وقودها الاقتصاد والسياسة.. هل تنجح المظاهرات في تقطيع أوصال نظام الملالي؟

وقودها الاقتصاد والسياسة.. هل تنجح المظاهرات في تقطيع أوصال نظام الملالي؟
شاءت الأقدار ألا يجد عام 2017 طريقه إلى الختام من دون اندلاع ملف جديد عنوانه الأبرز إيران، بنكهة مختلفة تختزل ملفاتها السابقة، وتستعيد من خلالها موجة الثورات، التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال السنوات السبع الماضية، "ألقها" في وجه نظام أقل ما يقال عنه إنه يستحق الثورة على رموزه، بعد أن أغرق البلاد في فوضى الحصار والانهيار الاقتصادي تحت غطاء التوسع الامبراطوري لحاكمي طهران.

بين تونس 2010 وطهران 2017

بعد نحو سبع سنوات بالتمام والكمال على "ثورة الياسمين" التونسية التي دشنت موجة الربيع العربي وما تلاها من ثورات، وصلت الاحتجاجات الشعبية إلى إيران، لتثبت من خلالها مقولتين أساسيتين: الأولى انتماء إيران بفضائها الجغرافي والسياسي لمنطقة الشرق الأوسط، وكونها "غير معصومة" عن زلزال الغضب الشعبي على سياسات حكامها ومغامراتهم التوسعية في المنطقة العربية، بعد أن تباهت طهران باحتلالها أربع عواصم عربية، ووصولها إلى المياه الدافئة مجدداً عبر الخط الواصل من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت، مع تعريجة خفية إلى صنعاء.

وثانيها: أن حراك الشعوب ضد أنظمتها المستبدة، هو "حراك صادق" و"مطلب شعبي" ضروري مهما كانت عواقب هذا الحراك ونتائجه، ومهما بلغت محاولات تغيير مساره عن المطالب الأساسية التي خرج لأجلها، فالاحتجاج على الظلم والاستبداد والمطالبة بحياة كريمة لائقة، وتخفيف القبضة الأمنية على المجتمع، مطالب لا يمكن بحال من الأحوال أن تموت أو تذوي، مهما كانت التضحيات المقدمة، وثورة الشعب السوري أبرز نموذج على ذلك.

اتساع أفقي وعمودي

تصاعدت المظاهرات في المدن الإيرانية لليوم الرابع على التوالي، ضد حكم الملالي في البلاد، فيما اتبعت قوات الأمن والباسيج، أساليب مماثلة اتبعها النظام في سوريا لقمع المظاهرات إبان اندلاع الثورة في 2011.

وانتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر اتساع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات في إيران حيث شملت مدن (قزوين- همدان- قوتشان- رشت- قم- الأحواز-ساري- زهدان- كرمنشاه-المحمرة).

وكان نائب محافظ طهران، أعلن (الجمعة)، أنه سيتم التعامل بحزم مع أي تجمعات غير مرخص لها في ساحات العاصمة طهران، بحسب موقع (RT) الروسي. وتأتي هذه الخطوة رداً على دعوات أطلقها نشطاء، للتظاهر والانتفاضة ضد السياسة الإيرانية.

وكانت أهم هذه الدعوات تلك التي وجهتها زعيمة المعارضة الإيرانية في المنفى "مريم رجوي" التي قالت إن "الحل الوحيد للخلاص من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية هو إسقاط نظام الملالي".

قوات الأمن وميليشيات الباسيج، هاجمت (السبت)، الطلبة والمحتجين في جامعة طهران، وذلك في اليوم الثالث من تصاعد التظاهرات في البلاد. ونشر ناشطون مقاطع وصوراً عبر مواقع التواصل تظهر عناصر الأمن وميليشيا "الباسيج" وهي تلقي القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، كما تنهال عليهم بالضرب بالعصي والهراوات لمحاولة تفريقهم، لاسيما الطلبة والمحتجين، الذين تجمعوا أمام مدخل جامعة طهران وساحة "انقلاب" وتقاطع "ولي عصر".

كما هتف الطلاب المحاصرون داخل جامعة طهران بشعارات "ارحل يا خامنئي" و"الموت للديكتاتور" و"لعبة الإصلاحيين والأصوليين انتهت"، وسط صراخ أحد الطلبة بأن الأمن بدأ يطلق الرصاص الحي نحو الشبان.

النظام يحشد ويكذب نفسه

ردود فعل نظام الملالي على المظاهرات تمثلت بداية بالاعتراف بشرعية احتجاج المحتجين ومطالبهم، من دون إغفال عنصر "الاندساس" بين صفوفهم من قبل قوى المؤامرة، في "استنساخ" لأسلوب تعامل نظام الأسد مع المتظاهرين بداية الثورة السورية.

وفيما ازدادت رقعة المظاهرات وتوسعت، حشد النظام أنصاره مجدداً في الذكرى الثامنة لاحتجاجات عام 2009، للمطالبة بمحاكمة رموز "الحركة الخضراء" (مير موسوي وأحمد خاتمي) التي اندلعت احتجاجاً على نتائج الانتخابات ووصول المحافظين بزعامة (أحمدي نجاد) إلى الحكم حينها، والتنديد بالمظاهرات الحالية، وجلّ هؤلاء المتظاهرين هم من أنصار التيار المحافظ، ما يدحض، من حيث لا يدري نظام الملالي، الرواية الرسمية التي ساقها النظام بأن تياراً سياسياً معيناً (هم المحافظون) من أشعل نار الاحتجاجات في وجه الرئيس "المعتدل" حسن روحاني، فكيف يكون "المحافظون" من أشعل الاحتجاجات ثم يهرعون إلى الشارع تأييداً للنظام في ذكرى أحداث 2009؟

لماذا ثار الإيرانيون؟

يعرف عن الشعب الإيراني "براغماتيته" المفرطة وحرصه التنعم بمستوى معيشي كريم، بعيداً عن الشعارات الإيديولجية التي يرفعها نظامه. وما وقوفه في الفترة السابقة إلى جانب نظام الملالي سوى رغبة منه في اغتنام العوائد المادية التي وعدها به نظام الملالي في أعقاب حقبة الشاه التي شهدت تراجعاً اقتصادياً نتيجة التجاذبات السياسية في البلاد حينها.

يقف العامل الاقتصادي حافزاً أساسياً وراء التظاهرات، إنما هذا لا يعني أنها غير سياسية أيضاً. فالارتفاع في نسب البطالة إلى ما فوق الـ12% هذا العام، والفساد المستشري وغلاء أسعار السلع الحياتية مثل المحروقات والمواد الغذائية، وضياع مدخرات آلاف الإيرانيين لدى شركات التوظيف المالي بسبب إغلاقها، فضلاً عن فرض ضرائب جديدة في الموازنة المالية للعام المقبل، وفشل الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب في تحرير أصول طهران لدى الغرب والتي تقدر بين 100-120 مليار دولار.

يواكب الانهيار الاقتصادي نقمة من المتظاهرين على صرف النظام الإيراني مئات ملايين الدولارات سنوياً لتعويم نظام الأسد، وتمويل ميليشيا حزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات المحسوبة على طهران في عدد من الدول العربية، والفساد الحالي لقيادات من ميليشيا الحرس الثوري وهيمنتها على مرافق الاقتصاد المتداعي أصلاً، منذ عام 1979.

هل تنجح؟

ينتاب كثير من المراقبين تساؤلات حول إمكانية استمرار هذه المظاهرات وتحولها إلى ثورة شعبية عارمة تطيح بنظام الملالي، ويرون في تجربة "الحركة الخضراء" عام 2009 نجاحاً لنظام الملالي في قمع أي تحرك شعبي بالحديد والنار.

ما يختلف في مظاهرات عام 2017 هو أن النقمة الشعبية متزايدة داخلياً، والصورة الإقليمية والدولية، خصوصاً في واشنطن تغيرت. فطهران تتصدر قائمة الدول المهددة لأمن الخليج. وهناك توافق عربي خليجي تحديداً على إدانة ممارساتها التوسعية والتخريبية ومحاصرته، لا كما كان الحال عليه عام 2009. 

كما جاء توسع إيران إلى هذا الحد في العراق وسوريا، والصعود السياسي والعسكري لميليشيا حزب الله في بيروت، ليزيد من نسبة القلق حول توسعها الامبراطوري، ونظر العالم إلى الدور الإيراني على أنه دور "تخريبي" و"توسعي" وبات يشكل عاملاً من عوامل عدم الاستقرار الأساسية في المنطقة، بينما كان المجتمع الدولي، وخاصة الغربي، يتعامل مع سياسات طهران بشيء من اللامبالاة والرضا الضمني لضبط أمور المنطقة.

أمريكياً، وضعت إدارة دونالد ترمب هدف التصدي لإيران نصب عينيها منذ وصولها إلى الرئاسة، والصقور المقتنعون بجدوى تغيير النظام في إيران تم تعيينهم لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية (مايكل بومبيو)، أو في مجلس الأمن القومي (هربرت ماكماستر)، أو حتى في الخارجية والأمم المتحدة، وحيث تنهال الانتقادات من "ريكس تيلرسون" و"نيكي هايلي" على النظام في إيران منذ توليهم المنصب.

وبحسب صحيفة الحياة، فإن المفارقة تكمن في تعامل إدارة أوباما عن إدارة ترمب مع الاحتجاجات الإيرانية ففيما "التزمت إدارة أوباما الصمت عند بداية التظاهرات في إيران في 2009، سارع ترمب إلى تبني نهج معاكس بإصدار كل من الخارجية والبيت الأبيض بيانات وتغريدات الجمعة تدعم التظاهرات والوصول سلمياً إلى مرحلة حكم انتقالي في إيران".

في المقابل، أعادت وكالة الـ سي.آي.أي ومديرها بومبيو إحياء غرف العمل على جس نبض نشاطات وتغيير النظام في إيران، وهو ما تحاشته إدارة أوباما. كل ذلك يسبق قراراً حاسماً لترمب خلال أسبوعين بفرض عقوبات جديدة على طهران توجه ضربة قاضية للاتفاق النووي، إلا في حال نجاح الكونغرس بتبني صيغة أفضل للاتفاق النووي الذي يعارضه ترمب. 

ظروف داخلية وإقليمية ودولية متغيرة ترشح المظاهرات الإيرانية للتوسع والتمدد، بسبب تغيير المزاج الدولي حيال مواقف طهران والرغبة في محاصرة دورها التخريبي في المنطقة، وإذا صدقت الأنباء عن بداية وقوع قتلى بين المتظاهرين في مواجهات مع قوى الأمن، فإن هذا سوف يسرّع من وتيرة الاحتجاجات، لتتحول إلى ثورة عارمة ضد نظام الملالي، لا سيما أن الاحتجاجات وصلت إلى نحو 70 مدينة إيرانية، في تكرار للسيناريو السوري الأكثر ترشيحاً للاقتباس في الحالة الإيرانية، وليذوق نظام الملالي في طهران من ذات الكأس التي أذاقها للشعب السوري عندما اصطف إلى جانب نظام الأسد منافحاً وداعماً!

QabL4RqHXc4

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات