عصر الجرائم الموثقة..كولومبوس الداعشي

عصر الجرائم الموثقة..كولومبوس الداعشي
غالباً وفي هذا العصر الذي نعيش به، يعتبر الكثيرون أن ما يشاهده على التلفزيون هو واحد من أبشع و أشنع كوارث التاريخ، فكل هذا الكم الهائل من القتل والإبادة وانعدام الإنسانية الذي نعيش عليه صباح مساء، بات غير محتملاً بالنسبة إلى القيم الإنسانية المعاصرة التي يحاول الإنسان الحديث أن يهذب بها نفسه ومجتمعه، عبر عقود اجتماعية وإنسانية ووضعية تحك وتنظم العمل الانساني، حتى وصل الأمر في وصف الوحشية والتجرد من الإنسانية بالبعض إلى نحت أفعال لتوصيف هذه الأفعال، مثل (الدعشنة) و(ممارسة الممانعة) وغيرها من اصطلاحات ساخرة لتوصيف أفعال مشينة بحق الإنسانية.

يصادف يوم 12\\10\\من كل عام يوم كولومبوس، وهو احتفال يقام في عموم أميركا الشمالية والجنوبية تحت مسميات عدة من( يوم الاكتشاف) إلى( يوم الأميركيين) إلى( يوم السكان الاصليين) وحتى دولتي اسبانيا و إيطاليا ،الأولى انطلق منها كولومبوس والثانية ولد فيها ، تحتفلان بدورهما بما يسمونه (اليوم الوطني).

ولكن ماذا فعل كولومبوس بهذه البلاد حينما وصل إليها، ولو كان هنالك أية وسيلة توثيق فعالة في تلك الأيام لتسجيل وتصوير وتدوين ما فعله كولومبوس بالأرض التي نزل عليها في ذلك اليوم من عام 1492، لمنح أبو بكر البغدادي وقادة حلف المقاومة والممانعة جوائز نوبل للسلام، إن كم الجرائم و الإبادة التي قام بها الأوروبيون ابتداء من وصول كولومبوس في ذلك اليوم تفوق وصف أي إبادة عرفها التاريخ البشري، من قتل و سحل و قطع رؤوس و صلب و اغتصاب و إتجار بالبشر و خطف و سلب حريات و حرق مدن، لا وبل نشر أوبئة عن سبق إصرار وتعمد، كما فعلوا حينما أرادوا إفراغ البلاد من سكانها بعد تعبهم من القتل اليدوي بالسيف ، فعمدوا إلى رمي جيف من الخرفان والخنازير مملوءة بفيروسات الجدري والكوليرا وغيرها من الأمراض التي انتشرت كما النار في الهشيم في أجساد شعوب لا تعرف تلك الأمراض و لا تملك أية مناعة طبيعية وتاريخية ضدها.

جرائم حصلت و نفذت ، تحت مسمى نشر الحضارة و استعمار و تبشير بالدين واستعلاء حضاري مارسه الأوروبيون عموماً تجاه ملايين السكان الأصليين ممن سكنوا القارتين الجديدتين الشمالية والجنوبية ، التي أسموها فيما بعد على إسم مستكشف إيطالي آخر جاء بعد كولومبوس يدعى ( أمريكو فيسبوتشي).

ومنذ بدايات الدولة الأميركية الحديثة، عمدت الإدارات إلى فرض الاحتفال بيوم خاص سمي على إسم المحتل \\المستكشف، كولومبوس، في انتهاك معاصر جديد للسكان الأصليين الذين لم يتبق منهم إلا بضع آلاف في الولايات المتحدة من أصل 50 مليوناً .

تاريخ طويل ومرير من الإبادة التي تتكرر في الشرق الأوسط ، ابتداء من الأراضي الفلسطينية ووصولاً إلى حلب وحمص وداريا وقدسيا وبغداد والرقة ودير الزور ، قتل وتجويع و تقطيع أوصال ومن ثم تهجير و استبدال سكاني وتغيير ديموغرافي ، وكلها تحت مسميات كبرى ، من نشر الحضارة ونقلها للأقوام الوثنية وصولاً إلى مكافحة الإرهاب والحرب على التكفيريين أو إقامة دولة الخلافة.

كل هذا مر ويمر تحت أعين المؤرخين والبحاثة من الدول الكبرى ، فلا عجب اليوم وبعد أربعمائة وخمسون سنة تقريباً على رحلة كولومبوس من خروج مظاهرات حاشدة في عموم القارة الأميركية مطالبة بتغيير اسم هذا العيد إلى (يوم السكان الأصليين) أو (يوم الإبادة) ، أو (يوم استذكار الشعوب الأصلية) .بينما تصر تلك الدول ذاتها أن تمارس ، أو تسمح بممارسة نفس الأفعال على شعوب الشرق الأوسط ولكن هذه المرة مع توثيق وتسجيل وتصوير لكل حادثة دون أي ردة فعل ، فمن يحمي السكان الأصليين في الشرق الأوسط من نفس قدر الهنود الحمر وقبائل المايا و الأباتشي ،طالما هنالك كولومبوس جديد يتجول في الشرق الأوسط يدعى قاسم سليماني .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات