حلف المقاومة واليمين الأوروبي

حلف المقاومة واليمين الأوروبي

لا شيء يشبه اجتماع قادة اليمين الأوروبي في مدينة جوبلنز الألمانية منذ فترة، سوى اجتماع قادة ما يسمى بحلف المقاومة والممانعة في دمشق في عام 2010 ، فبينما اجتمع اليمين الأوروبي وهو في ذروة نشوته بفوز الرئيس دونالد ترامب بالرئاسة في أميركا، بعد صاعقة سبقت هذا الفوز بأسابيع وهي فوز مناصري البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اجتمع لتنسيق جهوده للانقضاض على برلمانات أوروبا المتعددة والتي تؤمن بالانفتاح وليس ببناء الجدران والعزلة.

 ففي هذه المدينة الألمانية الصغيرة التقى: خيرت فيلدرز مؤسس حزب الحرية الهولندي بـ"ماري لوبين" زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا مع رئيسة حزب بيغيدا فراوكا بيتري وحزب رابطة الشمال الايطالي، والحقيقة أن ما يجمع هذه الأحزاب جميعها، ليس فقط برامجها المشتركة أو رؤيتها العامة للمستقبل الأوروبي، بل في الحقيقة ما يجمعها هو العدو المشترك، هو العنصرية والعزلة، والخوف الذي يراه قادة هذه الأحزاب متجسداً في المهاجرين وعلى الأخص المسلمين منهم.

 فشخصية يمينية متطرفة مثل خيرت فيلدرز يرى بأن الإسلام قد فتك بهولندا وجعلها بلداً مريضاً وبأن المغاربة والجزائريين قد احتلوا بلده بالكامل، بينما ستعمل ماري لوبين على طرد المسلمين من فرنسا في حال فوزها بالرئاسة ،أما فراوكا بيتري والتي يختصر اسم حزبها ( بيغيدا ) ومعناه حسب الاختصار: وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب، كل ما تريد قوله، في حين أن هنالك تفصيلاً هاماً يجمع بين هذه الأحزاب جميعاً ألا وهو علاقة زعماءه الجيدة جداً واعجابهم بالنظام السوري ممثلاً لحلف المقاومة، مع العلم أن المنطلقات النظرية للطرفين المذكورين تتنافى بشكل كامل ونهائي، مع أية علاقة قد تكون بينهما.

 فبينما يدعي اليمين الأوروبي تمسكه بالديمقراطية وحرية الأفراد من مواطنيهم وحق التعبير والسفر والاختيار ، يتمسك حلف المقاومة بمبادئ قمع الحراك الشعبي وعدم منح الأفراد أية حرية في الاختيار، وتحكم أجهزة الأمن بكل مفاصل الدولة، والتمسك بإماتة جميع مكونات المجتمع المدني في سبيل مقاومة عدو لم يحاربوه منذ خمسة عقود على الأقل، رغم أنه يدعي الحرية والعدالة والديمقراطية، إنه لقاء الأضداد إذ تجتمع، ولقاء طرفي ميزان القوى السياسية بين يمينين متنافيين ومتعاكسين لا يجمعهما سوى الكراهية، كراهية الآخر.

 ولكن الأول يكره الغرباء عن بلده، والثاني يكره المواطنين في بلده، الشعبوية بأوضح أوجهها، شعبوية استعداء الآخر، وان كان ما يثير إعجاب المرشح اليميني فرانسوا فيلون برأس النظام السوري هو شدة بطشه بمعارضيه، يصرح بشكل واضح بأن باريس يجب أن تشهد ثورة جديدة تقضي على تعددية الثقافات، المنتشرة في أوروبا، مشدداً على وجه فرنسا الثقافي الذي اختاره لها الآباء المؤسسون، وإنه من المعيب على الأجيال الحالية، تغيير هذه المعادلة.

من حيث المبدأ ما يفعله حلف المقاومة في البلاد التي يستحوذ عليها بالقوة، هو ذات الشيء، محاولة منع وإقصاء الثقافات الأخرى التي تحاول أن تجد لنفسها مكاناً تحت سماء الشرق ،ولكن المختلف أن تلك الثقافات التي تجاهد للعودة إلى المشهد هي الثقافات الأساسية في البلاد وأن تلك المسماة ثقافة المقاومة والممانعة وهي لا تنتمي بحرف للمقاومة والممانعة، هي التي تقوم بفعل ما ينوي فعله فيليون و أنصاره، إن سياسة حجب الآخر ومنعه وقمعه وطرده هي الأسلوب الشعبوي الأمثل الذي يتم الترويج له حالياً في أصقاع الأرض.

ولطالما أعجب الدهماء بفكرة ضرب الآخر وإلغاءه، بحيث يكونون هم بأمان، ولكن حركة التاريخ تخبر الجميع بأن ما أن يخرج المارد العنصري من قمقمه حتى يبتلع الجميع، دون أن ننسى كيف حطم هتلر أوروبا بحجة العرق والتفوق، وكيف حطم البعث سوريا والعراق بحجة الدفاع عن العروبة، وكيف حطم نظام الملالي ايران بحجة الدفاع عن الاسلام.

 بالنتيجة نجد أن كل شعار يرفعه الشعبويون، ينقلبون عليه، دون أي استثناء، ولا ننتظر من اليمين الأوروبي إلا تدمير إرث هيلموت كول وفرانسوا ميتران في تأسيس أوروبا الحلم، ولا ننتظر من زعماء (حلف المقاومة ) إلا تخريب ما لم يخربوه من بلداننا في الشرق بحجة حمايتها، وتدمير علاقات الشعوب والطوائف في هذا الشرق بحجة حمايتهم .ولن يكون اليمين الأوروبي و(حلف المقاومة ) سوى وجهين لعملة واحدة سوف تسقط في النهاية جيب رأسمالية العم سام التي تحتاج على الدوام أمثالهم لتنشيط اقتصادها . 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات