شبه جريمة.. و"الإرهابي" سكران ومحشش

شبه جريمة.. و"الإرهابي" سكران ومحشش
لماذا كان على العالم أن يسمع الرواية الفرنسية عن هجوم مطار أورلي ومنفذه بالشكل التالي: "منفذ هجوم مطار أورلي مسلم ومعروف بتطرفه، فيما لم يتضح بعد ما إذا كان منفذ الهجوم قد تصرف بمفرده أم لا" وأنقل هنا عن رويترز التي نقلت وقتها عن مصدر في الشرطة الفرنسية، ولماذا تقدم الشرطة الفرنسية هذه الرواية أصلا بينما لم يكن قد توضح المشهد في الحادثة وما كان متوفرا من الأخبار أن شابا هاجم دورية راجلة في مطار أورلي واستولى على سلاح مجندة قبل أن تقتله الشرطة بالرصاص، هذه الحادثة تقدم من قبل فرنسا مباشرة على أن المعلومات لدى شرطتها تؤكد أنه مسلم ومتطرف ليضاف إلى الخبر لاحقا أنه قال أثناء الهجوم  "مستعد للاستشهاد في سبيل الله". 

 

لا يمكن أن توضع هذه الرواية الفرنسية في ميزان المنطق الذي يفترض أن تكون الأخبار عن أي حادثة في بلد ديمقراطي يعمل بالمؤسسات والهيئات المحترمة، فهذا الميزان يفترض أن لا يتم الإعلان جزافا عن دين المهاجم دون استكمال التحقيقات والأدلة لتقدم رواية كاملة كالتي تذاع اليوم بعد أن فعلت الصدمة الأولى مفعولها وصنفت في إطار الاعتداءات الإرهابية التي يقوم بها مسلمو أوروبا، وهذا فعلا ما تريده فرنسا وغيرها من الدول الأوربية التي تجنح دوما لتشويه صورة مسلميها وتريد ربط كل خلل أمني في أنظمتها أو جرم أو جناية برابط العمل الإرهابي ولهم جميعا في ذلك مآرب، وما يستدعي الوقوف عنده اليوم أن المهاجم زياد بن بلقاسم كان في حالة سُكر أثناء قيامه بالهجوم ولم يكن فقط تحت تأثير الكحول بل كان أيضا تحت تأثير المخدرات، وأنه هاجم الدورية بعد فراره من آخرى، معطيات كثيرة لا تدع مجالا للشك بأن المهاجم مجرد مجرم مخمور وذلك بدلالة آخرى أن سجله الأمني يدلل بوضوح على أنه مدان بجرائم عدة منها السرقة والسطو ومشهود له بتعاطي المخدرات ويدمن الخمر، ومراقَب من قبل الشرطة، كيف يتسق ذلك مع نواياه "الإرهابية المرتبطة بكونه مسلما متطرفا" كيف يمكن أن يذهب شخص "مسلم منتمٍ أو غير منتم" إلى جهة ما لتنفيذ عملية يفترض أنها استشهادية وهو "سكران" هل هذا منطقي وفق الأسس التي تقوم عليها الجماعات التي تجند الشباب المسلم؟ هل يمكن أن يكون مؤمنا بأن عمله قربان لله عندما قال حسب الشرطة "في سبيل الله" ويتقدم لتنفيذه بجرعة كوكائين! 

الشرطة والمؤسسة الفرنسية العدلية كلها تسرعت في تعريف الفعل الجرمي "إن وجد" ولكن التسرع كان مقصودا وفق نهج متبع في أوروبا بشيطنة المسلمين وهذا التسرع مقصود أيضا لأنه جزء من حملة التخويف التي تقوم بها الحكومات "الديمقراطية" الأوروبية ضد شعوبها لتدفعهم لقبول التضييق على الحريات ولقبول الشروط الإجرائية التي تقوم بها هذه الحكومات وهي شروط تشمل أغلب مناحي الحياة، ولا بد أن في أهداف الحملة جهات تسعى لعزل أوروبا بنعرة فوقية عن أي وجود للمسلمين بدوافع دينية وأخرى قومية وكل هذا يخدم موجة الشعوبية والاتجاه يمينا في أوروبا وإن كانت الشعوب ترفض إلى الآن الانجرار كليا لكن نسبة المتعاطفين مع هذه التيارات ترتفع، فضلا عن مساع خارجية أساسها الابتزاز للدول الإسلامية وخاصة العربية منها، وبالتأكيد كل ذلك يصب في مصلحة تعطيل الهجرة واللجوء الإنساني الذي كان يتشدق به الأوربيون وهم إذ لا يرفضون الهجرة كليا لأنهم بحاجتها فإنهم يريدونها ضمن شروطهم وبقوالبهم وهي تلك التي تمحي الهويات الأولى وتفرض أنماط مختلفة.

بالعودة لقضية بن بلقاسم نجد أن الإعلان الأول عن كونه مسلما متطرفا أحدث الضجة المطلوبة وحقق الأثر المراد منه تماما حتى نسي وأصبح ضمن ذواكر الناس التي تسجل الأحداث وتضيف خوفا آخر من هذه الفئة من الأوربيين "المسلمين من أصول عربية" وفي هذه لا بد أن نسجل ملاحظة بأن كل هؤلاء وأخص منهم الذين يقومون بأعمال جرمية في أوروبا هم من مواليد تلك البلاد ولدوا فيها وترعرعوا وعاشوا فيها كمواطنيين أوروبيين تعلموا في مدارسها وعملوا فيها وانحرفوا وتطرفوا وأجرموا  فيها وبلا ريب كل أفعالهم السلبية منها والإيجابية، كانت انعكاسا لبيئتهم وظروفهم الأوروبية وهم إحدى نتائج حضارتها ولم تؤثر بلاد أبائهم وأجدادهم عليهم ولم تعطهم ولم تأخذ منهم سوى إلصاق التهمة بها، أوروبا اليوم عجوز عاجزة ومصيرها بالمدى المتوسط والبعيد مجهول كوحدة واحدة وبعض دولها تعاني والبعض يتراءى له سراب بأن العودة للأصل العرقي والديني قد يكون حلا والكل تقريبا بدا متفقا على فكرة إبعاد تركيا والحؤول دون دخولها الاتحاد كونها قوة ديموغرافية مسلمة والأخطر أنهم اليوم يحاربون محاولات ديمقراطية تجري فيها لأنهم يسعون "بالفوقية" لتكريث ما تربوا عليه وربوا أجيالهم أن المسلم هو نموذج مشابه لزياد بن بلقاسم وهذا ما يدفعهم لبث خبر عن "شبه جريمة في مطار" واختصاره بأن منفذه رجل مسلم متطرف لتكتمل صورة الجريمة في ذهن المتابعين المؤدلجين والمستعدين تماما لتلقي هذه الأخبار وقبولها كما يشاء وكيفما يشاء من بثها "عملية إرهابية منفذها مسلم متطرف"

يدرك المسؤولون الفرنسيون وكل دوائر الأمن أن بلقاسم مجرد مجرم يائس تعيس تهور في بداية يومه بإطلاق النار من مسدس الضغط على دورية شرطة وأكمل يومه بالتعدي على دورية أخرى بالمطار فتحول الأمر لهجوم إرهابي ضحيته الوحيدة المهاجم نفسه، ورغم سكره وتعاطيه المخدر كان اسمه ودينه وبلد أبيه كفيلا لتحويله لمتطرف إرهابي بينما كان يكفي أن تتحفظ الشرطة بعض الوقت على النشر حتى التحقق من فحص دمه وحتى التأكد من أنه سكنه يخلو من أي مظاهر للتطرف للإسلامي بل فيه "كوكائين" وكل ذلك بحسب الشرطة التي أضافت أن والد زياد قال إن ولده لا يصلي ويدمن الكحول وليس إرهابيا ويكاد الآب يقول إن زياد ليس مسلما ولعله قال.

أفهم ما تقوم به فرنسا ومؤسساتها لكن لماذا تقوم بنشر نتائج فحص الدم لزياد المخمور ومتعاطي المخدرات هذه النتائج التي تنشر بعد أن تداول الإعلام خبر العملية وطواها، وكأن لفرنسا مراداً بأن تقول إن حتى هؤلاء الشباب المشوهين بالتطرف منهم المنحرفون سلوكيا وأصحاب السوابق جرمية لكن القاسم المشترك بينهم هو الإسلام وكأنها أيضا تريد أن ترشد من يسعى في ذات الطريق إلى أن يبتعد عن الهواة المغامرين من أمثال زياد وتدفعهم للخلايا الأكثر تنظيما وانضباطا أو أن السلطات الفرنسية أرادت أن تترك العمليات الصغيرة أو شبه الجرائم لتكون في ذمة من لهم نشاطات آخرى غير التطرف في سبيل أن يكون من تريد أن تصنفهم إرهابيين حقيقيين مكتملين هم أصحاب العمليات الكبيرة ذوو الضجة، كل ذلك وما لم يخطر ببالي وارد إلا احتمال أن تكون السلطات أرادت أن تتعامل بشفافية تفرضها ديمقراطية فرنسا لأن هذه الشفافية والمؤسساتية تقف عند المسلم الأوروبي وعلى هذا أدلة عدة أحدها أن بلقاسم لم يكن سوى مجرم مخمور اسمه زياد ووالده مسلم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات