زيادة عبء اللاجئين عليها، وحتى على أوروبا نفسها.

ثمة بعد مهم ايضا فى الموقف التركى وهو امنى او عسكرى بحت حيث تسعى انقرة للحيلولة دون رحيل أو انسحاب عناصر داعش من الموصل والعراق لسورية، كما حدث ايضا في مناطق أخرى الانسحاب المحتمل لداعش الى  مدينة الرقة أو حتى لمدينة الباب فى ريف حلب الشمالى ، سيقوى التنظيم علماً  أن عملية درع الفرات فى ذروتها كما ان معركة تحرير الباب تبدو مسألة وقت فقط، أيام حتى  وليس أسابيع وشهور.

لا يمكن تجاهل  حقيقة أن المنطقة غنية بالنفط ولا تريد تركيا ان يتم سرقته من اهلها سواء من قبل بى كا كا داعش او حتى الحشد الشعبى وهى تريد ضمان أن  تظل خيرات المدينة لاهلها ضمن وحدة البلد ككل طبعا وضمان ان تستمر فى تشكيل منفذ او طريق امن  لتصديره الى الخارج كما يجرى بالضبط مع اقليم شمال العراق الامن المستقر والمزدهر لعدة اسباب منها علاقته الوثيقة والقوية مع تركيا التى تشكل منفذه  وصلة وصله مع العالم الخارجى فى ظل العلاقة المتوترة مع بغداد والسياسات الطائفية والاقصائية لحكومتها.

 فى سياق متصل فإن تركيا تملك مسوغات وحجج  سياسية قانونية وواقعية  تبرر إصرارها على الحضور فى معركة الموصل  حيث تخوض حرب شرعية ومحقة ضد  التنظيمات الارهابية سواء اكانت داعش او بى كا كا  ، وهي حسب البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة تملك الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهابيين الذين يشكلون خطر على أمنها ويستغلون  بعض المناطق فى سورية والعراق كقزاعد خلفية لتخطيط وتنفيذ عمليات ارهابية فى اراضيها .

تركيا عضو  كذلك في التحالف الدولي لمواجهة داعش، وهي مكون مركزي وأساسي ورئيسي فيه، وبالتالي لا يمكن تجاوزها، خاصة أن قاعدة انجيريلك العسكرية التركية تشكل القاعدة الجوية المركزية والرئيسية في.العمليات  والغارات الجوية ضد داعش.

تركيا تملك الحق المبدئي والقانوني أيضاً للتدخل حسب معاهدة أنقرة 1926 بينها وبين وبريطانيا، والتي بموجبها تنازلت  عن ولاية الموصل مقابل نسبة من بترولها لمدة 25 سنة،  والتزمت الحكومات العراقية المتعاقبة بذلك بذلك فعلاً حتى الخمسينيات من القرن الماضى كما ان الاتفاقية تنص  كذلك على احتفاظ انقرة بالحق في الدفاع  عن أو حماية التركمان بالمنطقة إذا ما تعرضوا لأخطار جدية تهددهم.

ثمة عوامل سياسية وواقعية أخرى  تشجع انقرة على المشاركة والحضور فى معركة الموصل ،  منها تاييد  قيادة إقليم كردستان، لتلك المشاركة، وهي على توافق تام بهذا الصدد مع الحكومة التركية، كونها أصلاً من دعت أنقرة –بالتوافق مع الحكومة المركزية طبعا وبموافقة منها -لإرسال مدربين  منها إلى معسكر بعشيقة، وقدمت وما زالت التغطية السياسية والإعلامية اللازمة، وهي  كذلك ترفض مشاركة بي كاكا التركي الإرهابي في المعركة، لأنها على خلاف حادّ معه لاقحام نفسه فى المعركة ضد داعش ، كما على طريقة تعاطيه مع الحكومة التركية نفسها، وهي  اى قيادة الاقليم ترفض أيضاً مشاركة الحشد الشعبي الشيعي في المعركة، لأنها ستكون سلبية ولها تداعيات ضارة ومؤذية خاصة بعد الجرائم التي ارتكبتها في المناطق المحررة في الفالوجا والأنبار.

أبناء الموصل، وأهل المدينة على اختلاف مكوناتهم يؤيدون بل ويطالبون علناً بالحضور التركي في المعركة  كما الحشد الوطني يؤيد أيضاً تلك المشاركة كون أنقرة التي دربته وجهزته للمشاركة الجدية في تحرير مدينتهم  ولضمان ألا يكون أي تطهير عرقى وحماية أو هيمنة للإرهابين على المنطقة بعد تحريرها، كما حصل أيضاً في مناطق أخرى في سورية والعراق على حد سواء.

 من جهته فان الحشد الشعبي الشيعي يصر على المشاركة في معركة الموصل، رغم رفض كل الأطراف له لفرض هيمنته سيطرته على المنطقة، وتقوية حضوره السياسي والعسكري في الشمال والعراق بشكل عام، كما لفرض حضور إيران أيضاً التي تريد الهيمنة على العراق لتقوية أوراق القوة والمساومة لديها. كما للحفاظ على خط التواصل بين طهران وسورية ولبنان، وهو ما يقتضي بالضرورة هيمنة سياسية أمنية وعسكرية وحتى تغيير ديموغرافي أيضاً.

الموقف الأمريكي قد يكون حاسم  أو أحد العوامل الحاسمة فى معركة الموصل والمشاركين الفاعلين فيها  كون واشنطن هي القائد الفعلي للمعركة ، وهي من دربت معظم الأطراف أو قدمت أسلحة وعتاد لهم، وحتى الآن أمريكا تقدم تصريحات متضاربة وموقفها ضبابي بامتياز، فتارة تتحدث عن نقاشات وخطوات لضمان ألا يحدث تدفق للاجئين، وتتحدث عن رفض دخول الحشد الشعبي والبيشمركة للمدينة بعد تحريرها، حيث سيقتصر الأمر على الشرطة المحلية والعشائر التي قامت بتدريبها، ولا تطرح موقف واضح وقاطع من الحشد الوطني من أبناء الموصل الذي دربته تركيا أو حتى مشاركة أنقرة نفسها.

 ومن الصعب  تصور أن تحدث الضجة السياسية والإعلامية من حكومة المنطقة الخضراء في بغداد ضد تركيا دون ضوء أخضر أو حتى برتقالي من واشنطن، ولكن من الثابت حتى الآن أن الإدارة الأمريكية لا تتبنى، ولا تتحمس تجاه نموذج جرابلس اى عدم الاستعانة بارهابيين والاعتماد فقط على القوات  المدربة المحلية المحلية وابناء المنطقة  مع تغطية جوية وتقديم إستشارت ومواكبة برية عند اللزوم ، وتبدو  الادارة الامريكية وكأنها بصدد مساومة وابتزاز تركيا على مشاركتها في معركة  الموصل، وحتى لتخفيض سقف شروطها تجاه معركة الرقة  فى سورية التي لا يمكن  ضمان الانتصار فيها دون مشاركة جدية وفعلية من قبل القوات التركية.

 عموما تبدو تركيا مصرة على المشاركة والحضور الجدي في معركة الموصل مباشرة أو عبر حلفائها، وهي تسعى بكل قوة لتخطيط جدي وصحيح للمعركة، وعدم حدوث مجازر أو تطهير عرقي بحق أبناء المدينة والمنطقة، وهي ستعمل بكل قوتها لعدم مشاركة الإرهابيين فيها، أو الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال والأهم، أنها تفهم أن معركة الموصل، كما الرقة لها علاقة بالتوازنات السياسية والديموغرافية، وحتى المحاولات لرسم مصير المنطقة وتحديد مستقبلها، وهي بالتأكيد لا تريد أن يتم الأمر بمنأى عنها خاصة مع حضورها القوي في سورية بعد  عملية درع الفرات واستحالة الاستغناء عنها أو تجاهلها لهزيمة الإرهاب ودحره أو لمعالجة جذر المشكلة والمرض التمثل بجرائم النظام السوري، كما بالممارسات الطائفية والإجرامية لحكومة المنطقة الخضراء في بغداد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات