أستانا بوتين وجنيف ترامب

أستانا بوتين وجنيف ترامب
كل الفصائل وافقت على الذهاب إلى العاصمة الكازخستانية وكلها رفضت. بهذه الصيغة يمكن أن نلخص موقف الفصائل بعد انتهاء اجتماعات أنقرة، على ما يقول المثل الشعبي (لا يموت الديب ولا يفنى الغنم)، أي أن المجتمعين قرروا مسك العصى من المنتصف، وافق قسم ورفض آخر.

اليوم صباحاً ستبدأ المباحثات الرسمية بين وفدي المعارضة والنظام في مدينة تشهد انخفاض كبير في درجات الحرارة وبرودة شديدة، برودة الطقس لا تقل عنها برودة العلاقات الروسية الإيرانية مؤخراً. إذ سبق عقد المباحثات تصريحات متبادلة بين الطرفين حول المشاركة الأمريكية في المباحثات وصلت إلى حد اعتبار الناطق الرسمي باسم الكرملين بأن مواقف إيران تعقد المباحثات. افتراق في وجهات النظر بين الحليفين لا يمكن أن تعول المعارضة كثيرا عليها بطبيعة الحال بالرغم من أهميتها.

كما هو معلوم مباحثات اليوم حاجة روسية لفرض واقع جديد بعد التدخل العسكري المباشر، الذي بدأ بضربات جوية عام ٢٠١٥ وانتهى اليوم إلى وجود بري، وربما يتطور لاحقا إلى أبعد من ذلك. وأيضا هي حاجة تركية لتعويض الفراغ الذي تركه أوباما في آخر ولايته. وهي بطبيعة الحال تناقض ما تريده إيران المتوجسة من الإدارة الأمريكية الجديدة، والمستاءة من التقارب الروسي التركي. هذا التناقض الكبير بين الدول الثلاث الراعية الأساسية لمباحثات الأستانا يعطي مؤشر بما لا يدع مجالا للشك بفشل ذريع ينتظر تلك اللقاءات.

فصائل المعارضة بشكل عام لا تعول كثيرا على نتائج الأستانا. هي ذهبت مرغمة، نتيجة للتشتت الذهني وضعف المعنويات بعد خسارة حلب المريرة، ولضعف بدائلها في غياب مريب لأي دور أوروبي وخليجي مؤخرا. تريد المعارضة المضي قدما مع رغبات الحليف التركي لأجل التقاط أنفاسها وإعادة ترتيب بيتها الداخلي. ترتيب البيت يبدو بعيد المنال بعد توتر متصاعد بين فصائل الشمال، حيث شكلت غرفة عمليات تضم حركة أحرار الشام وفصائل أخرى مهمة لاجتثاث جند الأقصى المحسوب على تنظيم الدولة الإسلامية. لكن عملية اجتثاث الجند تعني الاصطدام مباشرة مع جبهة فتح الشام بقيادة الجولاني، الجولاني الذي قبل بيعة الجند له وحمايتهم بعد محاولة سابقة من قبل نفس الفصائل لاجتثاث الجند في العام الماضي. لذا يبدو أن مصير الحملة الجديدة على الفصيل الداعشي كمصير سابقتها، تشكيل لجنة شرعية شكلية ولجنة قضائية وهمية لا ينتج عنها أي شيء، أي ترحيل المواجهة المحتومة إلى وقت آخر.

أمريكا الغائب - المغيب الأكبر عن المباحثات تعرف جيدا كيف تتعامل وتستثمر في التغييرات والتبدلات الحاصلة في المواقف مؤخرا، أعلنت بداية عن رغبتها بالمشاركة بعد دعوة روسية، دعوة قابلها رفض إيراني قاطع، ومن ثم أكدت حضورها عبر سفيرها في العاصمة الكازخستانية. وكانت قد أعلنت مسبقا عن موعد جديد لجولة مفاوضات في جنيف، جنيف الذي يحظى بشرعية الأمم المتحدة وحضور دولي وإقليمي أكبر بما لا يقاس مع الأستانا. أمريكا أوباما طويت صفحتها ويبدأ اليوم عهد ترامب بكل تناقضاته، ترامب القادم على رأس حكومة وصفت بأنها حكومة حرب لكثرة الضباط المتقاعدين فيها. ترامب ومعه عدد من كبار طاقمه الرئاسي أعلنوا صراحة عن رفضهم للاتفاق النووي مع إيران، وربما سيأخذ ترامب بنصيحة هنري كيسنجر الأخيرة حول ضرورة تفعيل التعاون مع روسيا في كل الملفات.

ضبابية مواقف ترامب النهائية تجاه المسألة السورية تربك الجميع، لكنها بالمقابل تعطي لخصوم إيران الكُثر ورقة ضغط مفيدة. تركيا رحبت بتصريحاته السابقة حول ضرورة إقامة مناطق آمنة وهو ما يعني بطبيعة الحال عودة قوية للأمريكان للعب دور مؤثر في القضية السورية من البوابة التركية.

مهما كانت نتائج المباحثات اليوم إيجابية، رغم صعوبة تحقيق أي تقدم يذكر على صعيد هدف اللقاء الأساسي، والمتمثل بتثبيت وقف إطلاق النار. تبقى الأنظار متجهة إلى جنيف واللقاء الذي سيعقد في أجواء أقل برودة من طقس الأستانا، بسبب حرارة الحضور الأمريكي الجديد؛ أمريكا ترامب الذي يخبئ المفاجآت للحلفاء قبل الخصوم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات