الجنرال عون بين الحشد الشعبي اللبناني وفلول العالم العربي

الجنرال عون بين الحشد الشعبي اللبناني وفلول العالم العربي
دافع الرئيس اللبناني ميشيل عون الأسبوع الماضي- الأحد 12 شباط فبراير - في لقاء مع إحدى القنوات الفضائية المصرية عن سلاح ميليشيا الحشد الشعبي اللبناني، مدعياً أنه ليس مناقضاً للدولة بل جزء أساسي للدفاع عنها ومكمل وداعم للجيش من أجل تحرير ما تبقى من الأراضيٍ اللبنانية المحتلة ومواجهة أطماع إسرائيل في الثروات الوطنية في ظل ضعف الجيش وافتقاده إلى القدرات اللازمة، عون دافع في السياق عن قتال حزب الله في سورية بحجة أنه يقاتل التكفيريين داعش والنصرة، زاعماً أن السلاح لم يستخدم في السياسة الداخلية، أو لحل الأزمات والقضايا محل الخلاف بين الفرقاء اللبنانيينٍ.

شرح أسوء لموقف الرئيس قدمه مصدر في الرئاسة اللبنانية لصحيفة النهار-الاثنين 13 شباط فبراير- مدعياً أن الجيش يفتقد للطائرات والصواريخ والمدافع، لذلك هو في حاجة لسلاح حشد الشعبي اللبناني من أجل تحرير الأراضي اللبنانية، والتصدي لأطماع إسرائيلٍ علماً أن الحشد لا يمتلك طائرات وبامكان الجيش الحصول  بالتأكيد على الصواريخ والمدافع والتجهيزات الملائمة، ومن منع تسليحه وتقويته هو الحشد نفسه وبقايا النظام السوري وأداوته السياسية والإعلامية في لبنان كما رأينا مع الهبة السعودية التي كانت كفيلة بإحداث طفرة فى قوة الجيش عدة وعتاد، مع الانتباه إلى أن التصريح قدم هدية مجانية لاسرائيل سياسياً ديبلوماسياً وإعلامياً وتبرير مسبق لأي جرائم قد ترتكبها فى أي حرب قادمة ضد الدولة اللبنانية ومؤسساتها المتماهية مع الحشد غير الخاضع لسلطتها أو ارادتها وتوجهاتها، ومن جهة أخرى أفرغ جولة الرئيس العربية الأخيرة من محتواها وجمد أي خطوات ومبادرات وتسهيلات خليجية محتملة تجاه الدولة اللبنانية.

منهجياً ولتصويب وتحديد النقاش أكثر تجب الإشارة إلى أن الحزب غادر مربع المقاومة منذ سنوات وبات النسخة اللبنانية من الحشد الشعبي الاقليمى الطائفى الذي أسسته ومولته ودربته طهران من أجل الدفاع عن بقايا نظام بشار الأسد، وبث الفتنة والفرقة الطائفية والمذهبية في العالم العربي، وصولاً إلى تأسيس الإمبراطورية الفارسية التي تحتل أربع عواصم عربية عاصمتها بغداد , كما قال متبجحاً أحد مستشاري روحاني في استحضار موتور ودموي للتاريخ. 

 ومن هنا فإن الجنرال عون ما كان ليصل إلى رئاسة الجمهورية  اللبنانية، لولا الحزب-الحشد الذي أوجد حالة الفراغ ومارس الابتزاز السياسى ورفض الاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية،  والانصياع إلى الانتخابات وفق إرادة النواب الحرة، هو خلق الفراغ  عامداً متعمداً وصادر صلاحيات وسلطات الدولة في مظاهرها المختلفة، ثم اضطر الآخرون لمجاراته وانتخاب مرشحه أملا في ملء الفراغ وإعادة الهيبة ولو بشكل نسبى إلى مؤسسات الجمهورية. 

إضافة إلى ذلك وعلى عكس ما زعم الرئيس فإن الحزب استخدم سلاحه طوال الوقت في السياق الداخلي، وهو كان عامل ضغط وابتزاز على الساحة السياسية والحزبية بشكل علني، فقد استخدمه في 7 أيار 2008 عندما تم حسم الخلاف السياسي بالقوة القهرية المسلحة، واجتياح بيروت وترويع أهلها وناسها، وهو استخدمه كذلك عبر القمصان السود في يناير 2011، عندما نشر ميلشياته بدون سلاح ظاهر  في شوارع بيروت مع تهديد صريح باجتياحها مرة أخرى، إذا لم يتم الاحتكام إلى إرادته ورغبته في إسقاط سعد الحريري بأي ثمن، والإتيان بنجيب ميقاتي رئيسا للوزراء وفق ارادة داعميه فى طهران وقصر المهاجرين بالشام المحتلة.  

زعيم التيار الوطنى الحر عندما تساوق عن سبق اصرار وتعمد , غطى وبرر تجاوزات الحزب ومصادرته للحياة السياسية وتفريخه لميليشيات سرايا المقاومة غير الشرعية , فعل ذلك فقط من أجل تحقيق أهداف ومكاسب سياسية وحزبية ضيقة , تتعلق بالحصص الوزارية أو ووصوله شخصيا إلى قصر بعبدا , في الحقيقة هو قبل أو زعم الحفاظ على إطار وشكل الجمهورية،  بعدما باع روحها للميليشيات المسلحة خارج الدستور والقانون , وهنا يمكن فقط مراجعة تنظيراته وخطبه في باريس وواشنطن حتى عندما كان حزب الله مقاومة، وقبل أن يتحول تحول إلى ميليشيا داخلية مسلحة ثم الحشد الشعبي الاقليمى فيما بعد.

أما حديث الجنرال عن تحرير الأرض فيضعنا أمام مغالطة تاريخية كبرى، فعندما كانت إسرائيل محتلة للجنوب البنانى  بشكل مباشر، مارس الحزب مقاومة تقليدية معتمداُ على دعم وتأييد المواطنين الخاضعين لاحتلال، كما معظم اللبنانيين المقاومين كل على طريقته حتى قبل ظهور الحزب، الذي قام بتنفيذ عمليات ضد الجيش الإسرائيلي، زيادة كلفة الاحتلال عليه في بيئة داعمة وحاضنة له، و الانسحاب الأحادي في العام 2000 جاء ليس فقط نتيجة عمليات المقاومة على أهميتها ولكن ضمن توجه سياسي استراتيجي تبناه  رئيس الوزراء الاسرائليى السابق أهود باراك، من أجل رفض ابتزاز حافظ الأسد أو تقديم أي تنازلات في عملية مدريد، علماً أن إسرائيل كانت قادرة على التعايش مع 18 قتيل سنوياً، وبشكل عام أتى الانسحاب ضمن سياسة الانطواء أو الانفصال الاحادى والتقوقع بعيداً عن التوصل إلى اتفاقات سلام  مع الدول العربية بما فيها لبنان سورية وفلسطين طبعاُ. 

 بعد الانسحاب انتهت المقاومة بشكل فعلىٍ، أو هي حققت هدفها، وكان الخيار بين إنهائها وإتباع أساليب سياسية وطنية ودبلوماسية متفق عليها مع تقوية الجيش، ووضعه في حالة دفاعية بعد انطواء إسرائيل الكبرى وحتى العظمى، أو تحويل المقاومة إلى جيش بالمعنى الحقيقي نتيجة حاجات إيرانية لاستخدامه في لعبة النفوذ الإقليمى، تم تبنى الخيار الثاني بدعم من رئيس الصدفة والبيولوجيا في الشام، وجرت الهيمنة على البلد شيئاً فشيئاً مصادرة إرادتهاً وقرارهاً السياديٍ وفضُ الإجماع الوطنيٍ، أو شبه الإجماع حول المقاومة بعدما لم تعد هي نفسها مقاومةُ.

و فيما يتعلق بالتدخل في سورية بشكل غير رسميٍ أيضاً وبعيداً عن موافقة المؤسسات اللبنانية الرسمية أو ما تبقى منها، فهو تم للدفاع عن نظام بشار الأسد وخدمة للإمبراطورية الفارسية التوسعية، وحتى قبل ظهور داعش والنصرة , وجرى بداية اختلاق حجة وهمية تعلق بالدفاع عن المقدسات الشيعية ثم القرى الشيعية في سورية نفسها، ثم القرى اللبنانية على الحدود، وأخيراً  جاءت شماعة النصرة وداعش علماً أن التدخل المتغطرس الجنوني والدموي فاقم الاحتقان الطائفي، وعزز الانقسامات الداخلية وقبل ذلك وبعده هو مناقض للشرعية المواثيق الدولية، و الدستور اللبناني و إعلان بعبدا وحتى خطاب القسم للرئيس عون الذي أكد فيه على حياد لبنان ونايه بنفسه عن المشاكل والقضايا الإقليمية أو التدخل في الشؤون الداخلية للآخرينٍ.

من هذه الزاوية ايضاً يمكن اعتبار وصول عون لقصر بعبدا، أحد ثمار التدخل غير الشرعي والحفاظ بالقوة والقهر على نظام أو بقاياً نظام بشار الأسد في سوريةُ، لو سقط النظام كما كان ينبغي أن يحدث،  لما وصل عون للرئاسة، وعندما يسقط النظام حتماً ستنهار البيئة السياسية الحاضنة للسلاح كما  الحاضنة لوصول عون نفسه للرئاسة.

عموما وفى سياق فكرىٍ أيضاُ فإن عون تحالف مع الفلول و أنصار الثورة المضادة فى لبنان والعالم العربي، ولولاهم لما تم ترشيحه أصلا للرئاسة، ولولاهم لما وصل لمنصبه الحاليٍ، وعندما تهزم الثورات المضادة وحشودها الطائفية، وتعود الثورات العربية إلى سكتها المدنية الديمقراطية الصحيحة , لن يبقى بشار في  قصر المهاجرين، ولا عون في قصر  بعبدا، هذا إذا صمد أصلا الكهل حتى  ذلك الزمن  الحتمى والموعود.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات