جلال دمير.. التركي الذي كتب عن السوريين "حتى الفراشات تبكي"

جلال دمير.. التركي الذي كتب عن السوريين "حتى الفراشات تبكي"
يقول الكاتب التركي (جلال دمير) عن روايته "حتى الفراشات تبكي" إنها تحكي عن ظلم تعرض ويتعرض له الشعب السوري "ظلم عمره أكثر من ٥٠ عاماً، شاخ من عاشوه وهو لم يشخ، مات من كابدوه وهو لا يزال حيا بأبشع وجه له حتى الآن في سوريا".

تقدم رواية "حتى الفراشات تبكي" رؤية ورواية كاتب تركي لأحداث الثورة السورية كما سمعها من فم من عاشوها ورأى فصولها تباعاً في دموعهم وآلامهم، في تجربة انسانية نادرة عاشها الكاتب بحكم عمله كمدير لمخيم اللاجئين السوريين في مدينة نزيب بتركيا.

موقع "أورينت نت" التقى (جلال دمير) للحديث عن روايته وعن تجربته الشخصية مع السوريين الهاربين من صواريخ الأسد وبراميله المتفجرة.

ما الذي دفعك لكتابة (حتى الفراشات تبكي) وكيف خطرت ببالك فكرة الكتاب؟

من أبرز الطرق للنهضة العلمية والثقافية والفكرية هو انتشار قراءة الكتب والدراسات العلمية، فالكتاب هو أحد أهم وسائل التعبير الفكري وإيصال الفكر إلى المجتمع بأسره. 

طبعاً هناك أسباب أساسية دفعتني الى كتابة هذا الكتاب:

أولاً: منذ بداية الأحداث حتى اليوم كانت طبيعة عملي الوظيفي على تماس مباشر مع الأخوة السوريين فتعرفت والتقيت مع الآلاف منهم وشاهدت العديد من مشاكلهم، فجاء كتابي "حتى الفراشات تبكي" جواباً لجميع ما شاهدت من المشاكل العامة بخصوص المجتمع.

ثانياً: أردت أن أوصل رسالةً إلى الشعب السوري والتركي على حدّ سواء، فلم أجد طريقاً أشمل وأجدى من تأليف كتاب يصب في هذا المضمار. 

ثالثاً: نحن كشاهدين على الأحداث والتي هي من يشكل التاريخ أردت ان أنقل ما جرى وأن أضع بصمتي في هذا التاريخ كي أنقل صورةً حقيقةً عما جرى، فلم أجد طريقاً أنجع من الكتابة.

نتيجة للأسباب الآنفة الذكر توفرت لدي رغبة شديدة بالكتابة، والتي كانت بالبداية هي عبارة عن ملاحظات ومدونات فردية في مدونتي الخاصة إلى أن تبلورت الفكرة فيما بعد بكتابة كتاب تحت مسمى (حتى الفراشات تبكي).

حدّثنا عن موضوع الكتاب؟

"بعض الآلام خرساء يعجز عن وصفها اللسان وتذهل بذكرها الأذهان

بعض الآلام لا تحكى ولا توصف فقط تعاش ونحس بها بمفردنا  

لا تتسع الأبجدية لوصفها ولكنها تتخذ من القلوب مسكناً لها 

كيف إذا كانت تلك الآلام يتألم الألمُ من ألمها ؟ 

فلا يمكن وصف هذه الآلام إلا من خلال المرور بها والإحساس بها أو معايشة من عاشوا هذه الآلام"

يأتي كتابي "حتى الفراشات تبكي" لوصف جرعات الألم التي تجرّعها الإنسان السوري وذلك بعد تجربتي في إدارة المخيمات، وكوني شاهداً على حال ملايين من عاشوا هذا الألم، لامستُ المهم بقلمي لأوصله لكم بكتاب.

"حتى الفراشات تبكي" يحكي عن الظلم الذي كان يمارسه الأسد الأب، وتبناه فيما بعد ابنه بشار الأسد. 

هذا الظلم قارب عمره ٥٠ عاماً، وشاخ من عاصروه وهو لم يشخ، ومات من كابدوه وهو لا يزال حياً بأبشع وجهٍ له متمثلا بالحرب الدائرة بسوريا.

كتاب "حتى الفراشات تبكي" هو وثيقة تاريخيّة تؤرِّخ ما عاشه الشعب السوري منذ مجزرة حماة في الثمانينات مروراً بفظائع سجن تدمر وآلام المعتقلين في زمن الأسد الأب وانتهاءً بمجازر الأسد الابن، والحرب التي يشنها الآن على الشعب الأعزل.

الكتاب هو تاريخُ الآباء وذكرى الشباب، وهو تسليط للضوء على الظلم السائد في سوريا والذي مارسته عائلة الأسد.

خلاصةُ القول: إنَّ الكتاب يصف ما عاناه الشعب السوري من ظلم في السابق والحاضر، ويتحدث عن اندلاع شرارة الثورة السلمية وتظاهر الناس بالشوارع، والرد عليهم بالرصاص والنار لإخماد صوت الحق.  

ويتكلم الكتاب عن معاناة السوريين في اللجوء والبحث عن ملاذ آمن واحتمائهم بدول الجوار عسى أن يجدوا مكان آمنا ًيخلصهم من آلة الإجرام الأسدية، هذا ما سوف تجدونه في كتابي.

  ما هي الرسالة التي تهدف إلى إيصالها من خلال هذا الكتاب؟

طبعاً هناك عدة أهداف لهذا الكتاب، حيث تتفاوت هذه الأهداف من حيث الأهمية، إلا أن الهدف الأساسي هو تسليط الضوء على القضية السورية ومعاناة الشعب السوري، والرفض القاطع للظلم والقتل الوحشي من قبل آل الأسد.  

من الأهداف المنشودة أيضاً إيصال رسالتين الأولى إلى الشعب التركي، والثانية إلى الشعب السوري. 

 الرسالة التي أريد أن أوصلها للشعب التركي هي: 

من المعروف أن الشعب التركي ومنذ بداية الثورة السورية وازدياد موجة اللجوء إلى تركيا لم يدخر جهدا في مد يد العون والمساعدة للأخوة السوريين، وقد لبوا النداء مسرعين وقدموا كل ما بوسعهم أن يقدموه لتخفيف وطأة الحرب والنزوح.

إلا أننا اليوم نشاهد عكس ذلك تقريبا حيث أصاب الشعب التركي نوع من الصدود والفتور، حتى أننا بتنا نسمع أحياناً بعض الأتراك وقد تكونت لديهم فكرة مفادها أن السوريين قد فروا من الحرب وتركوا بلادهم للأجانب وأصبحوا عبئا علينا، يقاسموننا أرزاقنا، كما ساهموا في رفع مستوى البطالة عند المواطنين الأتراك ناهيك عن الفوضى والعشوائية التي يمارسها بعض السوريين، طبعاً الكلام ليس عن عموم السوريين وإنما عن شريحة من المجتمع السوري. وأنا بدوري أردت أن أصحح الأفكار وأن أزيل الغموض لدى بعض أبناء الشعب التركي من خلال ردم الهوة الحاصلة لديهم وأن أعكس صورة حقيقة للقضية السورية ومدى الظلم الذي مورس عليهم وأن  أبين السبب الرئيسي لهجرتهم إلى تركيا، وقد هجروا قسرا رغما عن أنوفهم نتيجة الإجرام والبطش  الوحشيين.

هذا كله وأكثر دفعني لأن أكتب عن معاناة الشعب السوري في الحرب الدائرة الآن والظلم الذي تذوقوا طعمه على مدى ٤٠ عاما، بدءا من مجزرة حماة والظلم في أروقة سجن تدمر وانتهاء بالثورة السورية اليتيمة، والسبب الحقيقي الذي جعل من السوريين لاجئين في دول الجوار وفي تركيا.

أما رسالتي الى الشعب السوري:

في هذا السياق علينا أن نذكر ونقدم بعض الإحصائيات أولاً:

عدد اللاجئين في تركيا: 4 مليون تقريبا ً

الولادات في تركيا: 224.750

 عدد الشهداء في الثورة السورية: 1 مليون تقريباً

نسبة أعمار الشهداء"1مليون": %46 منهم أعمارهم 18 سنة وما دون.  

 تخيل شعباً تعرض للظلم بكل أنواعه، تخيل شعباً فقد وطنه وماله ووظيفته، تخيل شعباً ابتعد عن القراءة والمطالعة والدراسة، تخيل شعباً فقد 1 مليون إنسان لأجل قضية ٍ ما. الأجيال القادمة سوف تدفع ثمن هذا كله، فرسالتي هذه للأجيال القادمة علها أن تجد آذاناً صاغية ليجددوا العزم والعمل الدؤوب المتواصل للوصول إلى بر الأمان وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الوحشية. 

 كما أسعى من خلال كتابي إلى تسهيل اندماج الشعب السوري بالمجتمع التركي. 

 

قلت إنك ذهبت إلى داخل سوريا بعد الثورة بحكم عملك مع منظمة "اي ها ها" حدثنا عن مشاهداتك فيها؟

نعم صحيح لقد زرت سوريا عدة مرات بعد الثورة، واعتقد أن ّما يجري منذ سبع سنوات في سوريا ليس امتحاناً للشعب السوري فحسب بل هو امتحان للإنسانية جمعاء. 

هذه هي قراءتي لملف قيضة السوريين.، فحينما زرت سوريا أيقنت أن المجتمع الدولي بأسره قد رسب في امتحان الإنسانية، وقد تولد لدي شعور حينئذٍ أكاد لا أجد له تعريفاً، أقل ما يمكن أن أصفه به هو حزنٌ مبكٍ.

ففي أولى زياراتي إلى الأراضي السورية نزلت من السيارة ووضعت قدمي على الأرض بجانب الطريق الرئيسي، وملأت كفي بالتراب وأنا أنظر إليه نظراتٍ حانية، وحينئذٍ عادت بي الذاكرة إلى العديد من القصص التي شاهدتها وسمعتها ممن التقيت بهم في المخيم وغيره. 

هنا تبادر إلى ذهني سؤال وقد ردّدته بصوت خافت تتخلله شطحات خيال: أيها التراب كم أنت غالٍ؟ وكم استشهد أناسٌ من أجلك؟ وكم أتعبت أهلك؟  

في الحقيقة تولد لدي إحساسٌ غريب جراء ما شاهدته من دمار وحين وصولي إلى مدينة جرابلس، لاحظت نظرات الناس التشاؤمية والسوداوية للحياة جراء ما تعرضوا له من قصف ودمار، كما أن نظرات عيون الاطفال كان مثيرة جداً وكأن هذه النظرات تناديك، صعوبة العيش وضعف الإمكانيات تطغى على الموقف.. هذا ما شاهدته في سوريا.  

ما الذي يجب على السوريين فعله برأيك لشرح قضيتهم للشعب التركي؟

هذه النقطة في غاية الأهمية حتى تتوضح الصورة للجميع ولكي تتكوّن صورة حقيقة عن معاناة الشعب السوري وحجم البطش والقوة التي وقعت على كاهلهم ولتبيان سبب نزوحهم ولجوئهم إلى دول الجوار. 

أيضا في هذا الصدد ينبغي على السوريين المتواجدين على الأراضي التركية العمل بشكل جدي ودؤوب واستخدام العديد من الطرق والوسائل لتقريب الصورة للشعب التركي، ورأب الصدع الحاصل وكشف الصورة الضبابية لدى الأتراك، وإظهار أن من يقوم بأعمال شغب وفوضى وحركات منافية للأخلاق الفاضلة هم قلة قليلة والشعب السوري منهم براء، والمطالبة بمحاسبتهم محاسبة عادلة. 

ولتحقيق ما تم ذكره يجب على السوريين أولا إتقان اللغة التركية التي هي العامل الأهم والأساسي للتفاهم بين الشعوب ولتحقيق الإدماج الصحيح بالمجتمع التركي.

أيضا بإمكان السوريين تأليف الكتب باللغة التركية لنقل الصورة الحقيقية لمأساتهم، ومن العوامل المهمة أيضا النشر بالصحف والمجلات التركية الرسمية. 

كما يمكن إقامة لقاءات تلفزيونية وتفعيل وسائل التواصل الاجتماعي والحوارات واللقاءات حول الوضع السوري التركي. 

بالإضافة لتفعيل دور الجالية السورية في تركيا لتأخذ دورها الحقيقي في إيصال الصوت السوري للجهات المعنية.

أخيرا وليس آخراً نسأل الله العلي القدير أن يفرج عن المسلمين ما أهمهم وأغمهم، وأن يدبر لنا أمورنا فإننا لا نحسن التدبير، سائلين المولى أن يرد المهجرين إلى ديارهم سالمين غانمين، ونحن مازلنا على الوعد (نحن الأنصار والشعب السوري هم المهاجرون).

**جلال دمير 

ولد في تركيا ولاية ماردين مدينة مديات في عام 1977 درس المرحلة الابتدائية في ماردين والاعدادية والثانوية في ولاية غازي عنتاب كما تلقي العلوم الشرعية وعلم النحو والصرف والبلاغة والبيان والادب في اللغة العربية علي يد كبار العلماء. وباشر عمله كموظف حكومي عام 2007 في ولاية غزي عنتاب. وله كتابات في العديد من المجلات والصحف الرسمية وكان رئيسا للتحرير في مجلة "سرنجما" الادبية في اللغة التركية. 

من مؤلفاته في اللغة التركية: "الصلاة سؤال وجواب "، "المعلومات الدينية التطبيقية للأطفال"، "كتابات من الشارع"، "المرأة المكسورة".

وترجم الكاتب جلال دمير العديد من المقالات والكتابات من اللغة العربية والعثمانية والكردية الي اللغة التركية. وحاليا هو مدير لمخيم اللاجئين السوريين في مدينة نزيب بتركيا. يتقن اللغة العربية والكردية والعثمانية والفارسية والتركية.

التعليقات (2)

    عبدالرحمن لحموني

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نشكر الاستاذ جلال دمير على هذا التقييم الذي قمت به من وصف الشعب السوري المظلوم وما اوضحت به هذا هو الواقع ونحن نقدم الشكر على اهتمامكم ولكم جزيل الشكر وجزاكم الله الخير

    Abdalrzakjpari

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    نشكر كل من تعاطف مع الثورة السورية ومظلوميّتها شكراً لك إستاذ جلال دمير
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات