شويغو وسلسلة الثورات الملونة

شويغو وسلسلة الثورات الملونة
كان وزير الدفاع الروسي صريحاً في تصريحاته الأخيرة في مؤتمر ميونيخ للأمن، حول مصلحة روسيا الجيوسياسية في قطع سلسلة الثورات الملونة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ،حيث كان الرجل واضحاً في إعلانه خطورة هذه الثورات على نظام الحكم في روسيا.

ولروسيا تاريخ مرير مع الثورات الملونة التي أطاحت بأنظمة كانت تدور في الفلك السوفييتي ومن بعده الروسي ،حيث ابتدأت تلك السلسلة من الثورات منذ سقوط الاتحاد السوفييتي ،فمع سقوط النظام اليوغسلافي انبثقت عدة ثورات حملت أسماء مختلفة كان أهمها ثورة الورود في جورجيا الملاصقة للحدود الجنوبية لروسيا والتي ادت إلى تحرك الجيش الروسي واقتطاع عدة مقاطعات من جورجيا وإلحاقها بالاتحاد الروسي مثل أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، تماماً مثل ردة الفعل بعد الثورة البرتقالية في أوكرانيا التي كانت مؤلمة بشكل حاد للرئاسة الروسية وذلك لشدة التقارب الروسي الأوكراني ولأهمية مدينة كييف التاريخية في عمق الوجدان القومي الروسي ،دون أن ننسى ثورة الأقحوان في قرغيزيستان السوفييتية السابقة ،وثورة الزعفران في بورما وصولاً إلى ثورة الأرز في لبنان 2005 والثورة الخضراء في ايران 2009.

كل هذه التحركات الشعبية التي أدت إلى تغييرات في أنظمة حكم لا تؤمن بالديمقراطية و تنحو نحو الطراز الروسي من الحكم الشمولي ،كانت مصدر قلق و تشويش للإدارة الروسية التي اعتبرت أن تلك التحركات الشعبية ليست إلا برامج جاهزة لضرب العمق الاستراتيجي الروسي وتطويق الاتحاد الروسي قبل أن تداهمه في عقر داره ،ولكن الخير في الثورات العربية هو اتصالها بخيط البارود المتصل بالقوقاز المشحون في قلب روسيا و تركستان الصيني.

وكلا الاقليميين يعانيان من اضطرابات شديدة نتيجة عدم مشاركة شاملة للحكم هناك ،ولذلك فإن تجاهل الخط الأحمر الذي رسمته الادارة الروسية لثورات الربيع العربي في سوريا ، كان ليصبح تهديداً حقيقياً ومباشراً للأمن القومي الروسي كما صرح وتفاخر وزير الدفاع سيرجي شويجو، وهو في هذا المقام يعلنها جهاراً بأن روسيا كانت تقوم عن سبق اصرار و ترصد بتقويض الثورات ماقبل الثورة السورية ،من ليبيا إلى اليمن ومصر.

روسيا لا ترى من الحراك الشعبي العربي أو في أي دولة من دول الطوق الروسي ،إلا ذراعاً شبه عسكري لضرب المصالح الروسية في موسكو تحديداً ومسعى مباشر من الغرب لتضييق الخناق على الأثير الحيوي الاقتصادي الاجتماعي الروسي ،فبادرت إلى إعلان حرب من جهة واحدة في أوكرانيا و سوريا وتدخلت بشكل مباشر لوأد ذلك الحراك ،متناسية علاقاتها الوطيدة مع شعبي الدولتين وعلاقتها الخاصة معهما ،بل عمدت إلى التدخل المباشر على الأرض لحماية مصالحها الاقتصادية في طرق مرور أنابيب الغاز والنفط لحصار أوروبا،ولكن وزير الدفاع الروسي يذهب أبعد من ذلك بإعلانه أن تلك الثورات ما هي إلا مماطلة أميركية كبيرة للتطور المنطقي للنظام العالمي الجديد الذي يجده الرئيس بوتين قد ولى و ذهب أدراج الرياح وما نحن إلا على أعتاب ناظم عالمي جديد ليس أحادي القطب بل متعدد الأقطاب ،ولكن المماطلة الأميركية ما هي إلا محاولة لخلق فوضى كبيرة في العالم تقوض هذا التحول وتؤجله.

ولكن ما حصل فعلياً أن روسيا قامت وبيدها بالمساهمة في خلق تلك الفوضى بسبب تجاهلها حق الشعوب في تقرير مصيرها وبسبب تعاطيها المؤامراتي الاستخباري مع المطالب الشعبية في كل الدول التي قامت فيها الثورات الملونة ،بدعمها غير المحدود للثورات المضادة ومحاولة اعادة الوقت إلى ماقبل عام 2011 ،وعن طريق فرض أولوية أجندتها الأمنية المتمثلة بمكافحة الارهاب وتثبيت الأمن ومن ثم بناء دولة تطابق مواصفات الحكم في روسيا ،كما حدث في الشيشان و قرغيزيا و داغستان ،ولكن إلى أي مدى سيصمد جدار الردع الروسي الذي يجب أن يعاجل إلى النظر إلى الداخل الروسي وحلحلة مشكلات الاقتصاد الروسي وانهيار العملة و رفع الرقابة الأمنية على الاعلام ،قبل أن تصطبغ شوارع موسكو بألوان تطالب بالديمقراطية و نبذ العنف و الحرب التي تصدرها موسكو حالياً إلى العالم كمنتج أول .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات