(لا تصالح) مقولة من الذهب..

(لا تصالح) مقولة من الذهب..
حينما زحف وائل كليب بن ربيعة، ورمح الغدر مغروس في ظهره، زحف طويلاً حتى وصل صخرة متطاولة تقف كلوح للعبر في وسط البادية و كتب عليها قصيدة في بيتها التاسع وصيته لأخيه :لا تصالح.

وقبلها بساعات وكأن التاريخ يعيد نفسه، طلب كليب ملك بني ربيعة ،طلب من قاتله جساس أن يسقيه جرعة من ماء بينما هو ينازعه الموت ، فرفض الخائن القاتل جساس ، وذكره حينما منع الماء عن ابل خالته البسوس.

فمات كليب مغدوراً عطشاً ،قضى على يد ابن عمه الذي عاش معه ردحاً من الزمن يقاسمه التعايش والمزاح و الحزن والأفراح .

كليب كانت مشكلته في جميع الوثائق التاريخية والسيرة الهلالية، أنه رفض فكر القبيلة العشائري و طالب قومه بتحديث فكرهم وتنظيم أمورهم لدرء الفساد و تنظيم الحياة دون محاباة لنسب أو فخذ من قبيلة أو عربدة قوة ما ،و مشكلة جساس كانت أن كليباً وضعه تحت القانون وطالبه بالالتزام بالقوانين المتفق عليها .فما كان من جساس إلا أن نكث عهوده و غدر بمفهوم الدولة والقانون والمجتمع القبلي و العرف والعادات ، وقتل من طالب بكل هذه المفاهيم .

في سبعينات القرن المنصرم ، ومع ذهاب أنور السادات في زيارته التاريخية إلى اسرائيل ،ارتفعت عقيرة الرافضين لهذه الزيارة وما سيليها من سلام بين الدولتين أصبح فيما بعد واقعاً ،وكان في مقدمتهم أمل دنقل الشاعر المصري الكبير ،الذي أطلق قصيدته العصماء المستوحاة من البيت التاسع من قصيدة كليب بن ربيعة الملك، وقال فيها:

لا تصالح ولو منحوك الذهب.

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى..:

ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،

هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما...

وما أن بدأت الكلمات التي خطها أمل دنقل واصفاً الواقع السياسي المصري بكل دقة دون ان يأتي على ذكره ،بالوصول إلى الشباب المتظاهر في الشوارع ،حتى أصبحت كلماته وقصيدته تلك ،هتافاً ثورياً رافضاً للإذعان ،ولهدر دماء الشهداء ، وهدر حقوق الشعب الذي ضحى بكل مايملك من أجل أن ينال حريته ، وحقوقه وأرضه و وأمنه ..يكمل دنقل مخاطباً من تناسى دماء شعبه : 

كيف تنظر في يد من صافحوك../ فلا تبصر الدم../ في كل كف؟.

بهذه الكلمات الجزلة، يوجز دنقل مرافعته في وجه الخديعة التي تحاك ضد شعبه، الخديعة التي يراد بها سرقة حقوق الناس و كتابة تاريخ مزيف يقنعون بها أحفادهم، 

ليس الأمر محبة في القتال و العنف ، بل طلباً للحق والعدالة ، أن يأخذ كل حقه في هذه الدنيا الزوال، وأن ينال كل مجرم وقاتل ما يستحق جراء ما اقترفت يداه، ومن بعدها فليأت السلام، لأن من يفقأ عينيك ويضع مكانهما حجرين، لا يمكنك أبداً أن تراه انساناً ،وأن تجلس معه على طاولة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات