ما بعد بعد الباب

ما بعد بعد الباب
دخلت قوات الجيش السوري الحر مدعومة بالقوات الخاصة التركية مدينة الباب، منذ أيام والمعركة هناك حسمت أو كادت،  وهى باتت مسالة وقت فقط كما قال الرئيس رجب طيب أردوغان الأحد الماضيِ.

أعتقد أن تحرير مدينة الباب كان مسالة وقت منذ فترة طويلة، فالمعركة حسمت نظرياً برأيي منذ انطلاق عملية درع الفرات وبمجرد تحرير مدينة جرابلس، والانطلاق منها جنوبا وفق نموذجها المعروف  المتضمن عدم تدمير القرى والمدن، عدم تهجير لأهلها أو إجراء تغيير ديموغرافي وعرقي، وقبل ذلك وبعده فإن من يخوض المعركة ضد تنظيم داعش هم الممثلين الحقيقيين للشعب السوري وأهل وأبناء المدن والقرى التي يتم تحريرهاً.

 اجتهدت دائماً لقراءة وفهم خلفيات وحيثيات الموقف التركي تجاه معركة الباب , درع الفرات والقضية السورية والثورات العربية , بشكل عام المصالح متطابقة بين تركيا والعرب، واسطنبول ليست طهران أو موسكو هي أخت مدننا وحواضرنا الكبرى، وكانت خريطة الطريق التركية واضحة منذ اليوم الأول لعملية درع الفرات، وأعلن عنها بعناد تصميم وإصرار الرئيس أردوغان وكبار المسئولين الأتراك , درع الفرات وبعد تحرير جرابلس ستتجه جنوبا حتى الباب،  ومن ثم شرقا باتجاه منبج والرقة وفق المعادلة الشهيرة الباب منبج الرقة , التي ما فتئ يكررها يوما بعد يوم الرئيس التركيٍ.

 إذن معركة الباب محسومة نظريا منذ زمن طويل، وحسمها عمليا كان مسالة وقت فقط شهور وأسابيع  وأصبح الآن أيام،  وربما ساعات حتى , و لن يتم التوجه بعد ذلك جنوبا أو غربا كما كان مقررا سابقا، و تم إنهاء خطر داعش نهائياً وابعاده عن الحدود التركية السورية بعدما تم القضاء على خطر التنظيم الإرهابي الأخر بي كا كا السوري، ومنعه من إقامة كيانه الاستبدادي الشوفينى الشبيه بالنظام البغيض , والساعي لاستنساخ مسلخه البشرى ولو بعد حينِ. 

مع تحرير الباب التي تبعد 30 كم عن الحدود بتنا أمام منطقة أمنة , ولو بشكل غير رسمي تبلغ مساحتها 3000 كم مربع تقريبا ومع التوجه شرقا  بعد ذلك سنكون أمام منطقة أمنة في حدود 5000 كم , وحتى لو لم يتم التوافق على الأمر بشكل رسمي ودولي فقد بات حقيقة واقعة على الأرضِ.

مشاغبات ميليشيات ايران الطائفية مع بقايا عصابة المسلخ لم تكن تهدف الى اعادة احتلال مدينة الباب , وانما الى توجيه تحذير للجيش الحر من التفكير في مواصلة التوجه جنوباً أو حتى غرباً، أما الرد الناري القوى والحاسم من الثوار والجيش التركي فهدف الى منعهم من الاقتراب أكثر أو المشاغبة على خطط درع الفرات  وتهديد خريطة طريقها. 

 عموما فان المحطة الأساس بعد الباب هي مدينة الرقة , أما منبج فسيتم مرور الكرام عليها و وسينسحب منها عناصر بي كا كا السوري طوعاً، أو سيتم طردهم منها وتسليمها لأهلها وأبنائها الأصليين وسيتم إدخالها ضمن نموذج جرابلس، بمعنى إعادة اعمارها واقامة بني تحتية جديدة خاصة في التعليم والصحة وسيعود أهلها ولاجئين آخرين إليها , وسيتم استئناف الحياة فيها بكافة مناحيها وتجلياتها وتفاصيلها تماما كما حصل في جرابلس وبقية مدن ردع الفرات الأخرى.

المحطة الأهم إذن بعد الباب ستكون الرقة , ورغم ضجيج بي كا كا السوري فإن أقصى ما توافقوا عليه مع إدارة أوباما المنصرفة اللئيمة - والتي تتحمل المسؤولية الكاملة عن إجرام النظام العصابة  ثم الحشد الطائفي الإقليمي البغيض , ثم روسيا بخيارها الشيشاني -فتمثل بمشاركتهم بما توصف معركة عزل الرقة لتقطيع الوقت وملء الفراغ حتى ما بعد الانتخابات , والحقيقة أيضا أنه حتى زمن أوباما توافق رئيس أركانه الجنرال جو دانفورد مع القيادة التركية على معركة تحرير الرقة و الحفاظ عليها وإدارتها فيما بعد مع الاعتماد على أهلها وأبنائها في مرحلة التحرير والمرحلة التي تليها. 

الرئيس أردوغان تطرق الى معركة تحرير الرقة ضمن الملفات الأساسية التي طرحها الثلاثاء الماضي في الاتصال الهاتفي مع الرئيس ترامب، الذي أرسل مدير مخابراته صباح اليوم التالي إلى أنقرة لمزيد من النقاش حول الملف وملفات أخرى طبعاً ,علما أن الحكومة التركية تملك خطة متكاملة ومتجانسة لتحرير المدينة وفق نموذج درع الفرات، ولكن بشكل موسعُ.

وزير الخارجية شاويش أوغلو قدم تفاصيل إضافية عن الخطة في مؤتمره الصحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير الأربعاء الماضي، علما انه تحدث علناً عن الأمر قبل ذلك وأكثر من مرة،  واصفا معركة الرقة بالمعركة الكبرى في مواجهة الإرهاب، رافضاً مشاركة إرهابيين فيها, وأبدى الاستعداد لإرسال قوات خاصة تركية للمساهمة في المعركة داعيا أعضاء التحالف الدولي لمحاربة داعش لفعل الشيء ذاته، مع وجود قوى طبعا للجيش الحر والقوات المحلية من أبناء المدينة وجوارها. 

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبدى تناغما واضحا مع مواقف الوزير التركي وللتذكير فقد تحدث هو أيضا في السابق عن استعداد الرياض لإرسال قوات للمشاركة في المعركة البرية ضد داعش، ولكن بشرط مشاركة أعضاء التحالف وبقيادة أمريكية، وهو الأمر الذي لم يبدى الرئيس السابق أوباما استعداد أو إرادة له , كونه كان مستلبا للانكفاء عن المنطقة بالتوازي مع التفاهم مع إيران وترك رجالهم، أو بالأحرى أداوتهم في سورية العراق لبنان واليمن. 

بعد  تحرير الباب سيكون الموقف الترك حتماً أكثر قوة وثقة , ولن يكون بإمكان أحد أي أحد تجاوزه أو عدم أخذه بالحسبان، وستلعب أنقرة حتما دوراً مركزياً في معركة الرقة وبالتأكيد وفق مواقفها المعلنة التي أثبتت صحتها على ارض الواقع , وهى ستستفيد بالتأكيد من قطع ترامب مع عقيدة أوباما المتضمنة التفاهم أو غض النظر والتغاضي عن جرائم إيران الإقليمية في امبرطواريتها الدموية والموتورة.

 استراتيجياً فان مرحلة ما بعد بعد الباب ستصل إلى الشام حتماً ولو بعد حين، وهى أى مرحلة ما بعد الباب ستستمر لشهور الى حين تحرير الرقة وطرد داعش منها،  وخلال هذه الفترة ستتشكل المنطقة الامنة على الارض ولو بشكل غير رسمي،  وسيزداد عدد قوات الجيش الحر ليبلغ عشرات الالاف مع اسلحة  نوعية وخبرة قتالية، وستكون عودة للاجئين الى مدنهم وقراهم في  المنطقة مع اعادة تعميرها واحيائها من جديد تماما كما حدث فى جرابلس، وستستمر ولو بشكل متقطع  العملية السياسية في جنيف وخطوط وقف اطلاق النار مع الاحتلال الروسي  ومع اتضاح سياسة ادارة ترامب أكثر فأكثر وتصميها على طرد ميليشيات ايران من سورية وعدم التغاضي عن جرائمها، وعودة الرياض بقوة الى الواجهة بتفاهم تام مع أنقرة، ستكون المعادلة واضحة إما عملية سياسية جدية وفق اعلان جنيف بدون تذاكي وبدون الاسد طبعاً، وإما اندفاع الثوار جنوباً وغرباً بحماية جوية ما أو أسلحة نوعية تواجه الة القتل الروسية وتقضى على بقايا عصابة المسلخ ومن يتبقى من الميليشيات الطائفية الداعمة لها.

التعليقات (1)

    حبيب

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    تركيا اربكت حساب ايران وهي قوة اقليمية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات