سوريا عودة إلى المناطق الآمنة.. ما الذي تغير؟

سوريا عودة إلى المناطق الآمنة.. ما الذي تغير؟
عادت قصة المناطق الآمنة فى سورية إلى دائرة الضوء مرة أخرى، مع القرار التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طالبا فيه من وزارات الخارجية والدفاع والأجهزة المعنية الأخرى، وضع خطة عملية للتطبيق خلال تسعين يوماً، القصة الآن ليس نظرية فقط حيث تحدث ترامب عنها خلال الحملة الانتخابية بلهجة واضحة وحازمة، كما طرحها في اتصالاته الأخيرة مع الملك السعودي وولى العهد الإماراتي ونال موافقتهم ودعمهم، علما أنهم كانوا منفتحين على الفكرة طوال الوقت ولو بشكل خجول. 

لابد من التذكير أن الشعب السوري خرج أكثر من مرة بتظاهرات، وجمع غضب تحت عنوان المناطق الآمنة، بينما كانت تركيا أول دولة طرحت الفكرة بشكل رسمي منذ ثلاث سنوات، ولم تنل سوى دعم نظري من قبل أطراف عربية ودولية، بينما وقف الريس الأمريكي المنصرف باراك أوباما ضدها بشكل متهجى مصمم وعنيد، وعمد حتى إلى التزوير وتحريف الوقائع لإخفاء الأسباب الحقيقية وراء رفضه للفكرةِ.

أنقرة اعتبرت المناطق الآمنة ومنذ اربع سنوات تقريباً-2013- مهمة وضرورية لحماية الشعب السوري والمدنيين، كما لإيواء واستقبال النازحين واللاجئين وترتيب أوضاعهم، اضافة الى كونها بقعة امنة لتسليح وتدريب المعارضين القادرين آنذاك على إسقاط الأسد ونظامه قبل اختلاق قصة داعش وتضخيمهما، وقبل جلب إيران لمليشياتها، بضوء اخضر أو برتقالي أمريكي، للدفاع عن النظام و منع سقوطه، وهى المهمة التي فشلت فيها على أية حال كما أقر وزير الخارجية الروسي  سيرغى لافروف منذ أسابيع قليلة.

تركيا اعتبرت الفكرة رد على المعادلة الإجرامية للنظام العصابة الأسد أو نحرق سورية، التي تم تحديثها لتصبح الأسد أو نحرق المنطقة، عبر إغراق دول الجوار باللاجئين، وإثارة القلاقل والمشاكل الأمنية الاقتصادية الاجتماعية فيها، لدفعها إلى غض النظر عن النظام وجرائمه، والتساوق مع فكرة الأسد أو الفوضى، التي تم العمل عليها عن سبق إصرار وتصميم. 

لأسباب مناقضة تماما رفض الريس الأمريكي المنصرف باراك أوباما الفكرة، فبسبب انكفائه عن المنطقة لم يكن يريد التورط أو الانخراط أكثر في تحدياتها، أما السبب الأهم فكان تحالفه غير المعلن مع طهران ورغبته في التوصل إلى اتفاق نووي إقليمي معها، مع عدم ممانعة تدخلها الفظ الدموي والإجرامي في الدول العربية، والموافقة على إبقاء رجلهم في سورية  كما قال حرفياً ذات مرة، طالما أن ذلك يأتي ضمن الخطوط الحمر التي رسمها لها، والتزمت وخضعت لها طهران  رغبة في الهيمنة على المنطقة والثأر التاريخي من دولها وشعوبها، مالك الاشتر يجوس خيام معاوية في الشام والعراق هكذا قال الحرس الثورى في تحريضه لوزير خارجيتها لرفض أي تسوية أو وقف لإطلاق النار فى سورية.

تركيا لم تطلب سوى حماية أو مظلة جوية أمريكية للمناطق الآمنة، وهو نفس طلب الشعب السوري الثائر على كامل الأراضي السورية، غير ان أوباما فهم مبكرا مغزى الأمر وجوهره حيث سيسقط النظام قبل السماح له بتدمير البلد، وتهجير شعبه، وقبل المساومة مع الموتورين في طهران على مشروعهم النووي مقابل هيمنتهم الإقليمية الوهمية والمجنونةُ.

والآن ماذا الذي تغير كي تعود الفكرة بشكل جدي إلى جدول الأعمال ؟ 

التغير الأساسي حصل لدى القوة العالمية الأبرز، أي واشنطن فترامب وفريقه يرفضوا البعد الإقليمي للاتفاق النووي، أى إطلاق أوباما ليد إيران وميلشياتها في المنطقة، البعض منهم يرفض الاتفاق نفسه جملة وتفصيلاً ورغم ان واشنطن تتساوق بشقيها الجمهوري والديموقراطى لا تتحفظ على فكرة الانكفاء، إلا أنهم كثيرين يرفضوا ان يتم ذلك على طريقة أوباما، أو أن تملأ طهران الفراغ، كما أن النخبة الجمهورية المحيطة بالرئيس المنتخب في الإدارة والكونغرس  تبدو مقتنعة تماماً ان الانخراط ولو جزئيا سيتيح لها لعب دور مهم في التسوية السياسية، و حتى جعلها أكثر واقعية  ومنطقية بعد تحقيق النظام الهدف الأساس المتمثل في تدمير سورية، وتهجير نصف شعبها والحاجة إلى سنوات، وربما إلى عقود طويلة للتعافي وإعادة بنائها على أسس نزيهة وعادلة.

