كذبة إسقاط عصابة الأسد عبر الاحتجاجات السلميّة

كذبة إسقاط عصابة الأسد عبر الاحتجاجات السلميّة
خلال الأسابيع الماضية ارتفعت الكثير من الأصوات المطالبة بإعادة النظر بكل السياسات الّتي تم إتّباعها خلال سنوات الثورة بهدف الاستفادة من الأخطاء الّتي حصلت و تقويم عمل و خط الثورة و معرفة الأسباب الّتي أدّت لما نحن عليه اليوم و الّذي يشيرون إليه حسب رؤيتهم باعتباره تراجعاً كبيراً قد يصل إلى درجة الهزيمة . 

عند استعراض الأسماء و التجمّعات الّتي طالبت بعمليّة المراجعة هذه نرى أنها تتضمن بشكل رئيسي المعارضة التقليديّة و المثقّفين،  القاسم المشترك بينهم هو عدم إدراكهم لتواضع دورهم في هذه الثورة، و عدم معرفتهم لطبيعة الثورات كحدث اجتماعي لا إرادي، عفوي، لا يختلف في آليّاته عن البراكين و الأعاصير و غيرها من ظواهر الطبيعة، و نتيجة لعدم استيعابهم لهذه النقطة فإنّهم يطالبون بثورة "تفصيل" حسب مواصفاتهم. 

 من دون شك إنّ غالبيّة المطالبين بهذه المراجعة هم من أنصار الثورة الحقيقيّين، و خوفهم مما رأوه تراجعا لها هو ما دفعهم لتقديم هذه المبادرات، و لكن من بينهم أيضاً من لم يكونوا يوماً جزءاً من هذه الثورة و الّذين اقتصر دورهم خلال سنواتها على انتقادها و التبرّؤ منها، و هناك من التحق بها فيما بعد و كان يخضعها دائماً لاختباراته بحيث تنال رضاه أحياناً و تنال انتقاده و هجومه في أغلب الأحيان حسب توافقه الإيديولوجي معها، كما كان هناك من يبحث عن دور شخصي له ضمن المتزاحمين على المناصب حتّى و لو كانت خلّبية، و الأسوأ من الجميع هو الذي يهدف من هجومه وانتقاده للثورة اليوم زرع روح الإحباط و اليأس و حجز مقعد و دور له في الحل "التجميلي" على الطريقة الروسيّة .

النقطة الأولى الّتي طالتها عمليّة المراجعة هي عدم وجود قيادة موحّدة بالداخل للثورة السورية رغم أنّ وضعها هذا لا يختلف عن باقي الثورات الكبرى في التاريخ فالثورات باعتبارها حركات عفويّة جماهيريّة تصنع قياداتها في معظم الأحيان بعد انتصارها , وجود ناشطين رئيسيين أو قادة في كل حيّ و قرية مختلف عن وجود قيادة مركزيّة موحّدة، خصوصاً و أنّ الثورات تحدث في الأساس ضد سلطات و أنظمة قمعيّة، و بالتالي لا توجد إمكانيّات لإنشاء قيادة موحّدة لها قبل الانتصار، كان هذا حال الثورة الفرنسيّة و الثورة ضدّ القيصريّة في روسيا و الثورة الجزائريّة, أقصى ما يمكن تحقيقه قبل النصر هو تعيين ناطقين باسم الثورة في الخارج، و هذا ما كانت تطلبه الثورة السورية من المجلس الوطني ثم الائتلاف و الّذي لم يكن موفّقا فيها أبدا، لذا من دون التخلّص من 90% من أعضاء الائتلاف و مؤسّسات المعارضة الأخرى الفائضين عن الحاجة و العاطلين تماما عن العمل سيبقى الوضع على حاله .  

للتحرّكات الشعبيّة العفوية و الثورات قوانينها الخاصّة الّتي لا تتغيّر فعندما تكون في مرحلة التظاهرات السلميّة يكون أغلب المشاركين فيها بعمر الشباب و بداية الكهولة و تكون من الجنسين بصورة شبه متساوية كما تتكّون النسبة الكبرى من الطلّاب و المثقّفين الّذين يكتبون اللافتات و يحددون الشعارات و ينسّقون أمكنة اللقاء و التجمّع و الانطلاق، عندما تنتقل المجابهة للعمل العسكري ينخفض العمر المتوقّع للمشاركين و يغيب دور المرأة و تنخفض الحاجة لسويّة ثقافيّة معيّنة بينما ترتفع الحاجة لصفات أخرى مثل البنية العضلية المتينة و الشجاعة و قد يبرز دور لبعض "القبضايات"، حتّى لو كانوا من أصحاب السوابق، كما تجد الحركات الدينيّة و المتطرّفة بيئة مناسبة لها في العمل العسكري , أي بالمختصر تختفي أو تقلّ النظّارات الطبيّة للمثقّفين و تحل مكانها الشوارب للقبضايات و الذقون لأصحاب التوجّهات الدينيّة , و هذه التحولات ليست إراديّة و ليست نتيجة قرارات مسبقة بل تحدث عفويًّا، إنّها طبيعة الأشياء و كما أنّها أيضا مظاهر مؤقّتة بعكس ما يوحي أعداء الثورة أي أن المرحلة العسكرية تنتهي مع انتصار الثورة و عندها يبرز دور رجال الدولة و خبراء الاقتصاد و إدارة المؤسّسات . 

في بداية عام 2011 لو تمّ سؤال أي شخص يعرف النظام السوري أو الليبي أو الكوري الشمالي : هل يمكن إسقاط هذا النوع من الأنظمة بالمظاهرات السلميّة لكان الجواب المؤكّد هو النفي , لأنّ عمليّة إسقاط أي نظام سياسي عبر احتجاجات شعبيّة تعتمد على واحد من عاملين : الأوّل أن تكون مؤسّسات هذه الدولة العسكريّة و الأمنيّة وطنيّة الطابع و منفصلة عن هذا النظام السياسي كما حدث في مصر و تونس عندما وقف الجيش بجانب الشعب و رفض استخدام العنف ضدّ المتظاهرين و هذا غير موجود نهائيّا في الحالة السورية، حيث هناك بنية عسكرية نستطيع تسميتها "بجيش الأسد" بالإضافة إلى التركيبة الطائفيّة الفاقعة للأجهزة العسكرية و الأمنيّة و الّتي تنظر لبقيّة الشعب كعدو , أمّا العامل الثاني فهو أن تتوفّر عند أطراف السلطة و داعميها أو بعضهم على الأقل حدود دنيا من الاعتبارات الأخلاقيّة و الإنسانيّة تجعل الاستمرار في ارتكاب الجرائم المنظمة يشكّل ضغطا على مجتمعاتها الداخلية مما يدفعها للتوقف عن ممارساتها العنيفة , كان هذا سبب انتصار غاندي السلمي عندما لم يستطع ضمير الشعب في بريطانيا تحمّل المزيد من إجرام جنودهم بحق الشعب الهندي الأعزل، كما كان من أسباب انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام مع انتشار المظاهرات في المدن الأمريكيّة ضد ما تنقله وسائل الإعلام من مجازر بحق الشعب الفيتنامي، لم نشاهد شيئا من ذلك في سوريا بل على العكس شاهدنا حالات من إجرام الحاضنة الشعبيّة للسلطة ينافس و يفوق إجرام جيش و مخابرات الأسد مثل المذبحة التي حدثت بحق شباب متظاهرين من المعضمية و الجديدة عندما تمّ احتجازهم في منطقة مجاورة ذات لون طائفي واحد و قاموا بقتلهم بكل الوسائل البدائيّة ثم مررّوا جرّارا زراعيّا فوق جثثهم !، أو مجزرة الحولة التي وقعت في بداية الثورة أيضاً حيث تم ذبح 110 أشخاص نصفهم من الأطفال من قبل سكّان قرى مجاورة من اللون الطائفي نفسه،  أي أن فكرة انتظار صحوة ضمير الحاضنة الشعبية للنظام غير واقعيّة , بل الحقيقة هي أنّ هذه الحاضنة كانت تطالب عائلة الأسد بالمزيد من الإجرام و كانوا يترحمّون على حافظ أسد و يتصوّرون أنّه لو كان موجوداً لقضى على الإحتجاجات في أيّامها الأولى، مستشهدين بما حدث في حماه 1982 , و قد قال بعضهم مؤخّرا و بدون مواربة إنّ درجة أشد من الإجرام كان يجب ممارستها منذ البداية و كأنّه كان هناك إجراما يفوق الّذي مارسوه , في الحقيقة إنّ صمود هذه الثورة على سلميّتها لهذه الفترة الطويلة يعتبر معجزة بمعنى الكلمة خصوصاً لمن يعرف ما قامت به عصابة الأسد منذ اليوم الأول . يدعم دعاة "السلميّة" الكاذبين موقفهم بإحصائيّات العدد اليومي للشهداء في بدايات الثورة عندما كانت الأعداد قليلة لأنّ الأحداث كانت تشمل مناطق محدودة صغيرة كدرعا ثم بانياس فجبلة و دوما ثم حمص و لم تكن تشمل كامل سوريا و بالتالي فالعدد كان أصغر, كما أنّ أعداد الشهداء في تلك الأيّام كانت تتضمّن فقط من تمّ تسليم جثامينهم لأهاليهم و هذا لا يتضمّن المعتقلين و المفقودين و الّذين تمّت عمليّة إعدامهم مباشرة دون الإعلان عنها رسميّا، لذلك فإنّ هذه الإحصائيّات بعيدة تماما عن العدد الحقيقي للشهداء و من يستخدمونها اليوم يعلمون هذه الحقيقة و يكذبون فقط لانتقاد و لوم الثورة . 

سنوات ستة مضت على بداية الثورة السورية و نستطيع استعراض نفس الأسماء و الجهات الّتي كانت تطالب بالسلميّة رغم معرفتهم بطبيعة نظام الأسد، و الذين "يتحسّسون" من خروج المظاهرات من المساجد و يرفضون تدخّل المجتمع الدولي لحماية الشعب السوري الأعزل و كذلك لا يريدون للشعب أن يتسلّح للدفاع عن نفسه. إنهم لا يريدون سوى انتصار نظام الأسد.

التعليقات (3)

    محمد الحصان: ابن الخلافه

    ·منذ 7 سنوات 3 أشهر
    هذه المظاهرات متبناة من قبل مفاوضي الاستانه وسيحاولوا تصعيدها بعد توقيع خيانه كبرى لتظهر الخيانه كحراك شعبي علماني يبحث عن رغيف الخبز والديموقراطيه. شاء من شاء وابى من ابى, الثوره الشوريه ثوره اسلاميه محض ولن تستسلم ولنن تتوقف حتى اسقاط النظام وتركيباته اعوانه ومن ثم اسقاط بشار.

    الدمشقى

    ·منذ 7 سنوات 3 أشهر
    لا يا استاذ هذا الأمر ممكن ولكنه يحتاج الى تنظيم وعقليات سياسية واستراتيجية وذكاء ولكن للأسف هذا كله غير موجود لدينا انظر كيف تمكن اللوبي اللبناني في اميركا وعبر عمل سياسي طويل من حشد الكونغرس وفي النهاية تمكنوا من طرد السوريين وكذلك كان للتواصل الايراني الامريكي مع امريكا دور كبير في تحييد الأمريكيين ولا ننسى أحمد الجلبي العراقي ودوره في تلفيق المعلومات حول اسلحة العراق وبالتالي استغلالها في ذربه والأدلة كثيرة، إن العقل هو أقوى الأسلحة.

    عبدالله

    ·منذ 7 سنوات 3 أشهر
    حقيقة مقال عميق و رائع و يكشف عن الأسباب الجوهرية التي دفعت السوريين إلى عسكرة الثورة. أحيي الكاتب على هذا المقال الموفق.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات