مهمّة جديدة أمام روسيا و نظام الأسد و هي إنقاذ "داعش"

 مهمّة جديدة أمام روسيا و نظام الأسد و هي إنقاذ "داعش"
لا يمكن مقارنة الأضرار الّتي ألحقها داعش بالثورة السوريّة بأي طرف آخر ,  الروس أتوا إلى سوريا بحجّة محاربة داعش و حتّى يمنعوها حسب زعمهم من السيطرة على دمشق , حسن نصر الله أرسل الآلاف من مقاتليه إلى سوريا لمحاربة داعش و حتّى لا تكون "المواجهة في بيروت" , و هذا حال الحرس الثوري الإيراني و شيعة باكستان و أفغانستان والعراق و كل من أراد مساعدة نظام الأسد لديه ذريعة جاهزة و قابلة للتسويق دوليّا و هي محاربة داعش.  إدارة أوباما تجاهلت كل ما تعرّض له الشعب السوري من مجازر على يد نظام الأسد و الروس والإيرانيّين بحجّة أنّ الأولويّة هي لمحاربة داعش , يتمّ الضغط على الأطراف الّتي تدعم الإنتقال السياسي في سوريا لتأجيل بحث هذا الموضوع بحجّة أنّ عدم الإستقرار الآن سيكون من مصلحة داعش .

و من ناحية أخرى فالخسائر الّتي ألحقها داعش بالجيش الحرّ خلال السنوات الماضية تفوق بكثير خسائره  في المواجهات الأخرى لأنّ هجمات داعش كانت تأتي غدرا من الخلف و كانت في أحيان كثيرة بعد الإستيلاء على بعض المواقع للثوّار تقوم بتسليمها دون قتال لنظام الأسد !! كما أنّ  بعض خلايا داعش تغلغلت عدّة مرّات ضمن تشكيلات المعارضة السورية العسكرية و السياسيّة  و نفّذت من الإغتيالات و التصفيات ما تعجز عن تنفيذه مخابرات النظام و حلفائه.

و لن ننسى ما قامت به داعش من جرائم مصوّرة فيها تفنّن هوليودي بعمليّات القتل من الحرق و الإغراق إلى التفجير و قطع الرؤوس مما جعل جرائم عصابة الأسد لا تلقى ما تستحقّه من إهتمام رغم أنّها تفوق في إجرامها بما لا يقاس عن جرائم داعش, فداعش لم تذبح الرضّع بينما عصابة الأسد فعلت ذلك , لم تجعل داعش عشرات آلاف المعتقلين يموتون بالتعفّن ببطء ضمن الزنازين المكتظّة بينما النظام قام بذلك  , لم تدفن داعش الأشخاص أحياء و هي تقول لهم أن يردّدوا لا إله إلّا بشار بل عصابة الأسد هي من قامت بذلك , إعدامات داعش السينمائيّة طالت مئات الأشخاص , بينما مجازر عصابة الأسد السريّة و غير المصوّرة طالت عشرات و عشرات الآلاف من الرجال و النساء و الأطفال.

فوق كلّ ذلك  فإنّ ما قامت به مجموعات في أوروبّا و أميركا من عمليّات إرهابيّة إستهدفت مدنيّين أبرياء و تبنّي داعش لهذه العمليّات جعلت أولويّة مكافحة الإرهاب تطغى على أي قضيّة أخرى , داعش جعلت مفهوم الإرهاب على مستوى العالم اليوم يعرف بالتطرّف الإسلامي السنّي تحديدا و غاب عن الإعلام و الإهتمام العالمي كل ما فعلته الجمهوريّة الشيعيّة الإيرانيّة و أذرعها من حزب اللهإلى للحرس الثوري من عمليات إرهابيّة حول العالم خلال العقود الماضية بل أصبحت هذه الأطراف بين عشيّة و ضحاها شريكة و عضواً نشيطاً في "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب!!!" . 

هذا جزء يسير مما ألحقته داعش بأضرار فادحة بالثورة السوريّة، أي أنها بإختصار نعمة سقطت من السماء على خامنئي و بوتين و نصر الله و عصابة الأسد و أوباما . 

 اليوم تتعرّض داعش لهجوم واسع على عدّة جبهات سينتهي بالسيطرة على أهمّ المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا و العراق , فإنهاء وجود داعش في الموصل يمثّل ضربة قاصمة لهذا التنظيم لأنّ داعش بالأساس تنظيم عراقي من بالنسبة للقيادات و أغلب الكوادر , روح التنظيم موجودة في الموصل و الأنبار و القضاء عليه هناك يعني بداية نهايته و الهجوم على الموصل في مراحله الأخيرة هذه الأيّام , أما بالنسبة للرقّة فهي العاصمة الإداريّة لهذا التنظيم و الهجوم عليها يتطوّر و يقترب منها بشكل يومي , و هناك الهجوم الآخر على مدينة الباب و الّتي بالسيطرة عليها ينتهي التنظيم في محافظة حلب و كان سبقها تحرير بلدة دابق و الّتي تحمل دلالة معنويّة و تاريخيّة للتنظيم . 

إذا تنظيم داعش يتراجع بشكل واضح يوميّا و يتلقّى هزائم متكرّرة في جميع الجبهات و تبوء محاولاته للقيام بهجمات معاكسة و إنتحاريّة بالفشل، كما تكثر محاولات الإنشقاق ضمن صفوفه و هذه ظاهرة لم تكن مألوفة سابقا رغم عمليّات الإعدام الّتي يتمّ تنفيذها يوميّا بعناصره بتهمة التخاذل و الفرار , كما كثرت حالات الفساد و السرقة ضمن التنظيم , و أصبح وجود أسرى من داعش عمليّة مألوفة بعد أن كانت نادرة و ذلك نتيجة إنهيار الروح المعنويّة للمقاتلين, أي أنّ الأحداث تسير بإتّجاه نهاية تنظيم داعش من الناحية المادّية عبر إنتزاع الأراضي الّتي كانت تحت سيطرته و الّتي شكلت ما سمي بالدولة الإسلاميّة في العراق و الشام. من الناحية المعنويّة و النفسيّة عبر إلحاق الهزيمة بفكرة التنظيم الّذي لا يقهر و صورة المقاتل الإستثنائي الإنتحاري و الّذي تحوّل مؤخّرا إلى فرد يبحث عن أوّل فرصة للهرب من الموت في معركة يدرك سلفا أنّها خاسرة, و الواقع الإنهزامي الحالي أدّى بشكل غير مباشر إلى إختفاء العمليّات الإرهابيّة عبر العالم و الّتي كانت إنتصارات داعش في سوريا و العراق مصدر إلهامها . 

هذه التطوّرات المتسارعة غير سارّة و لا بأي طريقة لروسيا و إيران و نظام الأسد , فمع القضاء على داعش في العراق تقلّ مبرّرات الشحن الطائفي عند الأحزاب المرتبطة بإيران , كما أنّ غياب أو تراجع التهديدات الإرهابيّة في العالم سيسحب الأسباب الّتي أدّت لبروز التيارات العنصرية و اليمينية في العالم و الّتي إزدهرت هذه الأيّام بشكل لم يسبق له مثيل في السبعين عاماً الماضية  و خاصّة اليمين الأوروبّي والأميركي المعادي للمهاجرين والمسلمين والّذي يفتّش عن أي مبرّرات للتحالف مع ديكتاتوريّين من نمط بوتين تحت شعار الحرب على الإرهاب , أمّا من جهة سوريا فإنّ النتيجة الطبيعيّة لغياب داعش ستكون العودة إلى جذر و أساس المشكلة السوريّة و هو الثورة على حكم عائلة الأسد و ما إرتكبته هذه العائلة من جرائم بحق هذا الشعب و هذا ليس في مصلحة النظام وحلفائه و لكن ماذا بإستطاعته أن يفعل, فلا يوجد أي دور لنظام الأسد أو الروس في الهجوم على الرقّة أو الموصل أو الباب.

و لذلك فقد قامت طائرات سوريّة يوم الخميس 24 تشرين ثاني 2016 بشن غارات على قوّات الجيش الحر المدعومة من تركيّا الّتي تهاجم مواقع داعش في مدينة الباب من الشمال و قتل في الغارات ثلاثة جنود أتراك أي قامت هذه الطائرات بدور سلاح الجو الخاص بداعش للدفاع عن مواقعه، و في اليوم التالي 25 تشرين الثاني إتّصل الرئيس بوتين بأردوغان ليطلب منه وقف الهجوم على الباب , إذا سيقوم الروس و نظام الأسد بما يستطيعون لإبقاء مدينة الباب تحت حكم داعش و سنعرف خلال أيّام إن كانوا سينجحون بذلك أم لا.

و لكنّهم لن يستطيعون إيقاف معركة الرقّة أو معركة الموصل الّتي تعتبر محسومة، و بالتالي فإنّ حقيقة الإنتهاء من تنظيم داعش أصبحت واقعا سنراه في الفترة القريبة القادمة و بقاء بعض الجزر المعزولة هنا و هناك تحت سيطرة هذا التنظيم خصوصا في مناطق المواجهة مع نظام الأسد مثل دير الزور لن تغيّر من الموضوع شيئا و لن يكون لها هذا التأثير المحلّي و العالمي الّذي كان لها سابقا، و بغياب داعش ستزول الكثير من مبرّرات تجاهل أو تأجيل بحث الظروف و الأسباب الحقيقيّة الّتي أدّت لوجود داعش من الأساس و هي السياسات و الهيمنة الإيرانيّة ذات الطابع الطائفي و إجرام نظام الأسد . نهاية تنظيم داعش ليست حدثا جيّدا لبوتين و خامنئي و وكيلهم في دمشق و هم يبحثون اليوم عن أي طريقة لإنقاذه. 

التعليقات (1)

    صادق

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    بوتين لن يعدم الوسيلة لإيجاد ذريعة أخرى أساسا هو يقصف حلب بذريعة فتح الشام و ليس داعش و العالم كله يعلم بأنه لم يتعرض لداعش إلا جزءاً يسيراً الأسباب و المبررات جاهزة و لا يفل الحديد غير الحديد
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات