حكاية الشهيد أبي أسعد الشركسي

حكاية الشهيد أبي أسعد الشركسي

هذه حكاية الشهيد علاء أسعد الحسن، الملقّب بأبي أسعد الشركسيّ، وهو قائد كتيبة أبي بكر الصديق، وقائد ثوار حي البياضة في حمص. استشهد أبو أسعد يوم الاثنين 23/12/2012 مختنقاً بالغاز الكيماوي، بعد معارك ضارية كان يخوضها على جبهة البياضة- دير بعلبة استمرّتْ لأكثر من 30 ساعة متواصلة. هذه قصة أبي أسعد الشركسيّ كما رواها لي أحد الناشطين الإعلاميين في حمص المحاصرة، وقد طلب مني أن أعرف عنه باسم (آبــو) فقط، يقول آبــو:

في أيار 2012 التقيتُ بأبي أسعد لأول مرة، كؤوسٌ من الشاي وعيونٌ مطمئنة، وألسنةٌ تلهجُ بنصرٍ لا يحتاج ساعةً من صبر.

" ما بالُ هذا الشركسي منفوشٌ كالديك؟ ".. هكذا همستُ في داخلي.

" ما بالُ هذا الحمصي جاثمٌ كطاووس القصور؟! " هكذا عبَرَ سؤالٌ داخلكَ.. في سماء عينيكَ.. كحِدادٍ.. كنحيبٍ من صمت.

يومها لم تعجبْني كما لم أعجبكَ، فأنتَ مسكونٌ بحكاية قابيل وهابيل، وأنا أيضاً مشغول بها، وفي هذه الحكاية كان لنا ذرةٌ من اتفاق. لكنْ في هوية من منهما؟ من قابيل ومن هابيل؟! المدينة أم الريف؟!! كان لدينا مجرّة من اختلاف.

في لقاء آخر اجتمعنا كالعادة على غير موعد، وبعد ثرثرةٍ خاطبتُكَ بنبرةٍ فيها بعضُ حدّة واستياء:

" من أنتَ يا هذا؟ داغستاني؟ شركسي؟ شيشاني؟ حدّدْ لكَ واحدةً منها، وكفَّ عن الخروج إلينا كل مرةٍ بواحدة جديدة!"

فأجبتَ: " لكنها كلُّها وحدةٌ واحدة"

فقلتُ لكَ: " غيرُ صحيح! في شمال القوقاز لا تتفق قريتان متجاورتان في لغة أو عرق".

وصمتَّ هذه المرة أيضاً. في لقاءٍ آخر وجدتُك تعنّفني وتقول:

" لو لم تكن (آبــو) وتقولُ ما تقول في الثورة، لكان لي معك شأنٌ آخر"

وجاءكَ ردّي عاصفاً:

" يا شركسي! الثورةُ التي ليس فيها ما يجعلُها تثورُ على نفسها لحظةَ الانحراف.. ليست بثورة!"

وكما في اللقاءات السابقة.. صمتُكَ كان الخاتمة. حتى سألتني ذات مرة بتبرُّم:

" الشركس! ماذا نفعلُ حتى نجعلهم يقطعون كلَّ روابطٍ لهم مع النظام؟! أريد رسالةً مؤثرة فيهم، هل تساعدني؟"

أجبتُكَ: " يجبُ أن تخاطبهم من داخل عقليتهم، وكلُّ عقلية لها خطّان يرسمان تفاصيلها، الأسطورةُ والتاريخ، فمثلاً: (سَتَناي) الأميرة الشركسية النبيلة، جدّة الشراكسة، تركتْ قصرها ومضتْ إلى البرية، جلستْ على صخرةٍ تنتظرُ راعياً شهماً، وحين وصلَ ضاجعتْه فحبلتْ الصخرة. وكان الوليد (ساوْسْرُوقة) بطل الأديغة.. الذي كان من نسلِهِ الشعبُ الشركسي بقبائله الاثنتي عشر، لكل واحدة منها سهمٌ، تجتمع السهامُ وقتَ السِلْم متفرّقة، وحين تتطابقُ الأسهمُ على بعضها فإنها الحرب، إنها انبعاثُ (ساوسروقة) ليقاتل!"

يا إلهي! كان وجهكَ وأنا أحكي الأسطورة كالموقد، عرفتُ حينها سرَّ قلبكَ الصخري، أنتَ رجلٌ مسحورٌ بالبطولة! آآآه أنت يا شركسيُّ رجلٌ مشدودٌ إلى الموت!!

ثم حدثتُكَ عما يسكن العقلية الشركسية، من تاريخ تختُمُه مأساةُ سنة 1860م، والبحر الأسود الذي سمّي هكذا من فرط ما التهمتْ أعماقُه من المهجَّرين الشراكسة، الذين راحتْ تتعقّبُهم جحافلُ روسيا القيصرية بالإبادة.

آهٍ يا أبا أسعد، ألم تخبرني ذات استياءٍ بأنكَ لن تخرج للحرب، بعدما رأيتَ من تخاذل؟.. إلّا إذا اكتملَ صفُّ الأخوّة على السهم المتطابق؟؟ ألم تقُلْ أنكَ حينها فقط ستخرجُ شاكياً السلاح وسنكون معاً؟!

قلتُ لكَ: " لنكنْ نحن عينَ الثورة! فهززتَ رأسك بالإيجاب"

حين كنتُ أسردُ الأسطورةَ كان وجهُكَ كالموقد، كم أنتَ رجلٌ مسحورٌ بالبطولة، رجلٌ مشدود إلى الموت. ليتني حين وصلتُ بالسرد إلى تمام حكاية القبائل الشركسية، والأسهم المتفرّقة سِلْماً، المتطابقة حرباً، خرستُ!

كنتُ أعلمُ أنّ البطولة التي لا تنتهي حكايتُها بموتٍ فجائعيّ للبطل ليست ببطولة! ألا ليتني قد خرستُ!

ترحلُ الآن عن الدنيا بفعلِ غازٍ حقير، وقبلكَ مضى باسل وخالد ورجب وعبد الله ومراد و.....

الإخوة يمضون واحداً تلو الآخر، وأنا هنا وكأني ثائرٌ لكتابة المراثي.

أيها الشركسي! إن أتيتُ إليكَ.. فكُنْ في المقدمة، لا أريد أن أتلقّى الترحيبَ إلّا منكَ، كُنْ في المقدمة.. وسوف أعيدُ لكَ سردَ ما سمعتَ من حكاياتٍ وما لم تسمع، فما أجمل أن تُهدرَ الحكايات.

أنتَ نفسكَ يا صاحبي.. أصبحتَ أحلى وأمرَّ حكاية.

التعليقات (6)

    حسام اسلام

    ·منذ 11 سنة 3 أشهر
    الله يرحمك يا علاء الله يتقبلك ياساوسروقة سورية

    HKER التركماني

    ·منذ 11 سنة 3 أشهر
    أحفاد المماليك اليوم يثبتون وطنيتهم وانتمائهم للأرض,عاشت سوريا حرة أبية.

    سمير المحمد

    ·منذ 11 سنة 3 أشهر
    الله يرحمك يا أبو أسعد .. يا خيرة رجال الجيش الحرّ ..

    محمد دوغوظ

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    رحمة الله عليك يا بطل ,, نم قرير العين هانيها ..

    ابو فواز

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    رحمة الله عليكم يا ابطالنا ابو اسعد و ابن خالتي وكل ابطال الثورة الصادقين

    أحرار الشركس

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    الرحمة لشهداء الثورة السورية ...دماؤكم وقود ثورتنا وأنتم قدوتنا على طريق الشهادة فطوبى لكم
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات