كيف أصبحت "الخوذ البيضاء" في سوريا ضحايا للبروباغندا عبر الإنترنت؟

كيف أصبحت "الخوذ البيضاء" في سوريا ضحايا للبروباغندا عبر الإنترنت؟
يتعرض رجال "الدفاع المدني السوري" والمعروفون بـ "الخوذ البيضاء" إلى حملة تضليل مركزة ومستمرة من قبل أجهزة الإعلام الروسية بالرغم من الإجماع العالمي على أهمية ما يقومون به، ورصدت صحيفة (ذا غارديان) الأدوات والوسائل التي تستخدمها موسكو بحملتها هذه في مقال ترجمه موقع أورينت نت.

مناهضون للامبريالية

أصبح عمال الإنقاذ المتطوعون السوريون المعروفون باسم "الخوذ البيضاء" هدفاً لحملة تضليل غير عادية تصفهم على أنهم منظمة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة.

وكشفت (ذا جارديان) كيف أن نشر هذا الدعاية المضادة عبر الإنترنت يتم من قبل شبكة من النشطاء المناهضين للإمبريالية المتبنين لنظريات المؤامرة والمدعومين من قبل الحكومة الروسية (التي تقدم الدعم العسكري لنظام الأسد).

الخوذ البيضاء، المعروف اسمها رسمياً باسم الدفاع المدني السوري، هي منظمة إنسانية تتألف من 3400 متطوع (معلمين ومهندسين وخياطين ورجال الاطفاء سابقين) الذين يسارعون لسحب المدنيين السوريين من الأنقاض عندما تسقط عليهم القنابل، ويعود الفضل لهم في إنقاذ حياة الآلاف منهم.

كما تعرضوا، ومن خلال لقطات فيديو مباشرة، لجرائم حرب بما في ذلك هجوم كيماوي في نيسان / أبريل، وكان عملهم موضوع لفيلم وثائقي (نيت فليكس) حائز على جائزة الأوسكار وحصل على ترشيحي جائزة نوبل للسلام.

تشويش كل شيءhttps://orient-news.net/news_images/17_19/pa_1513691660.jpg'>

وعلى الرغم من هذا الاعتراف الدولي الإيجابي، هناك رواية مضادة تدعمها شبكة من الأفراد الذين يكتبون لمواقع إخبارية بديلة لمواجهة ما يعتبرونه "MSM agenda" أو الأجندة التي تبثها وسائل الإعلام الرئيسية، وتتطابق وجهات نظرهم مع مواقف سوريا وروسيا لجذب جمهور هائل عبر الانترنت وذلك عبر تضخيم روايتهم للأحداث من قبل شخصيات في اليمين المتطرف رفيعة المستوى، مع ظهور على التلفزيون الحكومي الروسي وجيش من المغردين على تويتر.

الطريقة التي استهدفت بها آلة الدعاية الروسية الخوذ البيضاء هي حالة واضحة ودقيقة لنوعية الحروب الإعلامية السائدة، حيث تفضح الشائعات، نظريات المؤامرة، وأنصاف الحقائق وفقاعات اليوتيوب، بالإضافة إلى جوجل وتويتر وخوارزميات البحث عبر الإنترنت.

ويقول (ديفيد باتريكاراكوس) مؤلف كتاب "الحرب في 140 حرفا، كيف تعمل وسائل الإعلام الاجتماعية على إعادة تشكيل الصراع في القرن الحادي والعشرين" عن هذا الإسلوب "هذا هو قلب الدعاية الروسية، في الأيام القديمة، كانوا يحاولون تصوير الاتحاد السوفياتي كمجتمع نموذجي، الآن تتمحور حول تشويش كل شيء عبر وجهات نظر كثيرة لا يستطيع الناس تميز الحقيقة عندما يرونها".

الحرب الهجينة

بدأت حملة تشويه سمعة الخوذ البيضاء في نفس الوقت الذي بدأ فيه العدوان الروسي على سوريا في سبتمبر / أيلول 2015، من خلال دعم جيش بشار الأسد بضربات جوية استهدفت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وعلى الفور تقريبا، بدأت وسائل الإعلام الحكومية الروسية مثل RT وSputnik  بالادعاء زورا أن داعش هو الهدف الوحيد للحملة العسكرية في سوريا، مع محاولة زرع الشكوك في الغارات التي تستهدف البنى التحتية والمواقع المدنية.

نفس الآلة الدعائية حشدت ناشطين مناهضين للولايات المتحدة ومدونين وباحثين يعتقدون أن الخوذ البيضاء إرهابيون، يظهرون على التلفزيون الحكومي، مع مضاعفة مقالاتهم من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية.

ولا يوجد أي دليل يشير إلى أن هؤلاء الناشطين والمدونين ينشرون معلومات خاطئة عن قصد، على الرغم من أن القصص غالبا ما تكون قليلة المصدر.

ويصف (سكوت لوكاس)، أستاذ السياسة الدولية في جامعة برمنغهام، هذه الحملة الشاملة بأنها "دعاية تحريض"، لكنه قال إن بعض المشاركين فيها لا يدركون أنهم يستخدمون كبيادق.

لماذا الخوذ البيضاء؟

تلعب الخوذ البيضاء دورين داخل سوريا، الأول هو عملهم في الإنقاذ من حيث توفير خدمة الإسعاف، خدمة الإطفاء والبحث والإنقاذ في مناطق الصراع حيث يتم تدمير البنى التحتية، والدور الثاني هو توثيق ما يجري داخل البلد عن طريق الكاميرات المحمولة الموضوعة على الخوذة.

كريستيان بينيديكت، مديرة الاستجابة للأزمات التي تتخصص في سوريا اعتبرت أن "هذا الأمر لم يزعج نظام الأسد والسلطات الروسية فحسب، بل الكثير من مروجي الدعاية – البروباغندا- الذين يعملون في فلكهم".

ساعدت لقطاتهم منظمات مثل منظمة العفو الدولية ومركز العدالة والمساءلة في سورية على تأكيد الشهادات التي يتلقاها من الناس في سوريا عبر الهاتف وسكايب و الواتساب، وسمحت لهم بالتحقق من آثار الضربات الجوية لمعرفة ما إذا كان المدنيون مستهدفون وما إذا كان هناك أي وجود عسكري أو نقاط تفتيش عسكرية، وقالت بنديكت ان "هذا يضر حقا بسرد أخبار الحرب في سوريا وروسيا".

وكانت لقطات من "الخوذ البيضاء" هي التي وثقت الهجوم الكيميائي في خان شيخون في نيسان / أبريل، والذي أسفر عن مقتل 83 شخصا على الأقل، ثلثهم من الأطفال، حيث خلص محققو جرائم الحرب التابعون للأمم المتحدة في وقت لاحق إلى أن الهجوم نفذه النظام السوري ضد شعبه. 

ابنة دبلوماسي بريطاني

ولا تزال وسائل الاعلام الحكومية الروسية وشبكة من المواقع الاخبارية البديلة الداعمة لهم تثير الشكوك حول نتائج المحققين من خلال وصفها بانها "غير منطقية" و "ونظمت عمدا" من قبل المسلحين. وكرر موقع Infowars (أخبار الحرب) اليميني المتطرف نظرية المؤامرة حيث وصف الخوذ البيضاء بأنهم "مجموعة تابعة للقاعدة ممولة من جورج سورس"، ولم يتلق ذوي الخوذات البيضاء تمويلا من جورج سوروس أو أي من مؤسساته.

ومن بين أكثر المشككين صراحة في تحقيق الأمم المتحدة المدونة فانيسا بيلي، ابنة الدبلوماسي البريطاني السابق الذي زار سوريا للمرة الأولى في يوليو 2016؛ وهو أستاذ كبير في جامعة سيدني، تيموثي أندرسون، الذي وصف الهجوم الكيميائي في نيسان / أبريل بأنه "خدعة"؛ وإيفا بارتليت، وهي ناشطة كندية قالت إن الخوذ البيضاء نظموا عمليات إنقاذ باستخدام ضحايا معاد تدويرهم – وهو ادعاء تم تفنيده من قبل محطتي Snopes والقناة الرابعة البريطانية.

وكانت الاستراتيجية الروسية ناجحة جدا في تشكيل محادثة عبر الإنترنت حول الخوذ البيضاء، من خلال التحايل على خوارزميات وسائل الاعلام الاجتماعية مع فيضان بالمحتوى، مدعومة من قبل حسابات وهمية وشبكة من المحرضين. 

حتى القنوات الرسمية الروسية، مثل حساب تويتر للسفارة الروسية في بريطانيا، نشر "التغريدات" التي تشوه سمعة المنظمة، ويقول سام وولي، الذي يدرس الدعاية الحسابية في جامعة أكسفورد "إذا قمت بتصفح تويتر حول الخوذ البيضاء، ستجد إلى حد كبير بين كل محادثة وأخرى مساواتهم مع داعش، بوصفهم إرهابيين. يبدو أن هؤلاء هم الأشرار" وأضاف "انها جزء من محاولة لنزع الشرعية عن الجهود الغربية لتحقيق الاستقرار في سوريا"، وتضيف زميلته سامانثا برادشاو "كلما زاد الارتباك، أصبح من السهل التلاعب بالناس".

مصنع

تحدثت الجارديان مع العديد من الباحثين الذين يدرسون انتشار التضليل والدعاية عبر الإنترنت الذين وجدوا أدلة على حملة نفوذ روسي مستهدف ضد "الخوذ البيضاء". 

ووضع فيل منسر، وهو أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة إنديانا، أداة تسمى (هواكسي) لرسم انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وبالبحث عن "الخوذات البيضاء" يظهر العديد من المصادر التي ولدت مئات القصص عن المنظمة، وصفها منسر "انها مثل مصنع"، وهم نفس الأشخاص الذين يتم وصفهم بالدعاية الروسية على أنهم "خبراء" في المواد الصحفية التي يتم إعادة تجميعها وربطها لخلق مجموعة من المحتوى الذي يحمل نظرية المؤامرة لكسب مظهرا من مظاهر الشرعية.

أمضت شركة تحليلات غرافيكا سنوات في تحليل مجموعة من حملات التضليل الروسية بما في ذلك تلك تسريبات تتعلق بماكرون وفضائح المنشطات الروسية، في بحث تم بتكليف من قبل مجموعة من مجموعات حقوق الإنسان، كشف أن أنماط 14،000 من مستخدمي تويتر في شبكة الانترنت يتحدثون عن ذوي الخوذ البيض بشكل "متشابه جدا"، حيث أن العديد من هذه الحسابات مؤيدة للكرملين، وبعضها أغلق كجزء من التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ويبدو أن بعض الحسابات تولد أكثر من 150 تغريدة يوميا. (يعتبر العلماء أن أكثر من 70 تغريدة هي تغريدات مشبوهة).

https://orient-news.net/news_images/17_12/1513691595.jpg'>

تحدي المانيكان

لفهم آلة الدعاية الروسية، عليك فقط النظر إلى ما حدث عندما نشرت "الخوذ البيضاء" نسختهم من تحدي المانيكان، وهو تحدي انتشر بشكل سريع في الإنترنت حيث يصور الناس أنفسهم وهم ثابتين في منتصف العمل، صورت مجموعة الإنقاذ أنفسهم ضمن مرحلة انقاذ وشاركت الفيديو على وسائل الاعلام الاجتماعية مع الهاشتاج #MannequinChallenge.

وقد تم سحب الفيديو الذي نشره المكتب الإعلامي للقوات الثورية السورية في نوفمبر / تشرين الثاني 2016 من سياقه وأعيد نشره كدليل على أن المنظمة تستخدم "ممثلين في الأزمة" ضمن عمليات تهدف غلى تشويه سمعة الجيوش الروسية والسورية.

قامت RT بإعداد تقرير عن الخبر المزيف، بما في ذلك بعض التغريدات، واستشهد ببيلي كباحث مستقل يؤكد أن الفيديو يغذي الشكوك حول "مصداقية مشكوك فيها بالفعل" للمنظمة. 

وكانت "الخوذ البيضاء" أصدرت اعتذاراً قالت فيه إنهم كانوا يأملون في ان يخلق الفيديو صلة بين الرعب في سوريا والعالم الخارجى، بيد انه تم الاعتراف بانه كان "خطأ فى الحكم". 

وقال إليوت هيغينز، مؤسس لجنة التحقيق في Bellingcat بلينغكات، "تم إساءة الأمر كلياً، من قبل الأشخاص الذين لديهم أجندات"، وبعد عام على نشر فيديو تحدي المانيكان من قبل "الخوذ البيضاء" لا يزال ينشر على نطاق واسع كدليل على أنهم يفبركون علميات الإنقاذ.

جهات معزولة

ومع ذلك، كانت بعض الجهات المعزولة داخل الخوذ البيضاء الذين تم استخدمهم لتشويه سمعة المجموعة بأكملها. وقد فصلت المنظمة أحد أعضائها بعد أن تم تصويره بمساعدة مسلحين في التخلص من جثث المقاتلين الموالين للأسد، وتم تصوير آخرين بالبنادق على الرغم من تسويق أنفسهم على أنهم غير مسلحين. وهناك أيضا لقطات من ذوي الخوذ البيضاء يأخذون جثة بعيدا عن إعدام نفذه مسلحون متمردون، حيث يدعي النقاد أنهم "يساعدون" في تنفيذ عمليات الإعدام.

وقال رائد الصالح، زعيم الخوذ البيضاء، بأنها "حوادث معزولة على مستوى المتطوعين – وأنه لم يكن هناك أي نوع من حوادث مشابهة من قبل أي شخص في القيادة". 

وفي الوقت نفسه، يستمر تأثير بيلي،حيث ألقت في نيسان / أبريل 2017 كلمة في مؤتمر مع وزراء في حكومة الأسد (تحدثوا عن طريق الفيديو) بعنوان "الخوذ البيض: الحقيقة أو الخيال"، كان محورها حول الطلب المقدم لمجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة من قبل الحكومة الروسية "كدليل" مستخدم ضد الخوذ البيضاء.

وقال جيمس سادري، المدير التنفيذي للحملة السورية "إن هذه الوثائق التي تم تسريبها تقدم دليلا قاطعا على أن الحكومة الروسية تبذل كل ما في وسعها لرفع فانيسا بيلي باعتبارها لاعبا أساسيا في حملتها الدعائية" مضيفاً "لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد مدون لموقع truther تروثر 9/11 الذي زار سوريا للمرة الأولى في العام الماضي على محمل الجد كخبير محايد في الصراع". 

واتصلت الجارديان ببيلي عدة مرات بطلب التعليق ورفضت الرد على استفسارات محددة، واكتفت بالقول إن الأسئلة التي طرحت عليها كانت "عارا" لا تحتوي على "أي حقائق ذات صلة وتذكرنا بالاستجواب المكارثي".

كما اتصلت الجارديان مع إيفا بارتليت، التي قالت إنها "لم تكن مهتمة بالمشاركة في قضية سبق وأن قررت بالفعل" (وهي عبارة غريبة استخدمت لصحفي المقال).

بعد وقت قصير من طلبات التعليق، ظهرت بيلي على برنامج يوتوب لمدة 40 دقيقة، حيث ناقشت طلبات البريد الإلكتروني، الواردة من الجارديان.  حيث انتقدت تغطية صحيفة الجارديان لسوريا، مدعية أنها تنشر "تقارير مزيفة" تستد إلى لقطات قدمتها "فروع تابعة للقاعدة" أي الخوذ البيضاء. وقالت بيلى ان " الاغلبية تجمع" على ان الخوذ البيض كانوا منظمة محتالة ارهابية.

*عنوان المقال الأصلي: How Syria’s White Helmets became victims of an online propaganda machine

التعليقات (1)

    محمد المنصور

    ·منذ 6 سنوات 3 أشهر
    أصبحت الخوئي البيضاء مهمه جدا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات