لا يمكن لأحد اليوم أن لا يرى تواطؤا عالميا على الثورة السورية ولا مجال للسرد في التفاصيل لكن يمكن التوقف عند حالة الهدنة التي فرضها اتفاق روسي-تركي دُفع ثمنه تسليم حلب للأسد وخسارة ورقة كبرى من يد المعارضة، الأسد هذا الطامع اليوم بسحب ورقة أخرى من يد الثوار وبالتالي من يد من يفاوض باسمهم أو يحسب عليهم أو لهم، ورقة مياه عين الفيجة، التي كانت على مدار السنوات الخمس الماضية سلاحا بيد من يسيطر على المنطقة وأثبت فاعلية في عدة اتفاقات محلية وصفقات صغيرة، كما أثبت من يسيطر عليه أن الهدف هو الضغط والتلويح بالقطع وليس الإضرار بساكني بدمشق وحرمانهم من المياه لكن في زمن الأسد تصبح أخلاقيات الحروب أو فقه حل الخلافات شيئا من الخيال الرومانسي، فهو لا يعرف قيمة لحياة الناس الذي قتل منهم بالبراميل مئات الآلاف وللمدن التي دمرها بما فيها من حياة وذكريات.
عين الفيجة وتلك الرمزية الهائلة لمنبع ماء يسقي العاصمة تاريخيا لا يمكن أن يدمر بهذه السهولة إلا في زمن الأسد والاحتلالين الروسي – الإيراني لما يحمل من بعد وقيمة دالة على السلوك المتطرف الهمجي لتلك العصابة التي تحكم سوريا منذ خمسين عاما وقيمة دالة أخرى على مدى استسهال تدمير الرموز المعنوية بعيدا عن حاجتها المادية وكأن هؤلاء البشر من فصيل مختلف لا يحمل أي اعتبار أخلاقي فكل شيء تسوغه الحرب ولابد أن لديهم قناعات كافية لما يقومون به من قبيل القضاء على المسلحين أو عقد صفقات لإخراجهم أو حرمان المقاتلين هناك من بند تفاوضي ثقيل كالحاجة لمياه الفيجة لكن العقل والمنطق لا يقبل أن يتم ذلك من خلال تدمير البنية التحتية للنبع الرمز، والمبنى المقام حاليا فيه وتعطيله تماما، لكن أين مكان العقل والمنطق في أفعال هؤلاء؟
وفي بعد آخر لما قامت به قوات الأسد وعناصر حزب الله اللبناني من تخريب للنبع نجد أن النبع كان محيدا عن القصف أو التدمير لسنوات لكن هؤلاء أرادوا أن يستغلوا وقت الهدنة من جهة ليعلنوا أن المقاتلين هناك هم من فصيل واحد هو جبهة فتح الشام والحرب عليهم لا تدخل في إطار الهدنة ومن جهة أخرى هي رسالة لأهالي دمشق بأن قطع المياه عليهم في ظل ظرف اقتصادي صعب أمر مرتبط بوجود النبع خارج سيطرة الأسد وفي ذلك ابتزاز مذل للمشاعر والحاجات وتعرية تامة للعصابة التي تستغل المواطنين في حاجاتهم وتشن حربا على كل شيء حتى ولو كان في ذلك ثمن بحجم انقطاع المياه عن دمشق ذات الغوطتين، تلك التي حرمت مياهها بالإهمال والاحتلال الممنهج لمساحاتها الخضراء من قبل سكان العشوائيات التي رافقت حكم الأسدين واليوم تحرم مياه الشرب وتبكي على أطلال نبع الفيجة.
لا انتظر أن يستطيع المقاتلون الصمود لأشهر طويلة في وادي بردى فكل الظروف والمعطيات ما هي إلا عوامل هيئت لقوات الأسد ومن معه من ميليشيات طائفية، لكن انتظر تحركا حقيقيا ممن كانوا يتغنون بعين الفيجة وبرمزيته وارتباطه بدمشق بأن تكون لهم وقفات أولا مع ذاكرتهم ومع مدينتهم ومع حياتهم ليتحركوا بشكل جاد ضد نظام الأسد حتى لا يكمل تدمير القرى في وادي بردى بما في ذلك نبع الفيجة، لينتفض أهالي الشام من أجل مياههم من أجل فيجتهم قبل أن يغنوا لأطلاله بعد أن كانوا يتغنون به.
التعليقات (0)