النخبة الجمهورية الامريكية مستاءة كذلك من عدم ممانعة أوباما للاحتلال الروسي لسورية، بل واستعداده للتساوق معه وكأن شيئاً لم يكن، الرئيس ترامب نفسه عبر بلطف وبهدوء على غير عادته عن ها المزاج عندما قال ان التدخل الروسي كان سيئاً مع ان المحيطيين به يبدون أكثر تشدداً تحاه هذا الأمر.

 ترامب الذي يفكر في العادة بعقلية رجل الأعمال يريد كذلك من الدول العربية الخليجية، تغطية نفقات المنطقة الآمنة، وهو أمر لا ترفضه هذه الدول من حيث المبدأ، كما الانخراط فيما بعد في خطة جدية لإعادة إعمار سورية، هو  اى ترامب يعي طبعاً أن لا حاجة لانتشار جنود امريكين على الأرض، فالجيش السوري الحر حاضر والمعضلة كانت وما زالت في التغطية الجوية التي بإمكان واشنطن تأمينها ليس فقط بقوتها الجبارة، وإنما بتصميمها الذي لا تستطيع طهران ولا حتى موسكو تحديهِ. 

الآن يتم الحديث عن ثلاث مناطق أمنة، واحدة شرق الفرات ستكون برعاية أمريكية، وواحدة في منطقة درع الفرات برعاية تركية , والمفارقة أو السوريالية انه سيتم الحديث عن مناطق السيطرة الروسية، أو مناطق النظام العصابة، وما كانت تسمية طهران و اوبواقها الإعلامية الطائفية بسورية المفيدة كمنطقة ثالثة، رغم أنها لا تتعرض لخطر البراميل المتفجرة أو الصورايخ البالسستية أو السلاح الكيماوي، علماً أن الفكرة  تؤكد وبما لا يدع مجال للشك أخرى أن حديث النظام عن السيادة والسلطة و ليس سوى أكذوبة ودعاية رخيصة. 

المنطقة الآمنة الثالثة الفعلية ستكون جنوب سورية، وسيكون دور واضح للأردن فيها، و ستكون المناطق كلها خالية من داعش والقاعدة وسيكون تواجد للجيش الحر وآلاف المقاتلين المدربين،  وقتالهم لداعش سيزيد خبرتهم وثقتهم فقط  ولن يصب في مصلحة النظام، أو بقاياه كما كان الحال في السنوات الماضية، باستثناء تجربة تركيا في درع الفراتِ.

 عموماً تبدو واشنطن الان أكثر جدية تجاه المناطق الامنة، ومع استعداد اقليمى تركى –عربى- للتنفيذ ونزوع موسكو للتساوق معها وتراجع وتلطيف لهجتها تجاهها, فان الفكرة ستأخذ حيز التطبيق فى الشهور القادمة، خاصة أن لها أسس فعلية على الارض فى مناطق درع الفرات وحتى فى جنوب سورية، وأفضل ما فى الفكرة طبعاً انها ستعزل طهران وحلفائها وتجعل من انسحاب الميليشيات الطائفية غير الشرعية التابعة لها مسالة وقت، بعدما رفعت ادارة ترامب عنها الغطاء الذى اوجدته سابقتها وبدونه ما كان لطهران لتصل الى هذه الدرجة من الغطرسة  الدموية والاجرام.

ومع ذلك يجب الحذر من أن تتحول المناطق الآمنة الى حدود وخطوط غير معلنة للتقسيم، وهى ستخلق بالضرورة سيرورة  تدفع الفرقاء الى العمل الجدى من أجل تسوية سياسية خاصة  أن موسكو التى ستتحمل منفردة مسؤولية مناطق النظام ستكون معنية بالحل السياسي، ما يشكل مدخلاً للضغط عليها باتجاه العودة الى سكة جنيف، والاقلاع عن التذاكي والتحايل وخلق اليات مناقضة لا تملك أى فرصة أو احتمال للنجاح , وحده اعلان جنيف يمثل المخرج باتجاه الحل  وقبل ذلك وبعده لا يمكن هزيمة ودحر داعش دون القضاء على البيئة الحاضنة له أي نظام الاسد ووقف الجرائم التي ارتكبها وما زال بحق البشر والحجر فى سورية .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات