الشرق الاوسط والالعاب القذرة (الجزء الثاني -1) - حقيقة دور واهداف ايران في المنطقة

الشرق الاوسط والالعاب القذرة (الجزء الثاني -1) - حقيقة دور واهداف ايران في المنطقة
المقدمة :

في الحقيقة ان الملف الإيراني ملف شائك ومليء بالتناقضات التي تستعصي في كثير من الأحيان عن الفهم والتفسير, ابتداء من وصول الخميني للسلطة واعلانه قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 وما رافق ذلك من ملابسات, مرورا بالحرب الإيرانية العراقية واسبابها وتداعياتها على المنطقة.....الى الدور الإيراني في الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق , ووصولا الى الدور الإيراني فيما يجري اليوم على الساحة الإقليمية, وخاصة في سوريا واليمن والعراق.

سنعالج هذا الملف على مرحلتين ان شاء الله:

المرحلة الاولى تتضمن تحليلا لاسباب واهداف ايصال الاسلاميين للسلطة في ايران ....مرورا بالحرب الايرانية العراقية ووصولا لغزو العراق للكويت عام 1990.

اما المرحلة الثانية فستعالج دور واهداف ايران في العراق ابان وما بعد الاحتلال الامريكي  ووصولا لدور ايران في الملف السوري واليمني اليوم وطبيعة علاقاتها مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.

اولا : وصول الاسلاميين للسلطة

وصل الاسلاميون الى السلطة في ايران بعد انقلابهم على الشاه رضا بهلوي في شباط عام 1979. جاء الخميني من منفاه في فرنسا على متن طائرة فرنسية اقلته الى طهران حيث اعلن نفسه اماما للمسلمين.....

بقي وصول الخميني للسلطة في ايران وموقف الدول الغربية من ذلك, وخاصة الولايات المتحدة الامريكية, موضع جدل كبير. فبينما كانت الولايات المتحدة تدعي رفضها للإسلاميين.... وبينما كان الخميني يجاهر بعدائه لأمريكا واصفا إياها بالشيطان الأكبر....فان الخفايا التي تتكشف يوما بعد يوم.....وتسارع مجريات الاحداث في المنطقة.... يؤكد بدرجة ترقى الى اليقين بان وصول الخميني للسلطة انما تم بدعم وقبول غربي وامريكي واضح.

فقد كشفت العديد من الوثائق الامريكية التي رفعت عنها السريه منتصف العام الفائت  2016 جانبا مما كان يدور في الكواليس في تلك الفترة. وتظهر احدى هذه الوثائق  فحوى رسالة أرسلها الخميني من منفاه في فرنسا عن طريق احد الوسطاء الى إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قبل فترة وجيزة جدا على انطلاق الثورة ضد الشاه. وتظهر الوثائق الامريكية بان الخميني تعهد للرئيس كارتر بانه لن يقطع النفط عن الغرب وانه سيقيم علاقات ودية مع الولايات المتحدة الامريكية. بالمقابل فانه يطلب من الولايات المتحدة ممارسة نفوذها على قادة الجيش الإيراني, الذين كانوا يكرهون الخميني بشدة,  من اجل تحييدهم تسهيلا لوصول الخميني الى  سدة الحكم, وهذا ما حدث بالفعل عن طريق الجنرال الأمريكي روبرت هويسر نائب القائد العام لحلف الناتو والذي ارسلته الإدارة الامريكية الى طهران في ذلك الوقت لمهمة سرية للغاية. فقد اشرف الجنرال هويسر, وفق الكثير من التقارير, على تحييد كبار قادة الجيش من اموالين للشاه ....كما قام بالاشراف على اعدام عدد من قادة الجيش الإيراني المعادين للخميني و الذين كان من الممكن ان يستولوا على السلطة في حال غياب الشاه....كما اشرف بشكل مباشر على عملية ترحيل الشاه وعائلته من ايران في منتصف كانون الثاني 1979. ومما ورد عن قائد سلاح الجو الإيراني قبل إعدامه قوله : "ان الجنرال هويسر القى الشاه خارج ايران كما يلقى فأر ميت".

انتصر الإسلاميون الشيعة في ايران ورفعوا منذ البداية شعار تصدير الثورة. كما وضعوا خريطة للعالم تبين مشروعهم التوسعي. تضمنت هذه الخريطة –التي سحبت فيما بعد لأسباب مجهولة- تقسيم العالم الى ثلاثة مناطق : المنطقة الخضراء, وهي منطقة النفوذ الاسلامي وتمتد من اندونيسيا شرقا الى المغرب العربي غربا وعاصمتها ايران. المنطقة الحمراء وتشمل الاتحاد السوفيتي سابقا ومجموعة الدول الاشتراكية., والمنطقة السوداء وتشمل الولايات المتحدة الامريكية واوربا.  ومن جهة اخرى نص الدستور الايراني في مادته 154 من الفصل العاشر المتعلق بالسياسات الخارجية على ان "تلتزم ايران باسناد کافّة النضالات المحقة للمستضعفین امام مستکبری العالم في ايّ نقطة من نقاط المعمورة".لكن  لم يحدد الدستور او القانون الايراني ما هو المقصود بالمستضعفين ولا بالمستكبرين, بل ترك تقدير ذلك للسلطات السياسية المتمثلة في الولي الفقيه.

  ثانيا :  لماذا دعمت الإدارة الامريكية وصول الخميني صاحب المشروع التوسعي للسلطة؟

العديد من التحليلات تناولت هذا الموضوع...ولعل اقربها للمنطق هو ان الولايات المتحدة في ذلك الوقت, الذي كانت تعيش فيه ايران تحت حكم الشاه وضعا فوضويا للغاية, كانت تخشى من وصول اليساريين للسلطة وما قد يترتب على ذلك من تحالفهم مع الاتحاد السوفييتي, مما قد يشكل خطرا كبيرا على الامن القومي للولايات المتحدة الامريكية نظرا لانه يسمح للسوفييت بالوصول الى المياه الدافئة.

على الرغم من قبولنا بالمنطق الذي يقوم عليه هذا التحليل, الا اننا نرى ان إيصال الإسلاميين "الشيعة" الى سدة الحكم في ايران انما كان يهدف أيضا وبشكل اساسي الى خلق فتنة دينية سنية شيعية في المنطقة من خلال إيصال اشخاص عقائديين ومتصلبين الى سدة الحكم في كل من ايران والعراق. ومما يدعم وجهة نظرنا هذه ما أورده عبد الستار الراوي - السفير العراقي لدى طهران في عهد الرئيس صدام حسين- من انه خلال الأسبوع الأول للثورة، وقبل ان تستقر أركانها في ايران أصلا، بدا راديو طهران يبث نداءات تحريضية تحث العراقيين الشيعة على الثورة ضد النظام العراقي. كما ان المفكر العراقي حامد الحمداني أورد في مقالة له بعنوان "من ذاكرة التاريخ...اسرار وخفايا الحرب الإيرانية العراقية" بان مساعد وزير الخارجية الامريكية قام قبيل الحرب بزيارة الى العراق التقى فيها بالرئيس احمد حسن البكر وبحث معه مطولا الأوضاع في ايران بعد انتصار الثورة واستلام التيار الديني للسلطة هناك والاخطار التي يمثلها النظام الجديد على الأوضاع في منطقة الخليج وضرورة التصدي له بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل العسكرية. لكن الرئيس البكر لم يقتنع بالفكرة, فقام المبعوث الأمريكي بترتيب لقاء مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك صدام حسين وناقش معه هذه القضايا....وقد ابدى صدام في هذا اللقاء الاستعداد لتنفيذ مثل هذه الخطوات....وبعد فترة وجيزة تم اجبار الرئيس البكر على الاستقالة من كل مناصبه واصبح صدام حسين رئيسا للعراق في تموز من عام 1979. أي بعد عدة أشهر فقط من وصول الخميني للسلطة في إيران.

لنتوقف هنا قليلا ونحلل ما اوردناه من معلومات مهمة للغاية :

ان الولايات المتحدة الامريكية التي عبر مساعد وزير خارجيتها خلال زيارته للعراق ولقائة بالرئيس البكر عن قلقه العميق من الاخطار التي يمثلها وصول التيار الديني للسلطة في إيران، هي نفسها التي ساعدت ودعمت الخميني من اجل الوصول للسلطة كما تثبت ذلك الوثائق الامريكية التي تحدثنا عنها أعلاه. ولما  رفض الرئيس البكر الاقتراحات الامريكية بتنفيذ عمل عسكري ضد طهران....قامت الولايات المتحدة الامريكية بايصال شخص اخر للسلطة مستعد لان يقوم بمثل هذه الخطوات....

لذلك فاننا نستطيع ان نستنتج هنا بان الولايات المتحدة الامريكية تستهدف فعلا خلق قتنة سنية شيعية من خلال اشعال الحرب بين ايران والعراق.....ومن اجل تحقيق هذا الهدف قامت بتسهيل وصول الخميني وصدام للسلطة باعتبارهم أشخاصا لديهم استعداد عقائدي او شخصي لتنفيذ هذه الخطوات.....

قد يقول قائل هنا.....كيف يمكن التصديق بان الولايات المتحدة أتت بصدام للحكم في حين ان الجميع يعلم بان الامريكان هم من قضا على حكم صدام ؟؟؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد ان نشير الى نقطة غاية في الأهمية, وهي ان تسهيل الولايات المتحدة وصول صدام والخميني للسلطة لا يعني بشكل تلقائي بانهما رجلا أمريكا في العراق وايران....او انهما دمية بيد الامريكان.....لا لم يكن الامر كذلك....فالخميني وصدام رجلان يحمل كل منهما مشروعا....وقد رات الولايات المتحدة ان ايصالهما للسلطة وتمكينهما من مقاليد الأمور سيفتح الباب بشكل تلقائي, او مع قليل من الدفع والتحريض لاندلاع الحرب بين البلدين, وهذا هو الهدف....وهذا ما حصل بالفعل.

فالخميني من طرفه اعلن نفسه اماما للمسلمين الشيعة بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران. لذلك كان لا بد له من التفكير في السيطرة على المدن الشيعية المقدسة, وخاصة النجف وكربلاء حيث توجد المراقد المقدسة للشيعة. وبما ان هذه المدن هي مدن خاضعة للسيادة العراقية, كان لا بد من التفكير في طريقة لاحتلالها والسيطرة عليها من اجل تثبيت الشرعية الدينية التي نادى بها الخميني لنفسه. ومن هنا نستطيع ان نرى بوضوح الاستعداد العقائدي للخميني للدخول في الحرب مستفيدا من فكرة وجود الكثير من الشيعة في العراق.....

اما بالنسبة لصدام حسين فقد كان الرجل القوي في العراق, رجل حرب ولديه نزعة للتفوق, لكن الدخول في حرب مع ايران التي تفوق مساحتها مساحة العراق بعدة اضعاف ويفوق عدد سكانها عدد سكان العراق عدة اضعاف لم تكن بالخطوة السهلة, ومن هنا كانت أهمية التحريض الأمريكي لدخول الحرب.....ولقد استمرت الولايات المتحدة بدعم العراق فعليا طوال مدة الحرب التي استمرت لحوالي ثمان سنوات وذلك لتمكين العراق من الاستمرار في المواجهة واطالة امد النزاع لاطول فترة ممكنة.

ثالثا:ما هو الهدف من اشعال الحرب بين ايران والعراق؟؟

استنادا الى المعلومات التي اوردناها في الجزء الأول من هذه السلسلة (انظر الرابط ادناه), فان السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط محكومة بشكل شبه مطلق بالمصالح الإسرائيلية في المنطقة..... فما هي المصالح الإسرائيلية من اشعال هذه الحرب؟

تناولت مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهييونية العالمية في عددها رقم 14 الصادر عام 1982 للكاتب الصهيوني اوديد يونين مقالا عن خطط اسرائيل الاستراتيجية في الثمانينيات ومما جاء فيها :

" ينبغي ان يكون تقسيم العراق وسوريا الى مناطق منفصلة على اساس عرقي او ديني احد الاهداف الاساسية لاسرائيل على المدى البعيد...والخطوة الاولى تكمن في تحطيم القوة العسكرية لهذين البلدين..."

وتتابع المجله : ".بالنسبة للعراق...ذلك البلد الغني بالموارد النفطية والذي تتنازعه الصراعات الداخلية ....فهو يقع على خط المواجهة مع اسرائيل.... ويعد تفكيكه امرا مهما..... بل انه اكثر اهمية من تفكيك سوريا....لان العراق يمثل على المدى القريب اخطر تهديد لاسرائيل"....

في هذا الاطار بالتحديد يمكننا تفسير إصرار الولايات المتحدة الامريكية، بضغط من اللوبي الموالي لإسرائيل في واشنطن, على دعم وتحريض قيام حرب طاحنة استمرت لثماني سنوات بين ايران والعراق وادت الى مئات الالاف من القتلى من العراقيين والإيرانيين إضافة الى تدمير كبير جدا للبنى التحتية للبلدين. وفي هذا الاطار أيضا نستطيع تفسير الدعم الذي كان تقدمه الأطراف الدولية لكل من العراق وايران من اجل الاستمرار في الحرب دون تحقيق شيئ ملموس على الأرض لصالح أي منهما. فالولايات المتحدة الامريكية كانت تقدم الدعم علنا للعراق وتقدم الدعم سرا لايران, وهذا ما توكده فضيحة "ايران كونترا" والتي اثبتت تورط ادراة الرئيس ريغان ببيع ايران اسلحة ومعدات عسكرية متطورة عام 1985 ونقلها الى ايران بالتعاون والتنسيق مع اسرائيل  وذلك على الرغم من الحظر الامريكي الرسمي على بيع الاسلحة لايران وتصنيفها دولة راعية للارهاب وعدوة للولايات المتحدة!!

لم تستطع الحرب الإيرانية العراقية التي امتدت لثمان سنوات عجاف ان تدمر العراق كما كانت تشتهي إسرائيل, لذلك كان لا بد من اكمال المهمة بوسائل أخرى, وفي هذا الاطار يندرج غزو العراق للكويت, والذي جاء بعد سنتين تقريبا على نهاية الحرب الايرانية العراقية...

يتبع..

محمد امين العمر

باحث في معهد لوفان اوروبا

بلجيكا

التعليقات (4)

    الله يعطيك العافية أخوي محمد

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    تحليل جيد , وشكرا أخي على نشر هذه الحقائق , وننتظر منك أخي كل جديد.

    سامر

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    تحليل جميل وربط منطقي للامور. الخلاصة هي ان الشعوب المسلمة تم تحويلها لوقود لمعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل بسبب عماله او حماقة حكامهم من السنة او الشيعة.

    عمار

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    تحليل منطقي وواقعي للكاتب... بانتظار الاجزاء القادمة ...

    إبراهيم العبد

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    لقد قلت قبل ذلك بأن الدور الإيراني فيرالمنطقه ليس فوق مستوي الشبهات ولم يصل الخوميني للحكم في ٱيران إلا بدعم أمريكي وغربي قوي والدليل علي ذلك هو وجود الخوميني لديهم في فرنسا ووصوله إلي إيران علي طائره فرنسيه كأنه بطل قادم من حرب ولو أن أمريكا والغرب ليس لديهم الغرض لوصول المتشددين للحكم في إيران لقاموا بقتل الخوميني او علي الأقل ٱعتقلوه وخاصة وبأنه كان لديهم وقد أراد الغرب بذلك تحقيق هدفين أساسيين من ذلك: ١-إرهاب دول الخليج من المتشددين بإيران للإستحواذ علي النفط وطلبهم الحمايه من أمريكا٠ ٢-
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات