صادق جلال العظم.. رجل التناقضات بامتياز

صادق جلال العظم.. رجل التناقضات بامتياز
رجل التناقضات بامتياز، الفيلسوف والفلسفة زهد، سليل إقطاع الشام الأكبر، وصف بالعلمانية والطائفية على حد سواء ،  صديق الفقراء و البسطاء ، زاهد السلطة والمؤسسات و داعم الديمقراطية الجليل ولو على حساب حريته الشخصية.

هو ذلك الباحث الشاب المتفلسف الذي بنى اسمه وسمعته الأدبية من مواجهة قلاع المحرمات ، ومنازلة الكبار في العلم والفكر ، فصادق جلال العظم وهو أستاذ الفلسفات الأوروبية المعاصرة ،الذي نال شهادته من جامعة ييل في أميركا ،بدأ نشاطه الجدلي الفلسفي الفكري مبكراً ،ففي عام 1969 نشر كتابه الأهم والأكثر جدلاً ( نقد الفكر الديني ) الذي أثار عاصفة من الانتقادات و ردود الفعل التي طالته بشكل مباشر حتى اعتقل في لبنان سنة 1970 لعدة أيام نتيجة رفع العديد من رجال الدين دعاوى ضده بتهمة إثارة الفتن و تحريف الدين الإسلامي.

ما لبث أن خرج بعدها بعدة أيام ، مكملاً جدله الفكري مع كبار علماء الدين الاسلامي في لبنان الحر وقتها ، مثل المفتي حسن خالد وكمال جنبلاط والإمام موسى الصدر والثلاثة اختطفتهم يد الدكتاتوريات العسكرية السورية والليبية تباعاً ..بينما ترك الميدان فارغاً لغلاة التفكير الديني الذين أطاحوا بالجدل الهام الذي فتح له المعلم العظم الباب واسعاً ،فغادر الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة الأميركية ليعمل في أهم جامعاتها كباحث ومحاضر زائر وهي من أعلى المناصب الأكاديمية في الغرب، فدّرس في جامعات برينستون وهارفارد في أميركا ومن ثم في جامعات هامبورغ و هومبولت و أولدنبورغ في ألمانيا و جامعة توهوكو في اليابان و أنتيورب في بلجيكا ..

وأثناء أقامته في الولايات المتحدة قدم مفاجـأته الثانية عبر كتاب ( الاستشراق والاستشراق معكوساً ) مفنداً كتاب إدوارد سعيد الشهير ( الاستشراق ) و معارضاً إياه فكرياً في العديد من نقاط كتابه الذي أثار عاصفة من الآراء حول العالم ومنح ادوارد سعيد لقب فيلسوف الشرق بامتياز ..وعبر صد ورد وجدل طويل عاد صادق جلال العظم إلى بلاده ومدينته الأثيرة دمشق ،ليترأس فيها قسم الدراسات الفلسفية طوال فترة التسعينات تقريباً ،مقدماً العديد من الاسهامات النقدية والفكرية والفلسفية في الحياة الثقافية في الشرق الأوسط ،فقدم كتباً مثل ( في الحب والحب والعذري ) و كتاب (ما بعد ذهنية التحريم ) و(دفاعاً عن المادية و التحريم ).

كان المعلم صادق جلال العظم ..بحق بعيد انطلاق ثورة آذار 2011 ، حاسماً  في انتصاره لثورة الشعب ،إن إقترابه الكبير من أبناء الشعب ومجالسته الطلاب في الجامعات التي تعد عبر العالم خزان الثورة الفكرية ،منحاه قدراً هائلاً من القوة في قراءة نبض الشارع ومتطلباته ، فلم يكتف بنقد المؤسسة الدينية التي كانت أنظمة الشرق الأوسط على الدوام تجافيها وتغلبها على باقي التيارات الدينية ضمن ما صار يعرف حالياً بدين السلطان كما سماه العظم  ، بل ذهب بعد الربيع العربي بعيداً في نقد المؤسسة السياسية والاقتصادية والفكرية الداعمة للدكتاتورية ،فصرح وانتقد وأعرب عن دعمه لمطالب الثورة ، بإسقاط النظام قبل كل شيء ، و فتح باب الإجتهاد والنقاش للوصول إلى ما كان دائماً يطالب به وهو الإسلام المعتدل ، الإسلام الشامي .بعيداً عن دين السلطان الذي يتغذى على الكراهية والتفريق بين مكونات الشعب حتى وقع المجتمع بكامله ضحية الغلو والتطرف .

يذكر لصادق جلال العظم ،نقاشاته السياسية الاجتماعية التي قام بنشرها عبر العشرات من المقالات و المحاضرات والندوات التي جاب العالم و هو يلقيها ، مفنداً الواقع السوري ،طارحاً العديد من المصطلحات للنقاش بين شد وجذب ، مثل التفريق بين الطوائف وظاهرة العلوية السياسية ، و دكتاتورية العائلة و  فض التمازج بين السلطة ودين السلطة.

مع رحيل المعلم صادق جلال العظم ، تكتمل دورة المبدع الكبيرة في خلود أفكاره ، وفي انتقال رؤاه من الورق إلى الحياة ، فالرجل الذي قضى دهراً في الصراع يستحق قليلاً من الراحة بعد 80 حولاً لم يسأم فيها من تكاليف الحياة والفكر ،يستحق قليلاً من الراحة في تراب مدينته التي حملها على ظهره أينما ارتحل ، لكن يبدو ذلك بعيداً الآن في ظل سيطرة فكر تطييف و تسيس، ودكتاتورية دينية طائفية و سياسية  لطالما قضى العظم عمره يحاربها .

التعليقات (1)

    كلاوس بورجيا

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    الحب باصدق العبارات
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات