نعم.. الأكراد انتهازيون!

نعم.. الأكراد انتهازيون!
بات واضحا بعد أسبوع على الاستفتاء في كردستان العراق أنّ هناك ما يمكن وصفه معطيات جديدة. تتخذ هذه المعطيات شكل أسئلة من نوع ما انعكاسات خروج الأكراد من اللعبة السياسية الدائرة في بغداد ومدى قدرة بغداد على الذهاب إلى النهاية في محاصرة كردستان من أجل إخضاعها؟

من بين الأسئلة الأخرى التي تطرح نفسها بإلحاح هل سيتأثر وضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يمكن اعتبار الاستفتاء ضربة قويّة موجّهة إليه شخصيا وإلى مستقبله السياسي؟ مثل هذه الضربة يمكن أن يستغلّها خصومه، على رأسهم نوري المالكي الذي يعدّ نفسه، بدعم إيراني، للعودة إلى موقع رئيس الوزراء بعد الانتخابات النيابية المتوقعة السنة المقبلة.

الثابت أن التوازنات السياسية في بغداد ستتخذ شكلا جديدا في غياب المكوّن الكردي الذي سيجد نفسه منهمكا في إعادة ترتيب وضع الإقليم من منطلق أن الاستفتاء خطوة على طريق قيام الدولة المستقلة في يوم من الأيّام.

قبل كلّ شيء، ليس الاستفتاء سوى خطوة أولى، لكنّها حاسمة، في رحلة لا تزال طويلة من أجل قيام دولة كردية في العراق. لا تزال هذه الدولة تبحث عن حدودها النهائية وتحاول في الوقت ذاته، عبر مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان، عدم إقحام نفسها في قضايا متعلّقة بأكراد إيران وتركيا وسوريا.

تبدو مشكلة مستقبل كركوك أكثر من كافية كي ينشغل أكراد العراق لسنوات طويلة بقضية معقدة مرتبطة بأمور كثيرة في مقدّمها وجود عدد كبير من التركمان والعرب وأقلّيات أخرى في المدينة من جهة وموقعها الاستراتيجي وثرواتها من جهة أخرى.

لعلّ من أكثر الظواهر المثيرة للاهتمام التي رافقت الاستفتاء في كردستان العراق، ذلك الفرح الذي عبّر عنه أكراد إيران الذين يعانون ظلما كبيرا، خصوصا منذ قيام "الجمهورية الإسلامية". كان تعبير أكراد إيران عن فرحهم بالاستفتاء دليلا على مدى كرههم للنظام الذي أقامه الخميني في إيران، فضلا عن توقهم إلى الاستقلال أيضا.

تبيّن في ضوء الاستفتاء في كردستان العراق أن النظام في إيران لم يتمكن يوما من استيعاب الأكراد، ولن يتمكّن من ذلك يوما. لم يكن لدى هذا النظام سوى القمع للتعاطي مع أكراد إيران.

يمكن العودة إلى جريمة اغتيال عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في الثالث عشر من تموز – يوليو 1989 للتأكد من مدى حساسية النظام في إيران حيّال أي بروز لقيادات كردية إيرانية تمتلك حيثية ما على الأرض. ذهب النظام إلى حدّ قتل قاسملو ورفاق له في فيينا!

يظلّ أخطر ما في قرار إجراء الاستفتاء في كردستان العراق، انعكاساته على دول الجوار، خصوصا في إيران وتركيا التي فيها ستة عشر مليون كردي. هذه الانعكاسات تفسّر القلق الشديد في تركيا وإيران وسوريا وفي العراق نفسه حيث ذهب العبادي إلى اتخاذ كلّ الإجراءات من أجل تعطيل مطاري أربيل والسليمانية وسدّ كل المنافذ البرّية لكردستان العراق.

لا يمكن فصل الإجراءات التي اتخذتها تركيا والكلام الصادر عن الرئيس رجب طيب أردوغان عن القلق الذي يعاني منه الرئيس التركي الذي دخل في السنوات الأخيرة مرحلة التفرّد بالسلطة وإعادة تركيب تركيا بما يتّفق مع توجهاته الشخصية بصفة كونه مؤمنا بفكر الإخوان المسلمين وتخلّفهم.

لم يتردد أردوغان في اللجوء إلى العلاقة المعروفة، وهي علاقة تاريخية، بين الأكراد العراقيين وإسرائيل لتبرير موقفه المعادي للاستفتاء.

يلجأ أردوغان إلى الورقة الإسرائيلية لتبرير سياساته تجاه كردستان العراق في مرحلة ما بعد الاستفتاء، علما أنّه اضطر إلى التخلي عن المزايدات التي لجأ إليها في الماضي القريب وأعاد العلاقات مع إسرائيل بعد فشله في فكّ الحصار عن غزّة عن طريق استعراض بحري مرتجل لم يؤد إلى أي نتيجة على الأرض.

على العكس من ذلك، تابعت إسرائيل ممارسة سياستها القائمة على فرض حصار على غزة وتحويلها إلى سجن كبير في الهواء الطلق، وهو أمر لا تعترض عليه "حماس" التي أخذت القطاع رهينة منذ السيطرة عليه منتصف العام 2007، إلى أن وجدت في 2017 أنّه بات عليها البحث عن طريقة للخروج من مأزقها.

تكمن مشكلة أكراد العراق حاليا في أنّ للحكومة المركزية في بغداد وتركيا وإيران مصلحة في إجهاض الاستفتاء. سيعني نجاح الاستفتاء نهاية العبادي، سياسيا، في العراق. وسيعني أن كلّ الإجراءات القمعية والدموية التي لجأ إليها نظام الملالي في إيران لم تجد نفعا في المدى الطويل.

وسيعني أن أردوغان لم يستطع تقديم نموذج يمكن أن يقنع الأتراك بأن سلسلة الانقلابات التي قام بها، بما في ذلك الانقلاب على رفاقه في "حزب العدالة"، تصب في مصلحة البلد. حتّى النظام السوري المتهالك، الذي صار في مزبلة التاريخ، بدأ يتحدّث عن "حكم ذاتي للأكراد"، لعلّ ذلك يجعل منه صاحب كلمة في تقرير مستقبل سوريا… أو الظهور في مظهر من لا تزال لديه سياسة ما خارج ما يقرره الوصيّان الروسي والإيراني.

لم يعد سرّا أن معركة الاستقلال الكردي ستكون معركة قاسية. الرئيس فلاديمير بوتين زار أنقرة وذهب بعيدا في مراعاة رجب طيّب أردوغان، حليفه الجديد، بتأكيد تمسّكه بـ"وحدة العراق". صارت وحدة الأراضي العراقية فجأة همّا إيرانيا وتركيا… وروسيا.

يبقى الموقف الأميركي. الأكيد أن القيادة في إقليم كردستان تفاجأت بالاعتراض الأميركي على إجراء الاستفتاء يوم الخامس والعشرين من أيلول – سبتمبر الماضي.

ربّما كانت تفضل التأجيل في وقت تعتبر أن كلّ الجهود يجب أن تنصبّ على الانتهاء من "داعش". ولكن، يبدو أن واشنطن استدركت نفسها، ربّما بتأثير إسرائيلي، واتخذت موقفا أكثر ليونة من الاستفتاء وعرضت نفسها وسيطا بين إقليم كردستان والمعترضين على الاستفتاء. اتخذت واشنطن هذا الموقف المرن على الرغم من إعلانها، عبر وزير الخارجية ركس تيلرسون، عدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء.

إذا كان من أزمة في كردستان العراق، وهناك بالفعل أزمة، فإنّ هناك أزمات لدى الحكومة العراقية وفي كلّ من إيران وتركيا. هناك بكلّ بساطة رفض للاعتراف بأنّ الأمور في كردستان العراق ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لو كان هناك نظام ديمقراطي طبيعي في العراق قادر على تطوير نفسه.

لم يكن الأكراد يتصورون يوما أن ما سيخلف البعث نظام أسوأ من البعث، أي نظام الميليشيات المذهبية التي يعبّر عنها تشريع "الحشد الشعبي". وهذا نجاح كبير في حدّ ذاته. إنّه نظام التفوّق في التخلّف على البعث الذي استُخدم كشعارات لتبرير الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها في كلّ من سوريا والعراق.

لم يكن الاستفتاء الكردي سوى نتيجة طبيعية لما آلت إليه الأوضاع في العراق، خصوصا بعد هبوط أسعار النفط واستشراء الفساد الذي أدى إلى تبديد مئات مليارات الدولارات في مرحلة كان فيها نوري المالكي رئيسا للوزراء.

لم يعد لدى الأكراد حتّى مصلحة في مراعاة الحكومة في بغداد في ضوء ظهور علامات الإفلاس ومظاهره على هذه الحكومة. الأكراد انتهازيون؟ نعم إنّهم انتهازيون. هل من سبب كي لا يكونوا كذلك عندما لم يعد يوجد من يريد مشاركتهم لا في السلطة ولا في الثروة، هذا إذا كانت هناك بقية من ثروة؟

التعليقات (13)

    ادريس

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    ليس الأكراد انتهازيين بل مغرر بهم من طرف اسرائيل (ممثل الحروب الصليبية حاليا) لتنتقم من أحفاد عدوعا صلاح الدين الأيوبي. وإذا كان تأثر أردوغان بفكر إخواني متخلف أثمر حرية وعدالة وتطور اقتصادي أفضل من العديد من دول الاتحاد الأوربي فمرحبا به.والمعلقون المنحازون والمشوهون للحقائق هم سبب تخلفنا.

    ادريس

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    طيب تم التحقيق..في تسليم 40 الفا من الجيش العراقي لاسلحتهم وتسلم داعش للموصل ونتيجة التحقيق الرسمي العراقي ظهر السبب الاساسي هو المالكي..فلماذا لم يتم الحكم عليه وفق الدستور العراقي..بل على العكس..انا لا اوافق الكاتب من ان الحكومة العراقية الحالية تحتلف عن سابقتها..الكل يدار من ايران..الدستور معطل..واين هي الدولة الانحادية اكثر من مليون سني من الرصافة وغيرها..في كردستان بنتظرون عودتهم..ولكن بدون اي امل..ورواتب الاكراد انقطعت من 2003..وشبابهم اصبحو نازحين في اوربة..الى اين اذا

    متابع

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    حرية الكلمةً حق للجميع ولكن الكذب وتشويه الحقائق امر أخر. في هذا المقال كتل من الكذب واحدة تلو الأخرى . على كل حال لم ولن تكون هناك كردستان اسرائيلية سرطان أخر في قلب الأمة مهما كلف الامر

    سوري في الغربة

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    كل من يخالفكم الرأي متخلف و اخواني و ارهابي و... لعن الله كل عنصري بدون استثناء و خصوصا كل من يكره العربي لأنه عربي و التركي لأنه تركي ، والبويجي لانو بويجي ،

    نصوحي بنود .

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    التجني واضح على تركيا . بالمطقة وحدها يتمتع أكرادها بتمثيل حقيقي بالبرلمان ومؤسسات الدولة . الوحيدة أكرادها الأعلى دخلا من أشقائهم بالدول المجاورة . ايران العراق بامرة ولي الفقيه والفقيه بامرة الصهيونية . 100000 لطام شيعي وحرس ثوري قرب اسرائيل بالجولان ولم يرموها بفتاشة ؟ يعني كان وجودهم رغم أنف اسرائيل ؟مجنون يحكي وعاقل يصدق . تركيا المزدهرة القوية هدفهم الحقيقي واللعبة لتوريطها وينسحب الشيعة وتبقى بالميدان وحدها . بالتالي يتراجع اقتصادها وتسقط حكومتها بالانتخابات هو عز الطلب ....

    محمد

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    رغم تحفظي على عده أمور في هذا المقال كالاستخفاف الغير مبرر بإنجازات السيد اردوغان لكن الموقف من انتهازيه الأكراد أن كانوا في العراق او سوريا او باقي الدول ،فهم ينتظرون لحظه ضعف من دولهم لينقضوا عليها فللأسف الغدر والخيانه من طباعهم وتاريخهم حافل به!

    وائل كلو

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    ألم يكن العرب انتهازيون حينما استغلوا ضعف الإمبراطورية العثمانية (الإسلامية)وتآمروا مع البريطانيين و قسموا بلاد المسلمين أم ليس الكورد حق تقرير مصيرهم و جميع دول المنطقة تقوم على أساس قومي عرقي لا على أساس المواطنة و تعمد حكوماتها إلى صهر أو إنهاء وجود القوميات الأخرى

    أحمد عبد الرزاق

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    وكأنك يا صاحبهم ليس همك الأكراد ولا انتهازيتهم ولا مستقبلهم بقدر ما حاولت النيل من الرئيس التركي السيد الطيب رجب أردوغان. أليس من مناص لكاتب إلا أن يشخصن الأمور ويضحك على الجمهور إرضاء لجهة أو جهات ما؟ كيف لنا أن نقبل مقالة لكاتب إن لم يك موضوعيا؟ أم أن الجماهير بالنسبة لكم أغنام كما ينظر إليها نظام الطاغية الذي قدمت سوريا ما لم يقدمه أحد من أجل ألا يستعلي أحد عليها؟

    الكريم

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    ‫اذا أنت اكرمت الكريم ملكته وإن أنت اكرمت اللئيم تمرد. من تأمّل أشعار العرب وأدبهم أيقن أنّ شرّ الخلق عندهم اللّؤم وهو مقابلة من أحسن إليك بالسّوء والخيانة. لم يلحق تركيا كلّ هذا التضييق ولم تصر هدفا للإعلام الغربي المتكالب إلاّ لوقوفها مع المستضعفين من الشّعبين السوري والفلسطيني وغيرهم. أيُعدّ من النّبل أن نأكل في الصّحن ثمّ نبصق فيه؟

    سيماف

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    موفقة يا أكراد لكن خطو كل خطوة بحذر

    رضوان

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    في منتصف قراءتي للمقال عدت لاتأكد من اسم كاتب المقال هل هو كردي . على الاغلب هو كذلك

    العريس

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    السلام عليكم اولا وأخيرا عنا سفينة النبي نوح وأبو الأنبياء ابراهيم عليهم السلام والأكراد معروفين يا عرب ارجعو لليمن وعسير وخيبر راح احكي وبصراحة العرب ان قرأوا لم يفهموا وان فهموا لم يفقهوا خنت الأنبياء وكلام الله خالفتوه والخلفاء قتلتم وسممتم وحرفتم الآيات وطلع اخر شي منهاجكم الدراسي يافرنسي وَيَا إنكليزي أو إسباني أو ًًًًً ً. هاد من تاريخكم للمنهاج والتعليم والتعتيم وقضم حق الشعوب من يوم الغزوات وحتى بيناتكون كنتوا تهاجموا على بعض من الهمجية والغدر كرمال السرقة والدليل القراءن والاحاديث

    Basim regina

    ·منذ 6 سنوات 6 أشهر
    يجب على العالم ان يعلم ان البرزاني صارله دورتين ،،،،،بدو يساوي قصه منشان يترشح مرة اخرى واخرى واخرى حتى يموت ،،،،،ولقد صرح عدة مرات لجامه لن يترشح وكله نفاق على الشعب الكردي ،،،،،وسيقوا انه ريس للجمهورية الجديدة ولدورتين ع الاقل،،،،،،،،،،كل المسءولين في الشرق الاوسط بشار وخامناىءي وغيرهم تلله يخلصنا من كل المجرمين في تلشرق تلاوسط،،،،،،،كانه مافي رجال في كردستان غير برزاني بكفية خمسين سنه مثا حافظ الاسد ،،،،،،،،،،،،،،واتركوا دور لغيركم ،،،،،،،،الطمع بالدين والنصر للاحرار،،،،،،،وصدقوني سيتم تد
13

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات