إزاحة الأسد وسباق الأولويات

إزاحة الأسد وسباق الأولويات

في مقابلة لها مساء الأمس مع قناة "آي بي إس" الأمريكية، صرّحت السيدة "نيكي هالي" مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن بأن إزاحة الأسد لاتزال أولوية لدى الإدارة الأمريكية، لأنه وحسب قولها مجرم حرب، واستخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، ولأن وجوده يعتبر عقبة أمام السلام المنشود في سوريا حسب قناعة الإدارة الحالية، وأضافت السيدة نيكي بأن الادارة الأمريكية تريد جلب الأسد للعدالة لدفع ثمن جرائمه.

يأتي هذا التوضيح بعد تصريح قاله وزير الخارجية الأمريكي في أنقرة، حول مصير الأسد وأن الشعب السوري هو من يقرر هذا المصير، تصريح الوزير الأمريكي يأتي مطابقا لما تقوله روسيا منذ أول يوم لانطلاق الثورة ومن ثم تحولها إلى حرب مفتوحة يشارك بها لاعبون كثر.

بالعودة للتصريحات الأمريكية التي تحدثت مؤخراً عن أن إزاحة الأسد لم تعد أولوية لديها، في الحقيقة إزاحة الأسد الكيماوي لم تكن يوماً أولوية لدى أي مسؤول أمريكي، فالسيد أوباما منذ الأشهر الأولى للثورة وهو يصرح أن على الأسد الرحيل، لكنه فعل كل مايبقي الأسد في السلطة، منع حلفاء المعارضة من تقديم السلاح المطلوب لإسقاط الأسد، وحين اقترب الثوار من الوصول لقصر الأسد في عام ٢٠١٢،تدخل السيد أوباما عبر داعمين للفصائل وأقفوا تلك المعركة، المعركة التي كانت ستفكك بنية النظام الأمنية والعسكرية وتحولها إلى مجرد ميليشيا.

ولاحقاً عبر اتفاق-صفقة غير مسبوق دولياً،اشترى الأسد شرعيته وبقاءه في السلطة من المجتمع الدولي، مقابل تسليم مخزون سوريا الاستراتيجي من الأسلحة الكيماوية، بوتين كان عراب الصفقة التي قيل إنها كانت فكرة نتنياهو ليوافق عليها أوباما، ويتراجع بموجبها سيد البيت الأبيض عن توجيه ضربة عسكرية كانت كافية لمنح الثوار تفوق عسكري بعد تحييد سلاح الجو الأسدي، كانت كافية لسحق الأسد عسكريا.. وهذا بطبيعة الحال مالايريده أحد.

أولوية إدارة ترامب واضحة في سوريا والعراق، قتال ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، ومؤخراً مواجهة إيران ونفوذها في سوريا وعموم المنطقة، حسب تصريحات متسارعة حول الموضوع.

وأولوية روسيا التي لم تتغير هي بقاء نظام الأسد الكيماوي كما هو بكل رموزه وسطوته الأمنية مع تطعيمه شكلياً بمعارضة صنعتها أو دعمتها روسيا كمنصات موسكو والقاهرة وحميميم، معارضة هي أقرب للنظام في طروحاتها المعلنة، ناهيك عن تنسيقها مع النظام خلف الأبواب المغلقة وإن عبر الوسيط الروسي.

هنا تتقاطع الأولويات بين الطرفين، ترامب وفريقه يبحثون عن نصر عسكري سريع في معركتهم مع التنظيم، ليكون بداية لعهد ترامب المضطرب داخلياً، بعد استقالة أكثر من مسؤول في إدارته الوليدة، نصر يريده ترامب بسرعة وبأي ثمن ومع أي طرف يقدم له هذه الهدية والبداية ستكون من الرقة.

التحضيرات لمعركة الرقة متسارعة، لكن حتى اليوم لاشيء نهائي بخصوص الشريك البري للتحالف، هل ستكون ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية هي الشريك الوحيد، أم أن تركيا ستستطيع تغيير مسار الخطة، وتعيد لفصائل الجيش الحر اعتبارها، عبر إقناع الأمريكيين بمشاركة قوات درع الفرات في معركة الرقة وإن تحت مسمى جديد.

الأتراك ايضا لديهم أولوية، منع ميلشيا حزب العمال الكردستاني المتعددة الأسماء من السيطرة على مناطق جديدة في شمال سوريا، وهي تحاول بشتى الوسائل دخول السباق المحموم نحو الرقة.

المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، لاتزال تعتبر إسقاط الأسد الكيماوي أولوية لها، وأن كل المعارك الأخرى هي تحصيل حاصل بعد الخلاص من الأسد، خلاص يبدو بعيد المنال اليوم أكثر من أي وقت مضى خلال الست سنوات المنصرمة.

فخيارات المعارضة قليلة بعد كل التحولات الأخيرة في المواقف الدولية والإقليمية، وبعد تركيز العالم أنظاره على محاربة الإرهاب (الإرهاب السني فقط) والمتمثل أولاً بقتال التنظيم ولاحقا القاعدة.

المعارضة تستطيع على الرغم من هذه الصورة القاتمة للمشهد أن تستفيد من المتناقضات الموجودة ومن صراع الأولويات بين مختلف الأطراف، أولاً عبر انسلاخ واضح وكامل عن بقايا القاعدة في الشمال السوري، وثانياً دخول السباق نحو الرقة مع بقية المتسابقين، وهذا أمر أعتقد أنه سيطرح اثناء زيارة الدكتور رياض حجاب إلى واشنطن بعد أيام قليلة، زيارة سيلتقي فيها وزير الخارجية الأمريكي، وهناك مساع تجري لعقد لقاء مع الرئيس ترامب.

أولوية إسقاط الأسد بالنسبة للمعارضة باتت اليوم، وأكثر من أي يوم مضى محتومة بالتنسيق مع الجميع وكل حسب أولوياته، ترامب الذي يريد الخلاص من التنظيم بحاجة لجهود الجميع،وإن كان جاداً في قضية تحجيم إيران، أيضاً هو بحاجة الجميع بما فيهم روسيا ومقاتلو الجيش الحر، وتركيا التي تريد الخلاص من كابوس الكيان الكردي، صراع أولويات لم تتضح بعد مسارات التقائها.. واصطدامها أيضاً.

التعليقات (1)

    ابو احمد

    ·منذ 6 سنوات 11 شهر
    كثير من الانتقادات التى كنا ننتقد فيها النظام من فساد ومحسوبيه وسرقة اموال وديكتاتورية وقعنا فيها نحن المعارضه لا ألوم المجتمع الدولى. ولا النظام ولا إيران ولا روسيا. الجميع يريد مصلحته اللون كله علينا نحن
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات