لا مجال للحديث عن الحكاية التي يمكن وصفها بالأسطورة وما دار حول تفاصيلها من معطيات بعد أن تبنتها رسميا "هيئة تحرير الشام"، وغابت الصور تماما وأحيانا غاب المنطق، لكن ما أمامنا الآن هو مقتل عشرات من عناصر الأسد في مقراتهم الأمنية بحمص، ويزامن ذلك جولة جديدة من مفاوضات جنيف بين ممثلي نظام الأسد وبعض من تبعه ووفد الهيئة العليا للمفاوضات ممثلا عن المعارضة السورية وهنا بدأت حكاية أخرى حكاية الإدانة، وهنا أيضا يجب أن أذكركم بأن أغلب جولات المفاوضات كان يرافقها فعل عسكري على الأرض.
لكن هذا لايضع "هيئة تحرير الشام" أمام استحقاق احترام هدنة أو زمن مفاوضات، وهي التي عفت نفسها تماما من كل العملية السياسية وتبعاتها ومخرجاتها، وكان عمودها الفقري "جبهة فتح الشام أو النصرة سابقا" خارج كل المعادلات السياسية طوال السنوات الماضية حتى إن "أبو محمد الجولاني" في كلمته الأخيرة عن العملية وتبنيها، خص "السياسيين" في المعارضة السورية بالبند الأول من كلمة التبني، ووصفهم بالمنهزمين وحمل على فعلهم واتهمهم بالسعي لتتويج الأسد ووهبه نصرا لا يملكه فهل كان الجولاني يقصد من وراء العملية وتوقيتها تعطيل عملية التفاوض في جنيف؟ ثمة من يعتقد بأن ذلك صحيح وأن "هيئة تحرير الشام" وقبلها "جبهة فتح الشام" أرسلت رسالة مفادها أن المفاوضات مع النظام لا فائدة لها، وأن استبعادها وإدانتها الدائمة سيجعلها تتصرف بهذه الطريقة وأن لديها يداً طولى وهي القوة الرئيسية على الأرض فلا يظنن أحد أن أي حل يمكن أن يصير واقعا دونها.
هذه الحكاية من جهة الهيئة أما من طرف نظام الأسد فهي ضربة موجعة وإن قال عنها البعض لا تعدو كونها شبه مسرحية مدبرة ربطا بمنطق التحصين والحماية وبنوعية العملية وكيفيتها ونتائجها، وأن الأسد صفى بعض من ارتبط اسمهم بملفات جرائم الحرب وبالوقت نفسه شوش على مفاوضات جنيف فهل كان الأسد فعلا متخوفا من نتائج هذه الجولة من جنيف؟
الحكاية أكثر تعقيدا من جهة المعارضة السياسية التي وجدت نفسها في مواجهة تغيير بأجندة المفاوضات علا معه صوت مندوب الأسد مطالبا برفع بند يسميه "مكافحة الإرهاب" ويبحث عن شركاء للقتال لا عن شركاء حل سياسيين وبالطبع لم يختلف موقف المبعوث الأممي ستافان دي مستورا عن ذلك، وهو الذي كشف عن مدى ارتباطه بما يطرحه نظام الأسد وتقديسه له، ليصبح وفد الهيئة العليا مطالبا أولا بإدانة العملية ليقدم نفسه بذلك كشريك مقبول من قبل الرعاة، فراح يناور في دائرة تضيق لا هو قادر على التفلت من الأمر ولا قادر على إدانته لأن رسالة "هيئة فتح الشام" وصلته ولأنه لابد موقن أن القتلى من أعتى المجرمين وأغلب السوريين الذين يحاول الوفد تمثيلهم لهم ثأر كبير مع كل ضابط وفرد ممن قتل، وهنا تبدأ حكاية السوري المعذب الذي يبحث عن ممثل ونصير وسند وقوة يعتد بها فهل وجدها؟
من السوريين ممن أعرف رأى أن الإدانة لن تقدم ولن تؤخر وليست سوى ورقة يجب ردها على النظام حتى لا يتملص من أجندة جنيف المتمثلة "برأيهم" بالانتقال السياسي وحتى لا يعطى وفد الأسد منفذا للتهرب من مناقشة حقيقية لهذا الانتقال، ومن السوريين ممن أعرفهم أيضا رأى أن من الحق أن يطالب الوفد بإدانة مندوب الأسد للمجازر التي يرتكبها طيران نظامه وروسيا كل يوم وكل ساعة في كل بقاع سوريا الخارجة عن سيطرته، فهل كان سيفعل وهل كان وفد الأسد ليعتبر حتى جرائم المليشيات الطائفية غير السورية أفعالا مدانة وهل سيدفع السوريون ثمنا أكبر مما دفعوه حتى يحابوا نظام الأسد أو روسيا أو المجتمع الدولي أليس أجدى أن يكونوا ممثلين حقيقين لأغلب الشعب السوري الذي بلا شك يرى في العملية نصرا وشفاء صدور وإن كانت بيد عمرو لا بيده!ِ
التعليقات (9)