الشرف المفقود و القمع الممنهج ...

الشرف المفقود و القمع الممنهج ...
اليوم تفتتح مذبحة خان شيخون الكيماوية، تاريخ الصمت العالمي الجديد، صمت متكرر، وفشل و سكون، ضوضاء وحيدة تسكن هذا العالم، هي ضوضاء المشيعين لأجساد ضحاياهم وشهدائهم الصفراء، بينما العالم مشغول بكوريا الشمالية وجبل طارق ودونالد ترامب، هنالك من أوقف العالم على قدم واحدة في لندن بعد أن دهس معتوه أحمق أربع ضحايا قرب ويستمنستر، وهنالك من يفتش الأرواح قبل الأجساد حين الدخول  إلى الولايات المتحدة الأميركية،ولكن ليس هنالك من أحد يتحرك لتجفيف مستنقع الموت الأسود في سوريا، في إدلب هنالك من يجمع الموت، وهناك من يتسلى من السماء برمي الناس بالموت، ويجعل لهذا الموت أشكالاً وألواناً، موت برميلي، وأحمر، أزرق، رمادي،وأبيض ، برائحة ومن دون رائحة، وبألم ومن دون ألم، وهنالك من يقاوم هذا الموت بالحياة وبالاستمرار، وبالذهاب إلى السوق بعبثية المحارب الصامت من يحمل دمه على كفه.

 بينما على الطرف المقابل هناك من يمارس القتل بدناءة وجبن،من يختبئ خلف مقود الطائرة و يعاقر الموت بخوف وجبن، فكيف لمن يدعي الشرف العسكري ومن يحترم رتبته وتاريخه والمؤسسة العسكرية التي أتى منها أن يمارس خسة وجبناً ويقتل مدنيين عزل،بسموم كيميائية، حينما يتحدث المؤرخون والمراقبون عن الشرف العسكري، فهم لا يبررون الحرب، فكل الحروب قذرة وكل ما يجلب الموت إلى الإنسانية وسخ و مدان، ولكن وإن كان من بد للحرب، فلقد وضع المشرعون قواعد وضوابط ومحددات لتلك الحرب، أقلها المواجهة، و احترام الأسرى وتحييد المدنيين و النساء والأطفال، ولكن كيف يمكن تبرير الاستعلاء الجبان لمن يقصف بالطائرة مستوعبات كيميائية وهو يدرك أنها من أسلحة الدمار الشامل،على أحياء مدنية وبيوت و مزارع .

يتحدث التاريخ عن كارثة مروعة ارتكبها الأميركيون مع الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية،حيث يذكر بكامل العار اسم الطيار وهو الكولونيل بول تيبيتس، الذي قاد القاذفة اينولا جاي بي-29 التي أطلق عليها اسم والدته، ورمى فوق مدينة هيروشيما اليابانية في يوم السادس من أب من عام 1945، القنبلة النووية الوحيدة التي استخدمت في الحروب، والتي اطلق عليها حينها اسم " little boy" أو الولد الصغير، والتي أنهت الحرب العالمية الثانية مع اليابان وحصدت أرواح 150 ألف ضحية، وتقول الكتب إن طاقم الطائرة بي -29، أرسلوا بعد أيام من انفجار القنبلة إلى عيادات نفسية تابعة للجيش الأميركي، لتعمل على تقوية عزيمتهم و غسل أدمغتهم كي لا ينهاروا أمام الرأي العام، وثلاثة منهم سرحوا من الجيش لعدم قدرة قادتهم على تأمين زملائهم منهم حتى لا يوهنوا عزيمة البقية.

 أما "بول تييبيتس" قائد الطائرة فقد أصيب بمس مؤقت وانهيار عصبي ما لبث أن عالجه الجيش الأميركي خوفاً من الفضيحة، وطلقته زوجته الأولى التي لم تطق العيش مع أكبر قاتل فردي في تاريخ البشرية، ثم عين ملحقاً عسكرياً في الهند لكن المظاهرات الكبيرة التي خرجت في نيودلهي جعلت الحكومة الهندية ترفض استقباله كملحق، وحينما توفي، طلب في وصيته عدم اجراء جنازة وعدم وضع شاهدة على القبر كي لا يتلقى قبره أي اساءة ممن يعتبرونه مجرم حرب،والرجل الثاني في الطائرة بي-29 هو مساعد الطيار الذي أصيب بهستيريا بقيت تلازمه رغم العناية الصحية، وبقي يضحك ويبكي كلما خاطب أي انسان بشكل مريب، أما الجندي الثالث شومارو فقد لازمته حالة قلق أثناء النوم،فكان يستيقظ من النوم وهو يصرخ (السحابة، السحابة ) معتقداً أن السحابة التي شاهدها من شباك الطائرة ما هي إلا أرواح من قتلوا وهي تلاحقه في كل ليلة .

بكل الأحوال هناك من يقول إن طاقم الطائرة هو ضحية أخرى لتلك الحرب العبثية، وهناك من يصنفهم على أنهم قتلة بلا ضمير، ولكن يبقى لنا من التاريخ أن ضمائرهم تمزقت من فرط الأسى وأغلبهم فقدوا عقولهم مما اقترفت أيديهم،ومنهم من ذهب إلى هيروشيما للاعتذار من المدينة ومن تبقى من السكان، ولربما تعيد هذه المشاعر بعضاً من إنسانية الطيارين الذين تجردوا للحظات من آدميتهم، ومارسوا الموت الاستعلائي ضد خصومهم،بينما لا يزال إعلام النظام،وإعلام المقاومة يدفع الملامة عن مذبحة خان شيخون وقبلها الغوطة وقبلها كل المذابح في كل البقاع السورية ، و بقي اتهام الضحايا بالإرهاب، وتأليف القصص والروايات لتبرئة القتلة أنى كانوا، هو دفاعهم الوحيد بأسلوب المراهق حينما يدافع عن نفسه،فأين الشرف العسكري وأين الانسانية كلها من تلك المشاهد، وأين الرجولة في القتل ومن ثم الانكار،حيث يضيع الشرف من فرط منهجة العنف، حيث يكاد تبرير القتل أن يكون هو الأسوأ من القتل نفسه . 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات