لا تصلح الفيدرالية كحلّ توافقي في سورية .. إليك الأسباب

لا تصلح الفيدرالية كحلّ توافقي في سورية .. إليك الأسباب
الاتحادية (أو الفيدرالية): شكل من أشكال الحكم، تكون السلطات فيه مقسمة دستوريًا بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمدا أحدهما على الآخر، وتتقاسمان السيادة في الدولة، وهو فرصة جيدة للحكم الذاتي بين الأقاليم مع بقاء قوة كبرى جامعة ومنظمة لتفاصيل الأمن الوطني والسلم والحرب.

أول من نادى بالفيدرالية في سوريا صراحةً الأحزاب الانفصالية الكوردية، في ما يسمى كانتون الجزيرة السورية في الحسكة كونها تحوي خليطاً من الأقليات وبسبب الصلاحيات المفتوحة التي منحها الأسد لهذه الميليشيات، وما لبث أن تطور هذا المصطلح إلى وحدات إدارة ذاتية امتدّت إلى كوباني وبرزت في عفرين، ثم استفادت قوات سوريا الديمقراطية – أو ما يعرف اختصارًا باسم قسد – من الدعم الدولي لها في معركة الرقة ليرفعوا اسم روج آفا، وهو ما يعرف بغرب كوردستان، أي المنطقة الشمالية من سوريا.

ليس الأكراد وحدهم من تنادي بعض فئاتهم بالحكم الذاتي، إنّما ظهر هذا النمط من الحكم في السويداء، حيث أصبحت الإدارة الحقيقية لهذه المدينة موكلة لميليشيات درزية، وصارت أغلب القرارات التي يطبّقها نظام الأسد في المحافظات والمدن الخاضعة له لا تلقَ أذنًا صاغية في السويداء، كالتجنيد الإجباري الذي أصبح بالنسبة لهم أمرًا من الماضي، فلا يستطيع النظام سوق شاب درزي إلى خارج السويداء إجبارًا.

واليوم تخطط أمريكا لمثل هذا النوع من الحكم في المنطقة الشرقية، وخاصة الرقة ودير الزور والمناطق التي تغلب عليها العشائرية، وربّما ستفضي اجتماعات ولقاءات وتفاهمات سوتشي إلى تحوّل مناطق المعارضة إلى إدارات ذاتية، وخاصةً إدلب ودرعا، بالإضافة إلى المخطط الأمريكي لتدريب جيش مستقل من الميليشيات التابعة لها ينشط في المناطق التي انتزعتها من داعش بعد التحالف الدولي عليها.

للأمانة فإن المشروع الفيدرالي مشروع ناجح، وقد أثبت نجاحه في كثير من الدول المعاصرة والقديمة، ولكن المعضلة هنا أن تلك النماذج أخذت الشكل الفيدرالي لتوحدها، وليس لتقسيمها، أي أنها كانت ولايات أو دول أو أقاليم أو حكومات أياً تكن مستقلة عن بعضها، ثم فكّرت بالتوحّد مع بقاء خصوصية لكل منطقة، هذا المفهوم للفيدرالية مفهوم مقبول بل ومرحّب به.

ولذلك لا يعتبر صالحاً للتطبيق في سوريا، كون هذا البلد موحّدا سابقا، ولا توجد مناطق غير سورية سيتم إضافتها للجغرافية السورية، إنما هو نفس البلد ويريدون تقسيمه، وليس في سورية ولايات ممزقة تريد أن تتحد، وحتى إن أرادت الدول الكبرى تطبيق هذا الشكل في سوريا، فإنها مضطرة لفصل أجزاء من سوريا عن بعضها عشر سنوات، على الأقل ليخرج جيل يوحّد هذه الأقسام ضمن نظام فيدرالي، جيل ولد وكبر وسورية مقسّمة أما الجيل الذي عاش في سورية الموحدة كقطعة جغرافية واحدة لا يمكن أن يستسيغ التقسيم.

يضاف إلى أسباب استحالة تطبيق الفيدرالية في سوريا عدم ثقة المحافظات السوريّة بالقيادة المركزية التي تحاول دول العالم تثبيتها، وهي قيادة النظام المهترئة أو نسخة معدلّة قليلا عنها، وكذلك فقدان الجيش السوري صفته كجيش جامع لهذه الأرض وموحّدا للدفاع عنها، ولذلك فلا حلّ فيدرالي في سوريا، إنما الحل بإقصاء الطغمة الحاكمة وإعادة صياغة دستور شامل لسوريا بمثابة عقد اجتماعي جديد بين مكونات الشعب السوري، وحلّ الأجهزة الأمنية وبناء دولة مدنية جديدة، وأية صيغة أخرى هي صيغة فاشلة لا تقوم، ولا يمكن إن قامت أن تستمر.

التجربة الكردية للإدارة الذاتية والتي يعوّل عليها المجتمع الدولي لتعميمها في سوريّة أثبتت فشلها، وبعد ست سنوات من الحكم الذاتي تبيّن أنّ مثل هذه الأشكال من الحكم ستنتج أغلبيات مختلفة في كل منطقة، وكانتون الجزيرة الذي عانى فيه العرب من التحييد والإقصاء الذي مارسته أحزاب الانفصال الكردي مثال واضح وقد أثّر على الأكراد في المناطق الأخرى ورأينا بأم العين المعارك التي زُجّت بها القوة الشعبية الكردية منذ عام 2013 وحتى اليوم وما جنته من خراب للعلاقات الاجتماعية العربية الكردية، وكذلك الفتن التي ظهرت بين البدو والدروز في جنوب سوريا يوضّح المستقبل المجهول لأي ولاية فيدرالية متوقعة، والأخطر من ذلك، وأظنّه السبب الرئيس؛ لعدم جدّية الدول في تطبيق هذا الشكل من الحكم هو مستقبل الدولة العلوية أو الجزء العلوي من الدولة الفيدرالية، والتي ستكون معسكرا مفتوحا لاقتتال بين مافيات وعصابات الشبيحة، بعد أن تعود إلى الجبل والساحل وتنشغل ببعضها البعض.

لا مستقبل لحلّ في سوريا إلا حلا موحّدا لكلّ التراب السوري، وهذا ليس شعارا، أو أقوالا وطنية، إنما هو واقعٌ آمنت به كثير من الدول الداعمة لأطراف الصراع في سوريا، وهو ما ستؤمن به روسيا قريبا، وستفرز بناءً عليه حلا حقيقيا يثبت هزيمتها ورضوخها لأرض سوريا العصيّة على التقسيم.

التعليقات (16)

    ابو عدي

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    اي حل يصير هو حل يخلصنا من هالورطة

    حسن

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    اختلف مع كاتب المقال...مانحتاجه في سورية هو التخلص من الانفراد بادارات المحافظات..الذي ولد الفساد والمظالم..اما الوطنية السورية فلا اختلاف عليها..اطلاقا..لذلك فالحل الفيدرالي هو الاصح...فقط سيكون نموذج فيدرالي سوري خاص لا ينطبق مع نماذج الفيدراليات السائدة تماما..اي انه الحل السياسي والاجتماعي والاداري والاقتصادي...يجب الانطلاق من الواقع الحالي..اي حل تكون فيه السلطة واحدة لن يكون ناجحا..انما يجب ان يحس المواطن بانه هناك تغيير لصالحه..في دير الزور..او درعا او القامشلي...الخ...

    احمد بكور

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    المقال جيد وواقعي..

    احمد بكور

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    فعلا.انا معك..

    جنيد

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    لافيدراليه ولا اكل هو،الدول تحاول تتحد لتصبح قويه،المشكله في سوريا ان العصابه الحاكمه بهدلت الدنيا،اهمها الوحيد هو حفاظ العائله الحاكمه على الكرسي،شعار الدوله كان اعمل ماتشاء بس لاتقرب على ال الاسد،فكثرالحراميه والمجرمين والرشوه ووو.

    Mouhamed

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    اكثر من يريد الفدرالية في سوريا هم الكرد .وهدفهم هو الاستقلال فيما بعد وليس الفدرالية فلماذا الكذب والادعاء بان الفدرالية هي الهدف وليس اكثر .اذا كانت الفدرالية هدفهم لماذا طردوا العرب من المناطق التي احتلتها ميليشاتهم العنصرية الانفصالية؟

    احمد محمود محمد

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    يقسموها يوحدوها المهم وقف نزيف الدم في هذا البلد

    حسن

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    الماضي مرآة المستقبل..اصلا عصر الانقلابات خير دليل على ان الحكم المركزي لم يكن ناجحا سابقا فكيف يكون ناجحا اليوم امام هذه التركة الفظيعة من الخراب والفساد وانتشار السلاح...الخ..لذلك الحل الفيدرالي بلباس وطابع سوري..هو الحل

    ابن الفرات الجريح

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    الله يفرجها على عبادة

    انور قسام

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    تحليل من الواقع السوري يستحق القراءة كل التحية والاحترام

    وحيدد

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    شكرا لعدم النشر .. لأننا نؤمن حقا بأن الجميع ساهم في سفك دماءنا كل حسب تخصصه وعمالته.

    ديلوفان

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    كلامك غير منطقي

    جوان

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    الفدرالية.نظام اتحادي لامركزي.والفدرالية انواع.الجغرافية.والسياسية الواقع السوري وما جرى خلال الاعوام السابقة واقع مرير ومؤلم بالنسبة لجميع السورين معارضة وموالاة.الواقع الحالي لسورية هناك فدرالية في اغلب المناطق ..الجزيرة في شمال سورية.والسويداء في الجنوب.وادلب وبعض مناطق حلب وكذلك درعا....لذلك من الصعوبة ان يحكم رئيس يدير الحكم من دمشق لعدم ثقة الطوائف والاثنيات والعرقيات بعضها ببعض فالأفضل نظام لامركزي ضمن جغرافية الوطن السوري

    جوان

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    الكرد لم يطردو الاخوة العرب ولا السريان.هذا الكلام عار عن الصحة وبدليل نصف قوات سورية الديمقراطية من الأخوة العرب وهم اصلاء في المنطقة وكرامتهم محفوظة قاتلوا داعش بكل بسالة وشجاعة.. ومنهم مئاة الشهداء

    ابن البلد الشامخ

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    سوريا ارض الله وليست لاحد ومهما طالت اقامة المجرمين فسيبعدهم الله منها دماء كثيرة سالت واكثرهم من اهل السنة ونحن نريد ان يحكمنا رجل عادل من جلدتنا من اهل السنة ولا نريد كرديا ولا علويا ولا درزيا فهم يقولون لا طائفية ولا عنصرية وقد رأيناها بأم اعيننا فنريد ان يحكمنا رجل من ملتنا ويكون عادلا واما الفيدرالية فمشروع تطبل له امريكا وروسيا حتى نكون تبعا لهم والله فعال لما يريد هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل اللذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط وامريكا وروسيا تأمر لمصالحها

    ابن السويداء

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    قد يكون كلام الكاتب به صحة و لكن بضل الوضع الحاضر فأنا أقبل بالفيدرالية و ألف فيدرالية أفضل من حكم الأسد و لو يسال اهل درعا المحاصرة الآن هل تقبلون فيدرالية مع السويداء و القنيطرة كإقليم جنوبي و لكم ادارة ذاتية منفصلة أو حكم الأسد و ايران فسيعرف الجواب

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات