قصة مدينتين "موصل الحدباء وحلب الشهباء"!

قصة مدينتين "موصل الحدباء وحلب الشهباء"!

تشترك حلب والموصل، بكونهما مراكز إشعاع حضارية، فالمدينتين ورغم أنهما تضمان أغلبية من المسلمين السنة إلا أنهما تحتويان على تنوع عرقي مذهل، فعلى مر التاريخ سكن المدينتين مجموعات مسيحية ويهودية، إضافة إلى مزيجٍ عرقي من العرب والأتراك والأكراد والأرمن وغيرهم، حيث كان التعايش المشترك هو السمة المميزة للمدينتين في ذلك الحين. 

المؤرخ «فيليب مانسل» مؤلف كتاب «حلب: نهضة وسقوط مدينة التجار العظيمة في سوريا» يقول: "إنّ حلب كانت المدينة العثمانية الحقيقية، آخر مدينة مختلطة حيث العلاقات طيبة جداً، وإن الصراع الطائفي غاب عن المشهد تحت حكم العثمانيين".

تشترك حلب والموصل بتاريخ حافل بالأحداث، لعل أهمه اجتياح المغول للموصل والتتار لحلب، حيث أعملوا في كلا المدينتين، قتلاً واغتصاباً وتنكيلاً بسكانهما، وها هو التاريخ يعيد نفسه، ولئن إستبيحت المدينتان قديما من قبل عدوين مختلفين ولكن أبناء عمومة (المغول والتتار)، إلا أنهما تواجهان اليوم عدواً واحداً، متمثلاً بميليشيات إيران الطائفية التي لم تكد تنتهي من إستباحة مدينة حلب وتهجير سكانها، إلا وبدأت باستباحة مدينة الموصل الحدباء، مدينة الأنبياء وأم الربيعين.

في حلب كان القصف المساند لنظام الأسد وميليشيات إيران الشيعية روسياً، أما في الموصل فقد كان أمريكياً، وكأنهم يقسمون الأدوار فيما بينهم.

قريباً من خمسة أشهر مرت منذ بدأت الحملة الصفوية على المدينة، حملة خلفت مآسي يندى لها جبين البشرية، مآسي سُكِت عنها عمداً، لأن الهدف المعلن هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وما يمثله من إرهاب سني، في حين أن إرهاب إيران والميليشيات الشيعية وما تمارسه من قتل وتدمير وتهجير وانتهاكات لم يقنع العالم أنه إرهاب منظم، لا عتب فمن يدعم الإرهاب الشيعي ضد السني لا يمكن أن يعتبر جرائم إيران وميليشياتها إرهابياً، فالإرهاب ليس إرهاباً مالم يكن إسلاميا سنياً. للإرهاب معايير يحددها القوي! 

في الموصل يسقط كل يوم من 50 إلى 100 شخصاً ما بين شهيد وجريح من المدنيين العزل وأكثر من 10 آلاف نازح لا أحد يلقي لمعاناتهم بالاً!

التغريبة الموصلية الكبرى، وكما التغريبة الحلبية، كارثة ما بعدها كارثة، أشلاء ممزقة، نساء رُمّلت وأطفال يُتمت، بيوت دُمرت وجوامع هُدمت، محلات نُهبت، آلاف العوائل شُردت وتفرقت، ضاع الأطفال في زحمة النزوح، من الناس من فقد زوجه أو إبنه أو أباه وأمه، منهم من جر أطفاله خلفه وهام بهم على وجهه، في محاولة للنجاة من الجحيم، مجموعات من نساء وعجائز وأطفال تفترش العراء وتلتحف السماء. 

مدينة الموصل منكوبة، كحلب وباقي مدن سورية والعراق واليمن الثائرة على الطاغوت، والتي إستباحها مغول العصر الفرس الصفويين، وبدعم من التحالف الدولي وروسيا، وكله باسم الحرب على الإرهاب. الموصل مدينة منكوبة كما حلب، لكنها فضحت تكالب الأمم ونفاق عالم يدعي الحضارة والحرص على حقوق البشر والحجر، لكنه مشارك في الجريمة، الموصليون وبعد ثلاثة أعوام من الحصار والجوع، يعيشون اليوم كارثة إنسانية، سواء المحاصرين منهم أو النازحين في مخيمات الذل، ما يبعث على الألم والحسرة أنها كارثة تحدث في ظل تجاهل عربي إسلامي أممي. 

أغلب النازحين بدوا شاحبي الوجوه، أعياهم الجوع والعطش، والبرد والتعب، نتيجة الحصار والقصف الأمريكي بطائرات البي 52 الإستراتيجية التي تلقي إحداها في كل طلعة أكثر من 40 طنا من الحمم، وطائرات الأباتشي التي تقصف بلا رحمة، فخرجوا من بيوتهم لا يلوون على شيء. 

أكثر من 500 ألف نازح عن مدينة الموصل، التي كان عدد سكانها حوالي مليوني نسمة، تبقى منهم ما بين 750 ألف و800 ألف بحسب الأمم المتحدة، معظم النازحين لا يجدون المأوى أو الغذاء والدواء ولا حتى الماء، بعضهم وصل مخيمات أعدت على عجل لكنها تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

التغريبة بدأت فلسطينية لكنها اليوم عراقية وسورية، نعيشها بكل تفاصيلها المؤلمة، وبكل ما تحمله من خيبات أمل، شعوب بأكملها أصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار، ما يجري في الموصل مأساة عصر وكارثة لا يمكن تصور حجما، أكرموا الموصل فإنها دار خير وكرم وحضارة، وقد تبين أن كل ادعاءات الحكومة العراقية بتجهيز مخيمات، والاستعداد للتعامل مع أزمة النزوح هي إدعاءات لا أساس لها من الصحة، فمن يقتل ويهجر لن ينصر مستضعفاً ولن يغيث ملهوف ولن يطعم جائعاً. 

المتحدث باسم المكتب الإعلامي للحكومة العراقية سعد الحديثي صرح قبل أيام أن أعداد النازحين في العراق بلغت 4.3 ملايين خلال العامين الماضيين، والعدد أكبر من ذلك بكثير وربما يكون أضعاف ما ذُكر، لكن التقليل من أعداد المهجرين يراعي ويغطي على تجنيس أكثر من مليوني إيراني في العراق.

مأساة الموصل لا يتحمل وزرها مالكي وعبادي إيران، ولا قادة الفصائل الشيعية التي وضعت نصب عينها هدف إبادة وتهجير سنة العراق والشام، مأساة الموصل يتحمل وزرها أمة نائمة لاهية، وعرب وقف بعضهم إلى جانب المجرم ليس في العراق وحسب بل في سورية واليمن، مأساة الموصل يتحمل وزرها بشر ماتت فيهم الإنسانية، وأمم تتبجح بحقوق الإنسان والحيوان.

 

نائب المتحدث الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة، "فرحان حق" قال: إن "الدراسات التي أجريت حديثا بالجزء الغربي من الموصل أكدت أن الإمدادات الغذائية والوقود تتضاءل والأسواق والمحلات التجارية أغلقت أبوابها، والمياه الصالحة للشرب باتت نادرة وإمدادات الكهرباء إما متقطعة أو مقطوعة بشكل دائم"، أما "ليز غراندي"، المنسق الأممي في العراق، فقد وصفت الوضع في الموصل بأنه مؤلم حيث يعيش ما يتراوح بين 750 ألف و800 ألف شخص من المدنيين دون أن تصلهم إمدادات تجارية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد أن تم قطع الطريق الرئيسي المؤدي إلى سورية.

مدير مكتب المنظمة الأممية في العراق "ماوريتسيو كريفاليرو" أكد وجوب فتح ممرات آمنة بأسرع ما يمكن لإجلاء المدنيين، حيث أكد في بيان خاص إن نحو 350 ألف طفل وفتى تقل أعمارهم عن 18 عاما عالقون في القسم الغربي من الموصل وحذر من أن عمليات القصف في شوارع المنطقة الضيقة والمكتظة بالسكان قد تكون أكثر دموية من كل ما عرفناه حتى الآن في هذا النزاع.

الفرار من المدينة ليس خياراً مطروحا للكثيرين، وذلك بسبب المعارك الشرسة والقصف العنيف، وعدم وجود ممرات آمنة، إضافة لرصاص القنص والألغام المضادة للأفراد، يحدث هذا في وقت تزايدت فيه تهديدات المليشيات الطائفية المشاركة في إقتحام المدينة، فالتهديد لم يعد يقتصر على الميليشيات الشيعية، فقد ظهر زعيم مليشيات "حشد مسيحيي الموصل" المنضوية في صفوف مليشيات "الحشد الشيعي" العراقية التابعة لإيران، "سلمان أسو حبة" وهو يهدد أهالي قضاء "تلكيف" شمال مدينة الموصل ذات الغالبية السنية بالتهجير أو القتل، حتى الميليشيات المسيحية المنضوية تحت راية الحشد الشيعي أصبحت تهدد بالثأر من أحفاد يزيد في الموصل.

من بغداد إلى دمشق ومن الموصل إلى حلب وحمص مروراً بعشرات المدن والقرى والبلدات، هي نفس المأساة في الشام والعراق، حيث يمارس الجميع طائفية مقيتة بحق المسلمين السنة، الذين يهجرون وتسلم مدنهم الواحدة تلو الأخرى للميليشيات الشيعية القادمة من كل حدب وصوب، فمن كان يصدق أن شذاذ الآفاق يمكن أن ينجحوا في إفراغ مدن ودول من أهلها، ليجعلوا منهم أقلية مضطهدة في وطنها؟ أما آن الأوان كي يستيقظ المسلمون من سباتهم ويخلعوا عنهم ثوب الذل؟

القضية ليست حربا على الإرهاب، هي قضية استعمار واستعباد وإخضاع، وهو مخطط اجتثاثنا نساهم فيه مرغمين وطائعين، ومأساة الموصل ليست قضية العراقيين هي قضيتنا جميعا، وتذكرنا بمأساة شقيقتها حلب وعلينا التحرك وبشكل فوري وعاجل، لإنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا ووجودنا، فمتى تستيقظون؟!

التعليقات (3)

    الحقيقة

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    ذكر الكاتب مليشيات مسيحية تقاتل مع الحشد الشيعي في الموصل وغفل عن ذكر مليشيات الاخوان المسلمون التي تسمى في العراق الحزب الاسلامي والتي تقاتل مع الحشد الشيعي في كل المدن السنية في العراق

    المدقق ارجو النشر kk

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    الاحترام والفخر الكبير لك ولمقالاتك. لكن من .. سيستيقظ ..انت تمزح..كلهم غارقون بالعسل وبما لذ واستلذ وطاب وتريدهم ان يستيقظوا.. كانوا فائوا من زمان... يصدقون انفسهم ورؤياهم وابراجهم وغناهم بأنهم منزهون عن هذا وبأنهم يدرؤون الشر عنهم ويوالون غير الله عز وجل ويثقون فيهم وسيضحكون عليهم ويضحكون كثيرا من الآن .. ولذلك جعلهم الله تعالى نائمون: أفَأَمِنَ أَهلُ ٱلقُرَىٰٓ أَن يَأتِيَہُم بَأسُنَا بَيَـٰاتًا وَهُم نَآئمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهلُ ٱلقُرَىٰٓ أَن يَأتِيَهُم بَأسُنَا ضُحًى وَهُم يَلعَبُون

    يا

    ·منذ 7 سنوات أسبوعين
    اكلت يوم اكل الثور الابيض يا جهلاء التاريخ استفيقوا الخليفة العباسي قتل في قصره التاريخ يكرر نفسه يا اغبياء وانتم تكررون غبائكم في كل مراحل التاريخ انبكحوا تملقوا اعدائكم الاتراك والخليجيون انتم الارهاب فلماذا تحالفوا عدائكم هذه ليست حكمة السياسيين اانها بلاهة الاغبياء
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات