ذلك العالم الذي يتفرج بكروشه المتدلية على أطفال حلب تقتل و تنكل ، يا أيها الكرة الأرضية وقوانينها البالية القذرة التي تستمرئ المأكل والمشرب أمام شاشات تلفاز لامعة في متابعة المسلسل الروسي البشع المدبلج باللهجة المحلية الركيكة ،المسمى سقوط حلب ، يقول لكم من في الداخل، ممن تبقى يصارع الأقبية و الرماد و التراب الملوث بالسموم، أن حلباً لن تسقط، حلب التي تستصرخ وحيدة ، وهي تشاهد صكوك بيعها بين المتآمرين، حلب تلك، سيودع أهلها شوراعهم، و بيوتهم أو ما تبقى من البيوت والحوانيت، سيسرقون حلبهم ويضعونها في حقائب سهلة الحمل ويأخذونها معهم أينما ارتحلوا، فالعهد الحقيقي أنهم لن يتركونها للغرباء، سيخرجونها معهم، و برفق التعامل مع الأطفال سيضعونها بالقرب من شقيقاتها من المدائن التي هربها أهلها إلى المنافي الإجبارية حيث رحلت قبل حلب، حمص وداريا و درعا و الشام والرقة و الدير، وهناك سيبني الحلبيون حلمهم، كما فعل من قبلهم جدهم صقر قريش حينما حمل دمشق و حمص و حلب و زرعهم في الأندلس الجديدة معلناً عدم موت الفكرة، فكانت الأندلس العظيمة، وهذا على ما يبدو قدر ذلك الشعب العظيم، شعب شرق المتوسط، لحم الأمة، و خبزها المنبوذ، خلها المرفوض نبيذاً ، شعب الصمت الغاضب لن يرحل دون مدينته، شعب الريح التي عرت أصقاع الدنيا، وبقيت وحيدة في برد الشتاء، قدرهم أنهم فكرة، والفكرة لا تموت .
يقول الشاعر الكبير مظفر النواب واصفاً سقوط العرب:
(وقيل قديما مأرب بالجرذ لقد سقطت نسقا والنسوة .... فئران تركب بعضا جرذان تعزف...).
وفي هذا الزمان المتدلي مثل بطونهم السمينة، يبدو أن الجرذان ستسقط مدائن الشام، ستنخر أسوار حلب و ستحفر عميقاً في قلوب الناس، فعشرين ألف يوم من القصف لن يسقط بيوتكم و شوارعكم ، خمسون ألف طناً من الحقد لن يجليكم عن أراضيكم ، فقط تلك المخلوقات التي تتآمر على البسطاء هي من ستسقط عاصمة الفقراء ، هي من ستهوي بأخلاق العالم إلى درك الجحيم السفلي ، إلى سدير الهاوية ، حيث يقبع كل بشع و حقير ، هناك وفي ذلك المكان، في مكان أفضل سينتشر الزيتون ، وصابون الغار ، سينتشر رقص السماح و مووايل بكري الكردي ، و آذان صبري المدلل ، هنالك سترتفع رايات نادي الاتحاد والحرية ، سيتحدث عشرات من مثل شكسبير عن توابل الشهباء ، و سيحلم اللورد بايرون بأسوراها العالية ،هناك ستنتشر حلب ،وهناك سيركع العالم طالباً الغفران من حلب مجدداً .
التعليقات (2)