عن السؤال والمساءلة.. من تدمر إلى المسلخ البشري

عن السؤال والمساءلة.. من تدمر إلى المسلخ البشري
ليس سجن صيدنايا المسلخ البشري الوحيد في سوريا، لكن لعله الأوحد الذي حظي مؤخراً بعد مرور سنوات طوال دامية بتوثيق للانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها المعتقلون. 

تقرير منظمة العفو الدولية، الذي تناول فترة محددة من عام ألفين وأحد عشر إلى عام ألفين وخمسة عشر وثّق ثلاثة عشر ألف حالة إعدام، كان بمثابة إضاءة تسربت إلى ظلمة الزنزنات عبر شهادات قضاة وحراس ومسؤولين سابقين في السجن إضافة إلى شهادات الناجين الذين أطلقتهم الصدفة من موت محقق، وللمفارقة الموجعة لم يدهشني في التقرير فظاعة الجريمة الموثقة، ولا ردود الأفعال المخزية على الساحة السياسية التي اقتصرت على تصريحين لوزيري خارجية فرنسا وبريطانيا لم تتعدّيا حدود الشجب والاستنكار، فليس ثمة ما يثير دهشة السوريين بعد معايشتهم لحوادث القتل اليومية التي ينفذها النظام وحلفاؤه بألوان متعددة، لكن التأثيرالفعلي للتقريرأنه أيقظ فينا الوجع القديم الجديد المستفحل عما حدث ويحدث كل يوم في أقبية السجون. 

فالجريمة المنظمة أمر خبره السوريون ملياً منذ مجازر الأسد الأب في سجن تدمر وغيرها من قصص الموت التي كانت تمر همساً على مسامعي في الطفولة، فكانت عبارة "أعادوا لأهله هويته" إشارة يطعن بها النظام الأمل المتبقى لذوي المعتقل بعد سنوات انتظار طوال، وهي من العبارات التي ألفتها ذاكرتي المبكرة على الألسنة المتعاطفة المنكسرة، وكلما مرت تلك العبارة يُستحضر معها أسماء لأشخاص آخرين سبقوهم إلى المصير عينه.

لقد حرص النظام بين الفينة والأخرى على إيصال رسائل الرعب تلك عبر ضحية جديدة من سجناء الرأي، وإلا لماذا تسليم الهوية لمن لا يجرؤ أصلاً على السؤال عن كيف ومتى توفي ابنه؟ 

تلك الأسئلة التي بقيت عقوداً عدةً  قيد التكتم الخانق، بينما النظام يمارس قتله بهدوء والطلقاء يبقون سجناء الانتظار والترقب والخوف والتخويف .

 أما سؤال "لماذا؟" فكان دونه مجازر وحرب مجنونة أعلنها نظام الأسد الابن على كل من سولت له نفسه التساؤل !

فشهد سجن صيدنايا مجرزة عام 2008 إثر احتجاج المعتقلين على عذابات لايقوى إنسان على احتمالها. 

وفي السياق التاريخي لجرائم نظام الأسد، كانت جثتا الطفلين تامر الشرعي وحمزة الخطيب في مطلع الثورة السورية تحملان الكثير من الرسائل التي تجاوزت حدود القتل والانتقام في الفروع الأمنية إلى حدود بث الرعب والترهيب وسط أهالي درعا الذين انتفضوا بداية للسؤال عن مصير أطفالهم المعتقلين. 

ثم تسريبات قيصر التي وثقت ما يزيد عن أحد عشر ألف معتقلاً توفوا تحت التعذيب، وعرضت أمام الكونغرس الأمريكي . 

العام الماضي وجه أحد المعتقلين السابقين رسالة إلى الأهالي يرجوهم فيها عدم محاولة زيارة أبنائهم في صيدنايا، لتفادي الضغط المزدوج على المعتقل والأهالي لابتزازهم مادياً.

إحدى الأمهات أخبرتني أنها حظيت بزيارة لابنها في صيدنايا بعد رحلة بحث شاقة كلفتها كل ما تملك، وبعدها تمنت لعينيها العماء على أن ترى على وجه ابنها آثار نوبة تعذيب تعرض لها قبيل الزيارة، والإشارة القاتلة في الإذلال هي أنه مازال أثر حذاء الجلاد على وجهه.

الكل يعلم هول ما تخفيه سجون الأسد بل وما تبديه أيضاً ... مادام أن المجتمع الدولي يتعامى عن محاسبة الجاني ولا يفرض أبسط الإجراءات إزاء جرائمه المستمرة وهي أن تفتح أبواب سجونه للجنة تحقيق دولية . 

في جعبة معظم السوريين الكثير الكثير من القصص المفزعة والتي تستحق الدهشة فعلاً لمقدرة أصحابها على البقاء أحياءً خلف القضبان.

إلى ذلك، سيبقى على من حمل مسؤولية إنسانيته أن يوسع دائرة السؤال لتشمل العديد من الجناة الذين مازالوا يسرحون ويمرحون على مرآى العالم، فيما يحاول ذوو ما يزيد عن ربع مليون معتقل استحضارمافيهم من صلابة للتعرف على وجوه ضحايا الموت تحت التعذيب... لم لا، والمساءلة هي المُغيّب الأبرز من ساحة مسرحية هزلية أنكر فيها الأسد صحة تقرير المنظمة في حين آثر معظم أبطال الواقع بالغ التراجيدية داخل السجون مغادرة وجه جلاديهم بابتسامة ساخرة.

التعليقات (3)

    من سوريا مع رعبي

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    هل تريد السيدة الكاتبة أن يحاسب المجتمع الدولي من عينه وأعطاه وكالة مطلقة لإسكات صوت السوريين , إن كان من أيام المقبور أم من إبنه المعتوه إلى يومنا هذا . لقد بات كل سوري ومن لحظة بداية إدراكه أن هذا العالم هو سيد المعتوه المحتل لقصر المهاجرين وهو الذي أعطاه الأوامر بقتل الشعب السوري وتدمير سوريا حتى لايخرج سوري ينافس العالم باختراعاته وإنجازاته , وليس ستيف جوبز عنا ببعيد فقد أنجزت جيناته الحمصية مالم ينجزه أحد في زمانه .

    عبد القادر الحصني

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    مادة مكثّفة وحارّة، تشتبك فيها المعلومة بالوجدان، ويهيمن عليها الحسُّ الإنسانيّ الذي ينضح بمحبة المظلوم والتعاطف معه، تاركاً الظالم لضمير القارئ الحرّ، وهذا ما يجعل المادةَ أقوى تأثيراً.

    زكي سليمان

    ·منذ 7 سنوات شهرين
    اعتقلت بفرع فلسطين كل يلي سمعتو ع الشاشات وبالاعلام لايساوي جزئ بسيط من يلي شفتو وصار معي ياريت تسلطو الضوء ع هاىفرع واذا حبيتو بساعدكن
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات