ليس دفاعاً عن سعد الحريري ،ولكن !

ليس دفاعاً عن سعد الحريري ،ولكن !
كانت المفاجأة الكبرى التي قام بها الرئيس سعد الحريري بتسمية خصمه وخصم تياره وخصم حلفاءه في 14 أذار الجنرال ميشيل عون لمنصب الرئاسة، بعد سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي الذي أعقب انتهاء المدة الدستورية للرئيس ميشيل سليمان ، مدوية لدرجة توقع تصدعات وشروخ كبيرة في معسكر الرئيس الحريري نتيجة رفض البعض لمبادرة الأخير .

فالعديد من صقور تيار المستقبل ممن واجهوا بقوة تحالف الثامن من آذار بشقيه التيار الوطني الحر ، وحزب الله وحركة أمل ،صرحوا علانية بوجوب عدم تصويتهم خلال الجلسة التي ستسمي الجنرال عون رئيساً يوم الاثنين ،فالرئيس السابق للحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة صرح بأنه سيصوت بورقة بيضاء ملمحاً إلى ظهور كتلة نيابية جديدة أثناء التصويت سماها بالكتلة البيضاء ،وهي ستتكون فقط في تلك الجلسة ، بينما صرح وزير العدل المستقيل أشرف ريفي برفضه تسمية الحريري لعون ،فيما رفض كل من أحمد فتفت و كتلة نواب الكتائب و نجيب ميقاتي أيضاً تسمية ميشيل عون رئيساً جديداً للجمهورية اللبنانية ، في ظل صمت سعودي وخليجي كبير حول مبادرة الحريري.

ولكن ما الذي دفع الحريري لهذه الانعطافة الكبيرة والتي من الممكن أن تفقده جزءاً من جمهوره الرافض لممارسات حليف الجنرال عون ( حزب الله ) في لبنان وسوريا والمنطقة والتي يعتبرها هذا الجمهور ممارسات معادية وجودياً لهم ..؟.

رشحت تفسيرات كثيرة لخطوة الحريري منها ما صرح به هو شخصياً ، من رغبته في إنقاذ الوطن وتلبية لحاجة المواطن الذي فقد ثقته فعلياً بالسياسيين وبقدرتهم على تأمين أوليات الحياة اللائقة للمواطنين ، ومعالجة ملفات هامة آخرها ملف النفايات التي ملأت عاصمة لبنان ، ولكن الحريري من جهة أخرى لا يستطيع الخروج من عباءة أحلافه في ظل واقع إقليمي مخيف ومضطرب ،ونيران تأكل الدول المجاورة ،فالعديد من المراقبين اعتبروا أن  ما قام به الحريري ضربة معلم في ظل سحبه البساط من تحت حزب الله الذي كان يراهن على استمرار الفراغ في لبنان من أجل الانقضاض على ما تبقى من اتفاق الطائف الذي نظم الحياة السياسية في لبنان ( رغم الانتقادات الكثيرة لبنيته التي كرست الطائفية السياسية ) عقب حرب أهلية طاحنة استمرت خمسة عشرة عاماً ،فإتفاق الطائف الذي عقد في المملكة العربية السعودية في مدينة حملت إسم الاتفاق عام 1989 ،نص على تعديل أساسي في الحياة السياسية اللبنانية وبحضور أمراء الحرب اللبنانية كلهم، هو مناصفة المجلس النيابي بين المسلمين ( سنة وشيعة ) و بين المسيحيين مع سحب سلطات تنفيذية من رئاسة الجمهورية واعطاءها لمجلس الوزراء ، مع الابقاء على بنود الميثاق الوطني اللبناني غير المكتوب الذي صدر في سنة 1943 والذي نص على التقاسم الطائفي للسلطات في لبنان بين الطوائف على أساس :

الرئاسة للموارنة ، و الحكومة للمسلمين السنة ،والمجلس النيابي للمسلمين الشيعة ، وتكون نيابة رئيس مجلس النواب للمسيحيين الأرثوذوكس ،وهذا ما مشت عليه السياسة اللبنانية حتى سنة 89 ، حيث أنهك اللبنانيون من حرب أهلية عبثية طويلة، طالب  الجميع بعدها بتعديلات جديدة ومكتسبات مضافة سحب أغلبها من حصة المسيحيين في لبنان ، أما الآن فما يريده حزب الله بحسب المحللين ببساطة هو تعديل ثالث على الميثاق الوطني واتفاق الطائف ، يراعى فيه التغييرات الإقليمية و الديمغرافية و الطائفية والعسكرية التي طرأت على الطائفة الشيعية إقليمياً التي يعتبرها حزب الله (مظلومة) بحسب اتفاق الطائف اللبناني ، فبحسب رأي منظري حزب الله في لبنان إن تمثيل الطائفة الشيعية محدود ومقيد ومحصور سياسياً برئاسة مجلس نيابي غير سيادي و غير تنفيذي لا يعبر عن الحجم الحقيقي للقوة الشيعية في لبنان و لا يعكس (الانتصارات الكبيرة) للطائفة التي تحققت في عدد من الدول في الشرق الأوسط بحسب وجهة النظر الإيرانية  ، وهذا ما يراه السياسيون اللبنانيون ويحذرون منه باعتباره انقضاضاً سياسياً هذه المرة على الدولة اللبنانية وعلى باقي المكونات الاجتماعية للجمهورية وتكريساً لمبدأ قوة السلاح، وغالباً ستكون الضحية مجدداً هم المسيحيون، فالكثر كانوا يتحدثون بتشاؤم عن أن الجنرال الرئيس ميشيل سليمان قد يكون الرئيس الماروني الأخير ل الجمهورية اللبنانية .

وهذا غالباً كان ليحدث لو لم يتحرك الرئيس الحريري ويقوم بمبادرته لملء الفراغ الرئاسي عبر تسمية سليمان فرنجية بداية، و من ثم تسمية الجنرال عون ، وكلاهما خصمان سياسيان للحريري وللخط الذي يمثله الحريري .

الدستور اللبناني ينص أنه اذا استمر الشغور الرئاسي أكثر من ثلاثة سنوات ،ينبغي عقد مجلس تأسيسي جديد لمناقشة الإستعصاءات والتطورات التي أعاقت تسمية الرئيس وبالتالي عطلت الانتخابات النيابية التي إن لم تعقد في موعدها سيتم إلغاء مناصب النواب الممد لهم أصلاً منذ فترة ، وهو الأمر الذي لن تتركه إيران يمر مرور الكرام دون محاولتها السيطرة على المؤتمر و فرض شروطها التي من الممكن أن توصل حينها ،أحد سياسيي حزب الله لرئاسة الجمهورية مع تهميش كبير المسلمين السنة والمسيحيين الذين من أجلهم أنشأت فرنسا دولة لبنان الكبير لحماية حقوقهم ضمن الدولة العثمانية .

ومع ذلك اعتبر الكثيرون أن الجنرال عون ،غير مؤتمن على قيم الجمهورية وغير ملتزم بقيم الديمقراطية والمساواة ، مستندين إلى تحالفه الوثيق مع معسكر تجاوز مفهوم الدولة عدة مرات ، ضارباً عرض الحائط بشركاء الوطن ،في عدة مناسبات ،كان آخرها على حد قولهم مشاركته في الحرب في سوريا ،ولكن التسريبات التي خرجت من تفاهمات ،عون \\الحريري عون \\جعجع ، تشير إلى محددات و خطوط حمر رسمها الثلاثة فيما بينهم من أهمها ، تحييد لبنان عن المسألة السورية ، وعدم  قيامه بصفته رئيساً للجمهورية اللبنانية بزيارة سوريا ، أو استقبال أي وفد رسمي من النظام السوري ،وفي المقابل تأمين الطرف الثاني كامل التسهيلات و التعاون لإنجاز عهد رئاسي لبناني يعيد مفهوم الجمهورية القوية إلى أذهان الشعب ،بعد تسمية الحريري رئيساً للحكومة العتيدة ،وتسهيل تشكيله وزارته الثانية .

رغم كل هذا لا يمكن القول إلا أن الرئيس الحريري خلط الأوراق أو ألقى حجراً في المستنقع السياسي اللبناني الراكد بطريقة جعلت من المتاح مستقبلاً تفعيل لبنان وإنقاذه من تصنيف الدولة الفاشلة ،وحماية شكل الدولة الذي أقر في الطائف ،حتى يحين زمان ومناخ ديمقراطي مريح يتيح مراجعته ، ولكن كل ذلك منوط بوفاء التيار العوني بتعهداته ،والحرص الدائم على الإنفتاح على خصوم الأمس من أجل بناء دولة قوية .

التعليقات (3)

    محمد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    تدافعون عن الحريري وهو الذي اضاع هيبة السنه في بلده انه سخيف ولا يستاهل الانتقاد اما انتم فماهو الذي يدفعه لكم؟

    سمر سعادة

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    مقال هام و تحليل عميق و منطقي

    عامر

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    مع احترامي كلام عاطفي يعجب كثيرا هذا الطرح الحريري الواقع يقول ان عون لن ينسى الوقوف الكبير من الحلف الشيعي خزبالة وبشار وايران السيدة عليهم جميعا وسيكون وفي لذالك والدليل كان بإمكان عون ان يكون ضد هذا الحلف ويكون مع حلف 14اذار بمعنى يكون جميع المسيحيين جبهة واحدة مع المسلمين السنة وبذالك يستطيعون الفوز برئاسة الجمهورية بقيادة عون لكن عون رفض ذلك العرض المقدم من السعودية قبل سنوات قبل الثورة السورية ومع الثورة وقف بكل قوة مع حلف ايران بل له تصريحات طائفية مقيتة ضد المسلمين السنة
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات