ملامح الاستراتيجيّة العسكريّة الأمريكيّة الجديدة

ملامح الاستراتيجيّة العسكريّة الأمريكيّة الجديدة
أول مسؤول أميركي من إدارة دونالد ترامب نال موافقة الكونغرس حتّى قبل تنصيب ترامب نفسه كان وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس الّذي يحمل لقب "ماد دوغ" أو الكلب المسعور نتيجة شهرته بين مشاة البحريّة الأمريكيّة بالشجاعة لدرجة التهوّر كما يحمل لقب الراهب المحارب لأنّه خدم 44 عاما بالجيش الأميركي دون أن يتزوّج أو يكون له أسرة.

تقاعد الجنرال ماتيس إثر خلافه مع إدارة الرئيس أوباما عام 2013، عندما كان قائداً للمنطقة الوسطى، نتيجة موقف الإدارة الضعيف من إيران بعد قيام المخابرات الإيرانيّة بمحاولة فاشلة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، و رفضه كذلك للاتّفاق النووي الّذي رآه " تأجيل مؤقّت لسعي إيران للحصول على سلاح نووي و ليس أساساً لعلاقة وديّة كما يدّعي بعض الداعمين للاتّفاق " و بين هؤلاء الداعمين أوباما نفسه . كما أنّ له موقف غير ودّي تجاه السياسة الروسيّة التوسّعية في سوريا و أوكرانيا و البلطيق، كما أن له علاقة جيدة مع حلف الناتو لكونه شغل منصب القائد الأعلى لإعادة هيكلة الحلف 2007-2009 , بالإضافة إلى ذلك فإنّه من المؤيّدين لحل الدولتين في الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني و نتيجة لذلك فإنّ علاقته غير حسنة مع بعض مؤسسات الضغط اليهوديّة في الولايات المتحدة , و رغم ذلك فإنّ الجنرال ماتيس يتمتّع باحترام واسع و تأييد الجميع من معارضي و مؤيّدي ترامب و لذلك فقد نال سريعا موافقة الكونغرس و تمّ  الاتّفاق على تجاوز شرط المدّة فبحسب القانون الأميركي يجب أن يبقى أي ضابط أكثر من سبع سنوات خارج الخدمة قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع . 

من أهم الأسس الّتي قامت عليها حملة ترامب الانتخابية هي إعادة بناء الجيش الأميركي كأقوى قوّة عسكريّة في تاريخ البشريّة، و كان ذلك ردّا بشكل رئيسي على سياسات أوباما خلال الثماني سنوات الماضية و الّتي أوقفت العديد من البرامج و الخطط الّتي كانت تهدف لتعزيز القدرات العسكرية الأمريكيّة المستقبليّة، وذلك لأن هناك قاعدة عامّة لدى بعض اليساريين و الليبراليين الأمريكيين و منهم أوباما وهي أن ميزانيّة البنتاغون تبتلع الأموال الّتي كان من المفترض تخصيصها للبنى التحتيّة و الصحة و التعليم، و كأن العالم قد تحول إلى مجتمع من الملائكة و لا يوجد حاجة لقوّة عسكريّة تدافع بها الولايات المتّحدة عن نفسها و عن حلفائها و مصالحها في العالم. 

كما أنّ موقف الإدارة الأمريكيّة الجديدة واضح و حاسم في مواجهة التهديدات الصينيّة والإيرانيّة ولكنّه يفتح باب التفاهم، إن أمكن، مع القيادة الروسيّة ويسعى لإبرام تفاهمات معها لتجنّب مواجهات غير ضروريّة, حيث يرى الخبراء العسكريون الأمريكيون أنّ روسيا لا تمثّل تهديدا رئيسيّا للقوّة الأمريكيّة فالميزانيّة العسكريّة الأمريكيّة مثلا عام 2011 كانت 682 بليون دولار بينما الروسيّة 90.7 بليون والسعوديّة 56.7 بليون، والناتج الوطني لروسيا و هو من المنتجات الزراعيّة و المواد الخام يساوي الناتج الوطني لدولة مثل كوريا الجنوبية المكوّن من المنتجات الصناعيّة و التكنولوجيا الدقيقة , هذا يعطينا فكرة عن الفرق الواسع بين روسيا و الولايات المتحدة, أمّا الفرق في نوعيّة الأسلحة و دقّتها بين البلدين فهو أكبر من ذلك بكثير و كان التدخّل الروسي في سوريا هو الاختبار الّذي فضح تخلّف و تهالك الأسلحة الروسيّة. 

يؤكد القادة العسكريين الأميركيون و منهم جنرالات في الإدارة الحالية أن هدف الاستراتيجيّة الأمريكيّة الدائم في آسيا و أوروبا هو منع ظهور قوّة إقليميّة مهيمنة و تتمتّع بقوّة اقتصاديّة بحيث تتحدّى سيطرة الولايات المتّحدة على العالم وخاصّة على البحار والمحيطات و هذا يفترض وجود حلفاء اقوياء يمكن الاعتماد عليهم، ومن هنا فإنّ حلف الأطلسي ذو أهمية حاسمة للولايات المتحدة، و لكن هناك حاجة لإصلاحه و توزيع تكاليفه حسب ما يقول الرئيس ترامب، وبنفس درجة الأهميّة بالنسبة للولايات المتحدة تأتي اليابان و كوريا الجنوبية للمساعدة في احتواء الصين.  

المشكلة الأهم بالنسبة للولايات المتحدة في أوروبا و آسيا هي بعد المسافة حيث هناك حاجة لوقت طويل قبل إمكانية نشر قوّات أميركية فعّالة عالية الكفاءة هناك، و في كلّ الأحوال فإنّ القوّات الّتي ستواجه الولايات المتّحدة في أوراسيا ستكون أكثر عدداً على الدوام و لذلك فإنّ الاستراتيجيّة الأمريكيّة تتطلّب قوّة تمكنّها من إظهار قدرات ساحقة دون تأخير كبير و بعدد قليل من القوّات . 

في الثمانينات كان اسم الاستراتيجيّة الأمريكيّة "الفعل من موقع القوّة" و عرّفها الجيش الأميركي بأنّها "فنّ استخدام القوّة المسلّحة و علمها بغرض تحقيق الأهداف السياسيّة و القوميّة عن طريق استخدام القوّة العسكريّة أو التهديد بها" , في التسعينات تم تبنّي استراتيجيّة العمليات الجويّة - البريّة و الّتي تشمل المناورة الواسعة للقوّات و الاستعمال الكثيف للوسائط الناريّة و التدميريّة عالية الدقّة لسحق العدو بكامل عمق البنية العمليّاتية لقوّاته , بعد 11 أيلول 2001 تم تبنّي استراتيجيّة الحرب الاستباقيّة و الوقائيّة : و تشنّ الحرب عند توفّر قناعة بأنّ هجوم العدوّ متوقّع بشكل شبه مؤكّد , حددت هذه الاستراتيجيّة الجديدة هدفين هما مكافحة الإرهاب و الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل . 

رغم التغييرات التكتيكيّة الّتي تدخلها الولايات المتّحدة على استراتيجيّاتها العسكريّة بين الحين والآخر فإنّ هدفها الدائم هو الحفاظ على القوّة و التفوّق المطلق في المنطقة و العال، مع القفزات التكنولوجيّة الكبيرة الّتي حصلت في السنوات الأخيرة ظهرت معطيات عن وجود جيل جديد من الأسلحة التقليديّة يتكوّن من طائرات درون صغيرة جدّا تحمل أسلحة ذات قدرة تدميريّة عالية موصولة بكومبيوترات حديثة فائقة السرعة بالإضافة لآخر مبتكرات الصناعات العسكريّة وهي الروبوتات الهجوميّة المتّصلة بمجسّات "حسّاسات" معقّدة تنتشر حول العالم و مرتبطة بمنصّات وأسلحة وتنسيق عمليّات دون تدخّل بشري قريبة الشبه بألعاب الفيديو: قدرة تدميريّة عالية مع تجنّب الخسائر البشريّة , يطلقون عليها اسم "استراتيجيّة التوازن الثالثة"، تهدف لبناء أنظمة سريعة تفوق قدرة العدو على المراقبة والعمل.

يقول الخبراء العسكريّون الأمريكيّون باختصار و وضوح : (لا نريد خوض حروب متكافئة) أي يجب أن يكون تفوّقهم كاسحاً. كما يصرّحون إنّ تطوّر أسلحة الأعداء لم يصل لدرجة منافستنا حتّى الآن، وأوضح البنتاغون أنّه عندما نضطر لخوض الحرب فستكون قصيرة و حاسمة , كما تتطلّب الاستراتيجيّة الجديدة مشاركات أوسع من الحلفاء من الناحية البشريّة و المادّية بالإضافة لاستخدام أراضيهم لتطويق الأعداء. 

الجنرال ماتيس هو الشخص المناسب لتحقيق هذه الاستراتيجيّة الجديدة، كما أنّ نصف طاقم ترامب عبارة عن جنرالات أتوا من المؤسّسة العسكريّة الأمريكيّة المتحمّسة لتطبيقها، عند استعراض هذه الوقائع والمعطيات العسكريّة والتكنولوجيّة نشعر بالأسى على حاملة الطائرات الروسيّة اليتيمة "الجنرال كوزنتسوف" وهم يقطرونها بسفينة أخرى و الدخان الكثيف يتصاعد منها و مع سقوط الطائرات أثناء الإقلاع و الهبوط عليها , شأنها شأن بقيّة الأسلحة و الصواريخ الروسيّة الّتي لم تستطع تجاوز حقبة السبعينات  من القرن الماضي، نفس الشعور ينتابنا تجاه العروض العسكريّة في إيران لمجسّمات مصنوعة من التنك والقصدير على هيئة أسلحة مثل تلك التي يستخدمونها في الخدع السينمائية الركيكة، أو مجنون كوريا الشمالية و صواريخه البدائية.

التعليقات (2)

    الحقيقة

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    الهدف الاكبر في السياسة الامريكية الان هو حتواء الصين والهيمنة على قرارات الحكومة الصينية وحتى تفعل ذالك لديها خياران الاول وهو ما حاولت القيام به الادارات الامريكية السابقه بجر كل من روسيا وايران ودول وسط اسيا والباكستان الى تقليص تعاونهم مع بكين من خلال زجهم في حروب تجبرهم على التعاون مع امركا وانشاء تحالف امركي دولي مع تلك الدول لخنق لصين وجعل مقدرات تلك الدول وموردها رهن الاشارة الامريكية والخيار الثاني هو السماح لحلفاء لبعض حلفاء امركا في حربها الباردة كالخليج والعرب و

    الحقيقة

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    الخيار الثاني هو السماح لليابان باعادت بناء قوتها العسكرية ودول العربية بتسلح بأ سلحه استراتيجية واطلاق يدهم للانقضاض على خصومهم واعتقد ان السنتيين القادمتيين ستكونان شد وجذب بين هاذين الخياران مم سيمنح داعش فرصة اقوى لتمدد من جديد في سوريا والعراق
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات