هآرتس: مصير الأسد رهن إشارة نتنياهو

هآرتس: مصير الأسد رهن إشارة نتنياهو
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقرير لها عن المعضلة التي تواجه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في سوريا في السعي منه لمحاولة فرض توازن قوى بين إسرائيل وإيران مع الحفاظ على المكتسبات التي حققها في دعم النظام.

وتشير الصحيفة إلى الاعتقاد الذي راود (بوتين)، بإمكانية النجاح حيث فشل الرئيس الأميركي (باراك أوباما) في ذلك الوقت. حيث أعتقد أنه بإمكانه، إحلال السلام في سوريا، وإنقاذ نظام (بشار الأسد) وتحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة لإيران وإسرائيل، باستثمار صغير نسبياً. 

بالنسبة (لبوتين) فإن نشر العشرات من الطائرات مع 2,000 مقاتل، وبمقارنتها مع حملات الأجنبية الأخرى، تعتبر هذه الحملة ذات تكلفة رخيصة جداً. فضمن مهمات مماثلة كهذه، كانت الولايات المتحدة ستعمد إلى تجهيز قوة أكبر بعشرة أضعاف، تضم مجموعة من حاملات الطائرات ومئات الطائرات المقاتلة والناقلات الجوية وطائرات الحرب الإلكترونية، ماعدا طبعا عن القوات التي ستقوم بنشرها على الأرض.

روسيا، وبحسب الصحيفة، اعتمدت على القوة التي توفرها إيران، والتي قامت بنشر الآلاف من المرتزقة الشيعة، ولا سيما اللاجئين من أفغانستان، لدعم كتائب (الأسد) الفاشلة. يضاف إلى ذلك، مقاتلو "حزب الله" لتنفيذ العمليات الأكثر صعوبة. ما أضافته روسيا، هو فرق صغير، متمثل بالقوات الخاصة، وعندما احتاج الأمر إلى المزيد من القوة، استخدمت قوات من المرتزقة الروس.

بدا استثمار (بوتين) صغيرا نسبيا مع عدد قليل من الضحايا على عكس ما توقعه البعض قبل عامين، على أنه إعادة للاحتلال الكارثي الذي قام به الاتحاد السوفياتي لأفغانستان في الثمانينات.

وتضيف الصحيفة، أن التوقيت كان مثالياً، حيث تم الاستفادة من الفراغ الذي خلفه قرار (أوباما) بعدم التدخل في سوريا، الأمر الذي مكن (بوتين) من وضع روسيا مرة أخرى على الخريطة الجيوسياسية. حيث قام بزيارة مفاجئة لدمشق في كانون الأول لإعلان: إتمام المهمة. وكان حرياً به التعلم من الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش)، لا تقل إن المهمة قد تمت. لأنه الآن، يبدو أن كل شيء ينهار بالنسبة لروسيا.

علامات الانهيار

وتورد الصحيفة فشل مؤتمر سوتشي الشهر الماضي، بعد أن فشل الاتفاق على البدء في عملية سياسية في ظل وجود (الأسد)، بالإضافة إلى شن تركيا عملية توغل واسعة النطاق في شمال غرب سوريا، في محاولة لوضع حد لما يسمى بـ "وحدات حماية الشعب". وفي الوقت نفسه، يتصارع الأتراك مع الإيرانيين، أما في يوم الإثنين الماضي، أصبح الصراع مع قوات النظام أيضا.

وما يقلق روسيا أكثر، هو شرق البلاد. حيث إن القوات الكردية المسماة "قسد"-  والتي تضم عناصر من القوات العربية والتركمانية والآشورية والأرمنية - توسع سيطرتها على المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية". ومن خلال الدعم الأمريكي الذي تتلقاه، تتحول هذه القوات إلى لاعب وحيد في سوريا، على حد تعبير الصحيفة، مشيرة إلى الاشتباك الذي وقع منذ 10 أيام بين هذه القوات وقوات النظام التي تعمل مع المرتزقة الروس، والذي قوبل من الولايات المتحدة بضربات جوية مدمرة. حيث لم يعترف الكرملين، إلى حد الآن، بوقوع أي إصابات، إلا أن تقارير غير رسمية من روسيا تدعي أن ما لا يقل عن 200 من المرتزقة الروس قد قتلوا أثناء الاشتباكات. تلى ذلك، أول مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.

وترى الصحيفة، أن الجبهة التركية أقل قلقا بالنسبة (لبوتين)، لأنها لا تهدد مباشرة مصالح روسيا الرئيسية. حيث تعتبر الاشتباكات في شمال شرق سوريا مشكلة أكبر بكثير. بعد أن أرسلت توابيت تحمل قتلى روس إلى أرضهم الأم، وهو آخر ما يحتاجه بوتين قبل الانتخابات الرئاسية المتوقع حدوثها في منتصف آذار. 

وتشير الصحيفة إلى أنه وفي الوقت الراهن على الأقل، لن تضع الجبهة الإسرائيلية - الإيرانية الروس في خط النار مباشرة. إلا أن مواجهات من هذا النوع تشكل تهديدا أكبر بكثير على نظام (الأسد) نفسه. فدمشق قريبة جداً من الحدود الإسرائيلية و(الأسد) بتشجيع إيراني، يحاول أن يؤكد نفسه بإطلاق صواريخ مضادة للطائرات تستهدف الطيران الإسرائيلي.

انتهاء فعالية الصفقة الروسية - الإسرائيلية

وبحسب الصحيفة، فعلى مدى العامين ونصف العام الماضيين، كانت الصفقة بين إسرائيل وروسيا بسيطة، تسمح إسرائيل بروسيا بتزويد جيش (الأسد) ومساعدة النظام- من خلال القصف الجوي للمناطق التي يسيطر عليها الثوار، والقتل العشوائي لآلاف المدنيين - لاستعادة مساحات واسعة من منطقة. وفي الوقت نفسه، تغض روسيا الطرف عن الضربات الإسرائيلية المستمرة على قوافل ومستودعات الأسلحة الإيرانية والمتجهة إلى "حزب الله". تعاونت روسيا مع إيران في إحياء النظام، في حين لم تتدخل عندما استهدفت إسرائيل وكلاء إيران.

وتشير الصحيفة، إلى أنه عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) من روسيا التدخل لمنع القوات الإيرانية من بناء قواعد دائمة على الأراضي السورية، حاول (بوتين) التوصل إلى تسوية ترضي الطرفين. تكمل إيران ترسيخ ميليشياتها الشيعية، ولكنها في الوقت نفسه لا تقترب جداً من الحدود الإسرائيلية أو تقوم بناء قواعد عسكرية كبيرة.

إلا أن هذا التوازن لم يستمر. بعد أن عزمت قوات "الحرس الثوري الإيرني" على إرسال طائرة بدون طيار إلى المجال الجوي الإسرائيلي في الساعات الأولى من يوم السبت 10 شباط، والذي تلاه انتقام إسرائيلي من وحدة القيادة الإيرانية التي أطلقت الطائرات بدون طيار وما أعقب ذلك من معركة جوية بين الطائرات المقاتلة الإسرائيلية وبطاريات الدفاع الجوي السوري، الأمر الذي يدل على أن روسيا لم تعد قادرة على احتواء مصالح جميع الأطراف المختلفة داخل سوريا.

صعوبة في ملء الفراغ الأمريكي 

إدارة مسارات السياسية في الشرق الأوسط، والانخراط في وقت واحد مع جميع اللاعبين الإقليميين يستغرق وقتا وموارد والأهم من كل ذلك، تضيف الصحيفة، وجود الخبرة. وإلى وقت قريب، كان لدى الولايات المتحدة مجموعة من الدبلوماسيين والضباط والأمنين المخضرمين، الذي أمضوا أوقات كبيرة واتصالات واسعة في المنطقة للحفاظ على هذه العملية المعقدة.

في ظل الرئيس (ترامب) ترك العديد من هؤلاء المهنيين الإدارة، وليس هناك اتجاه واضح من البيت الأبيض تجاه أولئك المتبقين. وتشير الصحيفة، إلى إن عدم وجود حقيقي للولايات المتحدة، وغياب سياساتها، لا يعني أن شخصا آخر يمكن أن يأتي ببساطة ويتولى دورها التقليدي.

ليس فقط أن الكرملين، والذي لا يمتلك أي شبكة مماثلة من هذا النوع، بل (بوتين) وطريقته المركزية في إدارة الأعمال والتي تعني أن كل قراراً يجب أن يمر بموسكو. وهذا الأمر لا يساعد روسيا على إدارة الأحداث المتعاظمة على الأرض بقدر ما تفيد (نتنياهو) والذي يعد حاليا اللاعب الإقليمي صاحب أفضل علاقة شخصية مع (بوتين).

مصير الأسد رهن إشارة نتنياهو

وتشير الصحيفة، إلى وجود اتجاهين داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي. حيث يعتقد المشككون أن (بوتين) لن يتخلى عن المقاتلين الشيعية المتواجدين على الأرض. وسيحد في نهاية المطاف من حرية إسرائيل في العمل فوق الأجواء السورية، مما سيدفع بإسرائيل إلى اتخاذ خيار صعب بين الجلوس على الهامش وترك إيران و"حزب الله" يبنون قواعد عسكرية لهم أو مواجهة روسيا أيضا. أما المتفائلون، فهم على اعتقاد أن (بوتين) على علم بقدرة إسرائيل على تعريض إنجازاته للخطر وتهديد نظام (الأسد)، الأمر الذي سيدفعه إلى إعاقة الإيرانيين. 

يعمل فريق (نتنياهو) بشكل وثيق مع الرئيس الروسي منذ سنوات، ويتحدث الرئيسان بانتظام على الهاتف ويلتقيان كل بضعة أشهر. إلا أن السؤال، بحسب الصحيفة، عندما يلتقي كلاً من (بوتين) و(نتنياهو) بصحبة، (زئيف إلكين) العضو في الكنيست عن حزب ليكود، والذي يقوم بالترجمة، هل يهدد (نتنياهو) علنا بزعزعة نظام (الأسد)؟  تقول الصحيفة على الأغلب لا. فالتهديد الضمني كاف. 

لذا سيتعين على (بوتين) أن يتخذ قراره، أما إيران أو إسرائيل أو أنه يخاطر بفقدان كل ما استثمره في سوريا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات