ما العلاقة بين زيارة نتنياهو لموسكو والغارة الإسرائيلية بالقلمون؟

ما العلاقة بين زيارة نتنياهو لموسكو والغارة الإسرائيلية بالقلمون؟

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بزيارة خاطفة وسريعة لموسكو، التقى فيها مطولا ً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ كالعادة اصطحب نتنياهو وفد أمني وعسكري رفيع، ورغم النقاش السياسي لملفات عدة إلا أن الملف الأمني العسكري كان حاضر، كما هي العادة في لقاءات الجانبين أقله منذ الاحتلال الروسي لسورية نهاية أيلول/ سبتمبر 2015.

بداية فإن هذا اللقاء هو الرابع على هذا المستوى في غضون سنة تقريباً، ورغم أنه جرى نقاش العلاقة الثنائية، وكيفية تطويرها في مجالات مختلفة، كما جرى التطرق إلى الملف الفلسطيني، ورغبة موسكو في لعب دور في هذا الملف، وهو الأمر الذي تراجعت عنه إسرائيل بعدما قبلت ذلك زمن الرئيس المنصرف أوباما، والآن وبعدما بات ترامب في البيت الأبيض قد عادت لسياستها التقليدية  بإبقاء الملف حصراً بأيدي الأمريكيين، وحضور الآخرين شكلي أو إعلامي فقط.

غير أن الملف الذي حاز على نصيب الأسد - ليس الاداة بشار الصغير طبعاً - من النقاش بين الجانبين كان الملف السوري، وفي جوانب مختلفة سياسية أمنية واستراتيجية.

سعى نتنياهو إلى تجديد وتأكيد التفاهمات التي تم التوصل إليها بين الجانبين بعيد الاحتلال الروسي لسورية، في العام قبل الماضي. تل أبيب لن تعترض  وهى تفهّمت مصالح ورؤى موسكو، وهذه الأخيرة أيضاً فعلت الشيء نفسه، بمعنى تفهم المصالح الأمنية الإسرائيلية، تحديداً فيما يوصف بحق العمل والحركة في الأجواء والأراضي السورية، وقنوات التنسيق الأمني والاستخباراتي مفتوحة دائماً بين الجانبين لتفادي أي اصطدام أو احتكاك، كما حصل مع إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا في تشرين ثاني/ نوفمبر 2015.

هذه النقطة تحديداً ركز عليها نتنياهو كثيراً ورغم الوقائع التي فرضها الاحتلال الروسي، إلا أن التفاهم ما زال على حاله، وتتمسك به موسكو المعنية فقط بمصالحها، في ظل التوافق الجوهري مع تل أبيب في سورية والمنطقة بشكل عام.

في الجوانب السياسية المتعلقة بسورية ركز نتنياهو على أمرين أساسيين: هو لا يعارض أي تسوية سياسية  قد يتم التوصل إليها وتقبلها موسكو، هو يقبل الاحتلال الروسي ولكنه يرفض الاحتلال الإيراني مباشرة او عبر ادواتها وميليشاتها في المنطقة، ليس لأن طهران تشكل خطر استراتيجي على الدولة العبرية كما يزعم ويجرى العمل دعائياً، وإنما في سياق منع إيران من استخدام الورقة الإسرائيلية في سياق جرائمها في سورية أو حتى خلافاتها مع بعض الدول العربية أو واشنطن ترامب- بعدما ضمنت مصالحها بتفاهمات كانت راسخة علنية وسرية مع واشنطن أوباما- مع السعي الاسرائيلي طبعاً للفت الانتباه إلى الجرائم الإيرانية والتغطية على الجرائم الاسرائيلية في فلسطين والمنطقة.

 ضمن السياق السابق نفسه يصر نتنياهو على عدم تواجد ايران وميليشياتها في الجزء المحرر من الهضبة الجولان ويعتقد أن ذلك يشكل خطر عليها ولو بشكل تكتيكي أو ضمن استخدام طهران الورقة الاسرائيلية -ورقة المقاومة- كما جرى مع خلية  سمير القنطار للتغطية على جرائمها البشعة في العراق سورية واليمن وكما تسرب في الصحافة العبرية فإن موسكو تتفهم الحاجات والمطالب الاسرائيلية خاصة مع التعاطي معها وكأنها سيدة البيت في سورية حسب تعبير وزير الدفاع السابق اهود باراك كما مع تعهدها منذ بداية احتلالها لسورية بالحفاظ على مصالح وحاجات اسرائيل وأخذها بعين الاعتبار.

نتنياهو كرر مرة أخرى  طبعا ًرغبة أو طمع تل أبيب في إزالة ملف هضبة الجولان المحتل عن جدول الأعمال  الإقليمي والدولي وجعل السيطرة الإسرائيلية عليها أمر واقع،  والاعتراف ولو ضمنياً بذلك من القوى الكبرى، وهو ما لا ترفضه موسكو علماً أنها وضعت بنداً في مسودة دستورها الاستعماري الإستعلائي لسورية بند يفرض حلّ أي مشكلة أو نزاعات حدودية بالوسائل السلمية والسياسية والديبلوماسية، وهو ما ينطبق بل وضع أساساً من اجل الجولان.

 سياسياً أيضاً فإن إسرائيل لا ترفض بقاء الأسد، وإذا كانت موسكو تريده، أو تريد تحديث النظام الذي حمى حدودها لعقود فليكن، خاصة بعدما أنجز الأسد المهمة الاستراتيجية لإسرائيل، هو دمر سورية بدّد مقدراتها وثوراتها  قتل وشرد شعبها،  جلب الميليشيات الإيرانية التي احتلت وأضعفت العالم العربي، وفعلت به ما عجزت تل أبيب نفسها عن فعله.

لا يقل عن ذلك أهمية طبعاً ما تطلبه موسكو من تل أبيب، والمتمثل بعدم التشويش على سياساتها أو وجودها في سورية، طالما أنه يحفظ أمنها ولا يشكل خطراً عليها، وعدم التدخل مباشرة في المجريات والمستجدات السورية طالما أن مصالحها ومطالبها مؤمنة ومضمونة.

إلى ذلك طلبت موسكو من نتن ياهو ترطيب الاجواء مع الادارة الجديدة في واشنطن وتنفيس الأجواء المحتقنة ضدها في الكونغرس والعمل والسعي لتخفيف العقوبات الأمريكية ضدها المؤذية والضارة للاقتصاد الروسي، وهنا بدا لافتاً تبجح نتن ياهو ومن موسكو على هامش لقائه مع الوفد الصحفي المرافق بعلاقته مع إدارة ترامب، واشارته إلى طلب دول عديدة من تل أبيب التدخل لتأمين علاقاتها مع البيت الأبيض والاستعانة بمساعدة  السفير الاسرائيلي في واشنطن رجل نتنياهو وساعده الأيمن رون دريمر .

والآن ما علاقة المعطيات السابقة بالغارة الاسرائيلية الأخيرة في القلمون ورد بقايا العصابة المتوحشة المسيرة من موسكو طهران، وإطلاقها المضادات الأرضية بشكل جدي ولأول مرة منذ سنوات باتجاه الطائرات الاسرائيلية المغيرة.

ربما أرادت طهران اختبار نتائج اللقاء الروسي الاسرائيلي الأخير على الارض، وتعمدت إرسال شحنة الأسلحة الى الحشد الشعبي اللبناني، وربما بادر هذا الأخير وبأمر من طهران طبعاً وضمن نهبة لثروات ومقدرات الشعب والدولة السورية إلى نقل بعض الأسلحة إلى لبنان في هذا الوقت بالذات لاختبار الفعل الاسرائيلي، واستغلاله للرد والتشويش بالتالي على نتائج لقاء بوتين نتنياهو، وفى السياق التدثر مرة اخرى بالرداء الممانع للحشد وبقايا العصابة الحاكمة في الشام. 

فى السياق الروسي فإن السؤال الأهم هو طالما أن موسكو نشرت منظومة اس 400 المتطورة التي تغطى كامل الأراضي السورية فلماذا لم يتم استخدامها في مواجهة الطائرات الاسرائيلية، والسماح لبقايا لنظام المسير بفعل ذلك، أعتقد أن السبب يتمثل بالرغبة الروسية في ارسال رسالة هادئة بهدف التأكيد على أنها صاحبة القرار وسيدة البيت كما قال اهود باراك، والرسالة الأساس هي لواشنطن عبر تل أبيب ومفادها ضرورة الحديث معها اقله من أجل الامن الإسرائيلي والتهدئة الاقليمية، وعدم ترك لافروف يتصبب عرقاً في انتظار اتصال أو لقاء مع نظيره الأمريكي الجديد.

في كل الأحوال سواء أكان هذا مشاغبة إيرانية أو مماحكة روسية، فإنه لا يغير من الواقع شيئاً، الأسد و بقايا العصابة مجرد أداة، وكما اتضح من غارة القنيطرة أمس الأحد، فإن اسرائيل ستواصل بغطرسة وعنجهية، فعل ما تعتبره دفاعاً عن مصالحها وأمنها كما تم التفاهم والتواطؤ عليه مع موسكو-كما قال اهود باراك- غير أن الشعب السوري وقواه الحية وممثليه الشرعيين، غير ملزمين بما يقوم به الاحتلال الروسي -أو الايراني- والاستعانة أو التماهي مع الاحتلال الاسرائيلي، لن ينال من عزم الثوار أو انتصارهم الأكيد، ولا طبعاً من سورية الجولان، وحتمية عودتها إلى الوطن الأم الحر السيد المستقل بالمعنى الدقيق والكامل للكلمات.

التعليقات (1)

    محمد عبد العليم

    ·منذ 7 سنوات 4 أسابيع
    كانت اورينت نيوز تنشر بعض التحليلات الجدية ـ لكن منذ فترة احتلها بعض من يدّعي بانه مفكّر ولم نعد نقرا سوى تفاهات!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات