سيكولوجيا الشماتة

سيكولوجيا الشماتة
قد يبدو البعض متحمساً لدرجة كبيرة في التعبير عن فرحه باحتلال حلب، أو إن شاؤوا تحرير حلب على حد قولهم ، أو استعادة حلب من الإرهابيين كما يودون إقناع أنفسهم ، وقد يبدو الأمر من جديد كمباراة كرة قدم أو حلبة مصارعة رومانية، لكن ليس هنالك من يتصارع و يقتتل فيها  حتى الموت أمام آلاف المشاهدين نهائياً، بل هنالك جلاد وضحية ، ويبدو أن صيغة الإنقسام بالرأي هي سمة من سمات النفس البشرية فالبعض يبرره بحب الإختلاف والبعض الأخر يحب الوقوف على الدوام مع المنتصر مهما كان وأياً كانت توجهاته ،ولكن ما يحدث في سوريا لا يشبه أبداً انقسام العالم بين برشلونة أو ريال مدريد، أو بين مشجعي هواتف (السامسونج) ومقتنيي هواتف (الآي فون)، ما يجري في سوريا واضح وضوح الشمس من ناحية الصوابية و الصدق و الأصل الناصع لثورة شعب أراد أن يرى بلده عظيماً بين الأمم ، وأن يساهم بكل ما أوتي من قوة في بناءه بعيداً عن المحسوبية و الارتهان للفاسدين المتآمرين ، ولكن من أراد للمسألة السورية أن تطول سنينها ، و من أراد لها أن تدخل في متاهات الدول والتآمر الدولي لم ينس أن يزرع في جنبات تلك القضية النبيلة ،بذوراً للانقسام الذي بدأ بين موال ومعارض و لن ينتهي بين السعودية وايران ،أو روسيا و أميركا ،أو يمين و يسار، أو النظام وداعش كما يحب هواة التنميط، أو كل ما يتم ضخه بكثافة غير معهودة في عقول شعوب الأرض بغرض تشويه قضية شعب ، لا يعنيه سوى أنه خرج ليقول هذه الأرض لي ،فاذا به يرمى خارج بيته وحييه و مدينته ،وإن سمح الجو الدولي فإن التوافق الدولي قد يسمح لملايين المهجرين بالعودة إلى مدنهم ،والسماح لهم بأن يبقوا معارضين ربما ولكن تحت سقف الوطن ،أو سقف النظام الذي حماه كل أنظمة العالم ،فعن أي نصر يتحدث ،هل انتصرت الدولة بهدم مدنها ،وهل انتصر الجميع على الإرهابيين حينما شردوا ملايين المدنيين .

ظلت الاحتفالات الشعوب بانتصارات دولها طويلاً مضرب مثل بالأخلاق و المصالحة ،حيث يبدو ،وهذا ما حصل باحتفالات الشعب الأميركي بعيد انتصار الحرب العالمية الثانية ،حيث وضع مباشرة قانون مارشال لإعادة بناء الدول التي تضررت من الحرب والتي كان أهمها ألمانيا الدولة العدوة ،و كذلك إحتفالات الأوستراليين و الكنديين بانتصارات الحرب الكونية الأولى ،الانتصار في هذه الحالة يأخذ منحى أخلاقي وشتان بين الاحتفال وبين الشماتة ،الإحتفال تقوم به الدول التي تزداد قوة بإنتصاراتها ،والشماتة يقوم بها شراذم الحاقدين ممن يمجدون القوة فقط ،والقوة التي تعقب الحرب لا تبني دولاً مطلقاً، الشماتة فعل من لم يدرك أنه هنالك قيم تنهار مع البيوت وأرواح تجف مع الحقول والأنهار .بينما يتبدى الانتصار الحلبي ان جازت تسميته بالانتصار ،مجرداً من الشعب ،انتصار فئة على أخرى ،انتصار يضعف +الدولة ولا يقويها ،من حيث أن المهزوم (افتراضياً ) هو الجزء الآخر من الشعب ،فعن أي بناء دولة ومستقبل تتحدثون ،عن دولة فقدت نصف أولادها بالخذلان ،أم عن شعب بات يشاهد أبناء شعبه من المعسكر الآخر يتراقصون على دماء من فقدهم .

في البدء كانت الثورة فكرة ضد فكرة ،ولكن من يحتفل بأشباه النصر هو اللامنطق على الحرية ،وارهاب الدولة على الأهالي، من انتصر للأبد هو إحباط حلم التغيير في الشرق الأوسط والعالم العربي لعقود على الأقل و تحت رعاية وضمانات روسية ايرانية كاملة ،فهنالك باب مفتوح من روسيا لأي دكتاتور قد يتعرض لمواجهة شعبه ،بأن تقف إلى جانبه حتى لو اضطرت إلى حرق البلد ذاته ،هنالك تمازج بين التحرر الإجتماعي والفاشية، أنتج وحشاً مشوهاً بثلاثة رؤوس ،ولد في حلب ،هذا المبرر للتحرر الاجتماعي الذي يرفعه أنصار النظام على رؤوسهم عالياً سيجعلهم يرتدون أغلى ماركات دور الأزياء العالمية ولكن برؤوس مطأطأة أمام أي حاجز لأي ميليشيا في دمشق ،يقول داريو فو ،المسرحي الايطالي الساخر ،(لقد وصل الخراء في عالمنا المعاصر إلى درجة أنه قد غمر البشر حتى الرقبة ،ومن أجل هذا بالضبط ترى الجميع يرفعون رؤوسهم وذقونهم عالياً حتى لا يصل الخراء إلى أفواههم ).

وعلى هذا المنوال سترى الجميع يحتفل في ساحات النظام وهم مرفوعي  الرؤوس، يتقافزون بعيداً عن بحر القذارة الذين وضعوا أنفسهم فيه ،وجروا إليه بلادهم بعد أن ربطوها إلى جنزير دبابة .

سنة 1989 قال الأديب التشيكي فاتسلاف هافل  وهو في ظل الاستبداد " يمكنك أن تدوس الأزهار لكنك لن تؤخر الربيع..

التعليقات (1)

    مصطفى مرعي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    من يقرا اخبار مصياف يعرف ان موالي الاسد اغبياء لان كل كلامهم عن الفساد وظلم الشبيحة لهم وسرقة ممتلكاتهم ويستنجدوا بالاسد ولم يجدوا مغيث والعاءلات الثكلى والجرحى دون معين يعيشون في فقر مدقع ويحتفلون بنصر الروس وايران والمليشات بحلب اقول لهم ان من قتل في حلب مات واقف وانت ستظلوا راكعين الى الابد
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات