هكذا وظّفت روسيا اتفاق "خفض التصعيد" لخدمة نظام الأسد

هكذا وظّفت روسيا اتفاق "خفض التصعيد" لخدمة نظام الأسد
تركت تجربة مناطق "خفض التصعيد" التي ضمنتها واتفقت عليها كل من (روسيا وتركيا وإيران) في الجولة الرابعة من مباحثات أستانا، أثراً كبيراً على واقع الثورة السورية، حيث غيّرت بشكل ملحوظ من أماكن التموضع العسكري لجميع القوى على الأرض. فكانت في ميزان النظام تجربة ناجحة بامتياز، إذ عبّدت موسكو للأسد الطريق عبر تجميد جبهات عدة ما جعله يعود بقوة إلى لعبة التوازنات العسكرية في الميدان، مستعيداً مساحات شاسعة أبرزها شرقي البلاد. 

تبريد الجبهات

في هذا السياق، قال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة لأورينت نت، إن مناطق "خفض التصعيد" أنشئت كمرحلة مؤقتة لتبريد الجبهات والانتقال بالعمل العسكري إلى مناطق يعتبرها الروس أكثر أهمية، موضحاً أن أهم إنجاز حققته هو التوسع شرقاً والوصول إلى البوكمال.

وأكد حمادة، أن "اتفاق خفض التصعيد" لم يشهد تطبيقاً فعلياً على الأرض وخاصة الجزء المتعلق بالوقف الكلي لإطلاق النار إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة وإيصال المساعدات.

وأوضح أن نظام الأسد والميليشيات الأجنبية لا يؤمنون أساساً بالحل السياسي، مشيراً إلى أن التهديد الذي أطلقه وزير خارجية النظام وليد المعلم بإنهاء العمل بالاتفاق بعد أن حقق مكاسب كبيرة على الأرض يؤكد أن النظام لا يفهم لغة الاتفاقات، وأنه يوظفها لأغراضه العسكرية، لذلك وجدناه يستعيد القابون وبرزة ووادي بردى وجبل الشيخ رغم وجود الاتفاق.

على الصعيد السياسي، أوضح حمادة أن الروس استطاعوا "إفشال عدة جولات من جنيف". مؤكداً أن موسكو لا يهمها جنيف لأن عيونها على مؤتمر سوتشي الذي تسعى من خلاله للإمساك بالملف السياسي بعد أن تم الإمساك به عبر أستانا لتمرير مخططاتها في إعادة إنتاج الأسد على أشلاء ضحايا الثورة السورية، بحسب تعبيره.

وختم بالقول: "إذا لم يكن هناك حلاً دولياً وفق القرارات ذات الصلة ورحيل الأسد فكل اجتماع أو اتفاق هو مضيعة للوقت واللعب على تمزيق الثورة واستنزافها".

كيف ينظر النظام للاتفاق؟

بعد مرور وقت قصير على البدء بتطبيق اتفاق "خفض التصعيد"، أطلق بشار الأسد تصريحات واضحة بخصوصه، أشار من خلالها إلى فهم نظامه الخاص بالاتفاق وآلية تطبيقه سواء في جنوب البلاد أو في الغوطة الشرقية المجاورة للعاصمة دمشق، أو ريف حمص الشمالي وصولاً إلى إدلب وحماة. 

واعتبر الأسد خلال حديثه للمرة الأولى عن اتفاق "خفض التصعيد" في آب/أغسطس الماضي، أنه "لا يختلف بالخطوط العريضة وبالجوهر عن كل المبادرات التي طرحت سابقاً بالنسبة إلى وقف الأعمال القتالية"، موضحاً أنها مؤقتة، وأن قواته والميليشيات المساندة لها ستتابع الأعمال القتالية، أو أن على فصائل المعارضة التي تقاتله أن تدخل في عملية مصالحة حصراً، مشيراً إلى أن ما دون ذلك لا يعتبر مقبولاً لنظامه.

وبدت رؤية نظام الأسد للاتفاق واضحة أكثر مع تلويح وزير الخارجية في حكومة الأسد وليد المعلم بالانسحاب منه. إذ هدد قبل نحو شهر في مقابلة لوكالة "سانا" أن نظامه سينسحب من اتفاق "خفض التصعيد" مبرراً ذلك بالقول إن "بقاء هذه المناطق (خفض التصعيد)، في وضعها الراهن، غير مقبول، في المرحلة القادمة... الهدف هو تطهير جميع الأراضي السورية من الإرهابيين" على حد زعمه.

خروقات لم تتوقف

ولد اتفاق "خفض التصعيد" ميتاً برأي المتابعين له، فخروقات النظام والميليشيات الأجنبية لوقف إطلاق النار هي سمة رئيسية في هذا الاتفاق، فلا يكاد يمر يوم إلا ويتم استهداف إحدى تلك المناطق برمايات المدفعية الثقيلة أو راجمات الصواريخ أو الطائرات بما فيها الروسية التي من المفترض أن تكون راعية للاتفاق.

وفي هذا الإطار، قال القائد الميداني في "جيش النصر" عبد المعين المصري إن "نظام الأسد لم يلتزم أبداً بالاتفاق بل على العكس تماماً كان مستمر في قصف المناطق المحررة وخاصة المناطق المدنية".

وأوضح أن الاتفاق مثّل فرصة ذهبية للنظام لكي يرتب صفوفه المنهارة بإشراف ودعم غير محدود من قبل روسيا والمليشيات الإيرانية التي جلبها النظام من كل أصقاع الأرض.

وأضاف المصري: "في المقابل تم تقليص الدعم لفصائل الثوار بحجة أن الأعمال القتالية ستنحسر بسبب اتفاق خفض التصعيد". مشيراً إلى أن هذا التقليص أثر سلباً على جبهات القتال التي أشعلها النظام لاحقاً مستفيداً من حالة الركود التي استمرت لشهور ما وضع الفصائل بحالة دفاع بعد أن كانت هي المهاجمة قبل الاتفاق.

وأشار إلى أن قصف الطيران الروسي يستهدف المناطق الخاضعة للاتفاق الذي ترعاه. وأنه يستهدف المدنيين موقعاً في صفوفهم عشرات الشهداء والجرحى كمجزرة جرجناز الشهر الماضي.

وأكد القيادي في "جيش النصر" أن روسيا تقدم الدعم الجوي لهجمات النظام المتكررة منذ أكثر من شهرين على ريفي إدلب وحماة، وأن دعمها ينصب بالدرجة الأولى في مصلحة الميليشيات الإيرانية على الأرض.

ما هو غرض موسكو؟

تقول تقارير صحفية غربية، إن الفترة التي سبقت إعلان اتفاق "خفض التصعيد" كانت صعبة بالنسبة لموسكو. حيث عمل المستشارون العسكريون الروس على إيجاد حل لمساعدة نظام الأسد وإيران للسيطرة على مزيد من الأراضي وآبار النفط وانتزاعها من داعش شرقي البلاد، والحدّ من تقدم ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.

إضافة إلى وضع سيناريو لمكافحة هيئة "تحرير الشام" غربي البلاد، وهذا يقتضي حشداً كبيراً من القوات.

ويبدو أن إجراءات موسكو المطبقة من خلال اتفاق "خفض التصعيد" تستند إلى حسابات طويلة الأمد. فهي تسعى إلى منع فصائل الثوار و"قسد" من قطف الثمار السياسية المولودة من السيطرة على مواقع التنظيم. لذلك أنشئت مناطق "خفض التصعيد" لمدة ستة أشهر، لتمنح موسكو والنظام ومن خلفه إيران، وقتاً كافياً لتبريد جبهات الثوار، وإعادة سيطرة النظام على المناطق المحررة تحت شعار المصالحات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات