ألبي الحاصل على ثلاثة جوائز بوليتزر، و فو الحاصل على نوبل للآداب ،كرمهما النقاد وكرمهما الجمهور في حالة فريدة من التواصل بين ثالوث المبدع و الناقد والمتلقي ،ولكنهما بقيا بعيدين عن المسرح العربي ،ولك يكتب عنهما ما يكفي من دراسات تغوص في عوالم مسرحيهما ،رغم تقديم المسرح السوري والعربي نصوص لهما أكثر من مرة ،مثل ( قصة حديقة الحيوان وثلاث نساء طويلات ) و(ايزابيل ثلاثة مراكب ومشعوذة و سوبر ماركت) وغيرها.
ما يجمع الإثنين هو وقوع أسلوبيهما على طرفي نقيض نفس المنهج من الانتقاد والسخرية ، بينما ما يفرق بينهما هو عزلة ألبي و انطوائيته بعيداً عن الجماهير وعزل نفسه خلف مكتبه وبيته، بينما إنخرط داريو فو طويلاً بين الجماهير وخشبات المسرح، في الأرياف والمدن ، مع فرقته المسرحية.
كان ألبي ، مغرقاً في محلية منتجه المسرحي لدرجة كبيرة ، استطاع عبر الإستغراق في الواقع الأميركي إيجاد فهم خاص لمجتمعه ، فهم صدره للعالم عبر مسرحه مبكرا ً ، وإقتبس منه الكثيرون هذا الفهم في السينما و التلفزيون ، مازجاً العنف المكدس في المجتمع الرأسمالي حيث الألة الاقتصادية تسحق الجميع دونما رحمة ، وحيث مثلاً تكون الحدائق هي متنفس السكان النفسي لممارسة العنف وليس للتنزه كما قدمها في مسرحيته القصيرة ( قصة حديقة الحيوان )، أو قراءته المختلفة لأهزوجة( من يخاف من الذئب العنيف ) الراسخة في عقول المواطنين المحليين و كيف حولها إلى نص مسرحي خالد بعنوان ( من يخاف فيرجينيا وولف ) مزق بها الطبقة الوسطى الأميركية بحساسية دموية ، بينما شرح الوهم المقدم للعامة في مسرحيته الشهيرة ( الحلم الأميركي ).
فكانت أعمال ألبي نصوصاً أصيلة اقتبس منها العشرات من كتاب السيناريو و الرواية و الشعر أعمالهم مثل الروائي بول أوستر والسيناريست والروائي تشاك بولنياك و المخرج الشهير أوليفر ستون وغيرهم.
في ايطاليا وحينما أيقظ داريوفو التاريخ في أجساد شخصيات الكوميديا ديلارتي ،وأعاد للمسرح الايطالي خصوصيته التي ميزته عبر مئات السنين عن المسرح الأوروبي ، إستطاع إيقاظ روح إيطاليا الكامنة في الأرياف و المسارح الصغيرة المتناثرة في كل القرى والبلدات النائية و أحياء المدن المهمشة .. أمسك بتلك الروح الضاحكة الفرحة المثقلة بإرث ثقيل من التاريخ المرهق الذي لا بد من إعادة مراجعته عبر السخرية والشتيمة والحزن .وعبر ذلك الأسلوب استطاع داريوفو أن يصنع مسرحاً شعبياً جديداً وقوياً في إيطاليا التي كانت إحدى أمهات المسرح الأوروبي وقدمت أسماء عظيمة على دروب المدارس المسرحية مثل غولدوني (الأب الروحي لداريوفو والذي فاقه الأخير جماهيريةً) وبيرانديللو الساحر ونصوصه المتماسكة.
لكن النسخة الجديدة من المسرح الإيطالي الشعبي كانت نسخة مطعمة بالواقع السياسي العصري للمجتمع المحلي ، فطالت إنتقادات داريوفو السياسيين و رجال الدين والفاتيكان ،منتقداً نفسه ومسرحه حتى ، فمنعت عروضه من التلفزيون بأوامر من بيرلوسكوني رئيس الوزراء المليونير وصانع الإعلام الإيطالي المعاصر، مما دفع مسرحه إلى الإنتشار الشعبي بشكل أوسع جماهيرياً ،فصار داريوفو نفسه أباً للعديد من الفنانين الذين استقوا أسلوبه في السينما والمسرح و التلفزيون ، ك روبيرتو بنيني على سبيل المثال.
مع رحيل داريو فو و إدوارد ألبي ،وقبلهما بسنوات قليلة المعلم هارولد بنتر ، يبدو المشهد المسرحي العالمي ،فقيراً ،وحيداً منتظراً أبطالاً جدداً ،أبطال ،يخرجون فعلاً من المسارح المهمشة المحلية ،من بين الشوارع الضيقة و شغف الفرجة ،بعيداً عن العولمة الصماء ،و عمومية الميديا و التلفزيون، لخلق مسرح يقارب الفوضى التي يعيشها العالم ،فوضى تربك أجيال المسرح الحالية الذي يبحث بداية عن نص ،ففي البدء كانت الكلمة ،وفي البدء كان النص .
التعليقات (0)