الانتخابات النيابية بوابة "حزب الله" لإعادة وصاية الأسد على لبنان

الانتخابات النيابية بوابة "حزب الله" لإعادة وصاية الأسد على لبنان
في 26 نيسان 2005 أسدل الستار على وجود نظام الأسد في لبنان وخرج آخر جندي من قواته عبر بوابة المصنع الحدودية؛ إلا إن النظام والذي لطالما اعتبر لبنان "حديقته الخلفية" ومسرحاً لتوجيه رسائله السياسية والأمنية بكل الاتجاهات، يحاول الولوج مجدداً إلى الساحة اللبنانية بأشكال وأساليب متعددة.

ويسعى نظام الأسد الدخول إلى البرلمان اللبناني من "النافذة الإيرانية" عبر لوائح ميليشيا "حزب الله" كـ "عربون" شكر إيراني لبشار ثمن ما سلمه لنظام وميليشيات الولي الفقيه و"حزب الله" من نفوذ واسع في سوريا، يبدأ بالقصير مروراً ببادية الشام إلى البوكمال الحدودية مع العراق، مؤمّناّ بذلك التواصل البري لطهران إلى سواحل المتوسط.

فيتو طائفي

وبحسب محللين فإن "حزب الله" يخوض الانتخابات في مرحلة تعتبر مصيرية له مع ما تشهده المنطقة من تحولات إقليمية ودولية "تسير بما لا تشتهي مراكب الحرس الثوري الإيراني" حيث تحاول الميليشيا اللبنانية بـ "خطوات استراتيجية استباقية" التموضع والاحتماء داخل أسوار البرلمان والحصول على أكبر كتلة نيابية ممكنة تضم "النواب الشيعة" جميعاً وعددهم 27 نائباً، اضافة الى محاولته الحصول على 8 نواب سنة و8 نواب مسيحيين، وبالتالي يحصل على 43 نائباً (أي ثلث مقاعد المجلس النيابي) المؤلف من 128 نائباً، الأمر الذي يخدمه بإسقاط "النصاب" ومنع تشريع قوانين قد لا تكون لصالحه، عد عن امتلاكه مع حركة أمل "الفيتو الطائفي" كون النواب الشيعة جميعاً.

ويؤكد المحللون، أنه "وبهدف إنجاح خطته هذه عمد حزب الله إلى اعتماد التحريض المذهبي واستخدام المصطلحات الراديكالية المتطرفة في خطابه السياسي لاستنهاض بيئته المرهقة والمتململة من انخراطه في القتال إلى جانب نظام الأسد، وتدخله بالشؤون العربية من الخليج وصولاً إلى ما كشفت عنه موخراً السلطات المغربية بتقديم الدعم والمساعدة لمليشيات البوليساريو الانقلابية تنفيذاً لرغبات الحرس الثوري الايراني. 

كذلك عمدت ميليشيا "حزب الله" على استحضار شخصيات من الحقبات الماضية، عرفت بتبعيتها المباشرة لنظام بشار الاسد، مستفيدةً من القانون الانتخابي الجديد، والذي فتح الطريق أمام شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية موالية لنظام الأسد، لدخول الندوة البرلمانية من الباب الواسع، باعتبار أن ما عجز عن تحقيقه هؤلاء، منذ خروج نظام الوصاية من لبنان، قدّمه لهم طابخو القانون النسبي على طبق من فضّة، طامحين لقلب الأكثرية النيابية المطلقة لصالح ما يسمّى بـ "محور الممانعة والمقاومة" التابع لإيران.

أدوات الأسد التقليدية

وفِي مراقبة سريعة للوائح "حزب الله" في الدوائر الانتخابية، يظهر بوضوح وجود الأدوات التقليدية لنظام الأسد التي تستعد لخوض غمار المعركة الانتخابية، عبر نسج تحالفات مع أحزاب موالية للنظام، أبرزهم اللواء (جميل السيد) عن دائرة بعلبك- الهرمل (البقاع الشمالي) والمتهم باغتيال الرئيس (رفيق الحريري)، إضافة إلى اللواء (علي الحج) الذي وجهت المحكمة الدولية إليه أصابع الاتهام بعلاقته في اغتيال (الحريري) عن دائرة الشوف-عاليه (جبل لبنان)، والنائب السابق (أسامة سعد) في صيدا (جنوب لبنان)، و(عبد الرحيم مراد وفيصل الداود وإيلي الفرزلي) عن منطقة (البقاع الغربي)، و(فيصل كرامي) في طرابلس، و(جهاد الصمد) في الضنية، و(وجيه البعريني) في عكّار (شمال لبنان) إضافة إلى عدد كبير من الوجوه السياسية والإعلامية التي ستكون على لوائح "الثنائي الشيعي" (حركة أمل وحزب الله) في عدد من المناطق اللبنانية، ومنها العاصمة بيروت، كمؤشر على منافسة تيار المستقبل في الدوائر ذات الغالبية السنيّة.

يشار إلى أن من بين أبرز هؤلاء ممن استفزوا الشارع اللبناني كان (جميل السيد) الذي عرف ببطشه وتنفيذه لأوامر ضباط جيش النظام على حساب كرامة المدنيين والسياسيين اللبنانيين، إذ يذكر أحد المقربين من (وليد جنبلاط) رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، كيف تدخل (جميل السيد ورستم غزالي) في تشكيل لوائحه في منطقة الشوف، حيث وصل التدخل في إحدى المرات إلى إجبار (جنبلاط) على سحب أحد مرشحي حزبه وهو الدكتور (بلال عبدالله) قبل يوم واحد من الانتخابات النيابية، إضافة إلى وإجباره على وضع (زاهر الخطيب) على قائمته، وهو أحد أزلام "النظام الأمني اللبناني-السوري" حينها.

لماذا (السيّد)؟

وقال محلل سياسي لبناني (رفض الكشف عن هويته) لأورينت نت، إن أربعة أسباب رئيسية دفعت ميليشيا "حزب الله" لترشيح (جميل السيد) عن "المقعد الشيعي" لدائرة (بعلبك الهرمل) وهي:

أولاً، يندرج الترشيح في سياق تبادل الخدمات بين "حزب الله" ونظام الأسد، وجاء الطلب مباشراً من رأس النظام، الذي فقد جل أدواته على الأراضي اللبنانية، مقابل تمدّد الحزب في سوريا.

ثانياً، محاولة تعويض معنوي لشخص اُعتبر سابقاً رأس حربة في وجه المحكمة الدولية، والجميع يدرك أنّ "حزب الله" لديه معركة مع المحكمة الدولية لم تنته بعد، وأن اختيار شخص من هذا النوع يعتبر مواصلة تحدي للمحكمة.

ثالثاً، إعطاء (السيّد) نوع من الضمانة والحصانة من أجل المرحلة المقبلة، خصوصاً أن قضية اغتيال رئيس الحكومة (رفيق الحريري) بعد مرور هذه السنوات تطوّرت و(السيّد) ما يزال تحت الشبهات، وفي السياق النيابي يتحصن بمنصبه.

رابعاً، عندما يترشح رجل من هذا النوع كأن "حزب الله" يقول للشعب اللبناني، إنه يريد إحياء "المنظومة الأمنية اللبنانية الأسدية" المشتركة، وهي رسالة تحد للسلطة والشعب اللبنانيين، كما أن الحزب تحدى حليفه الشيعي رئيس البرلمان (نبيه بري) الذي يرفض هذا الترشيح، في حين يدرك "الحزب" تماماً أن هناك رفضاً ليس فقط من مكونات 14 آذار الحزبية والمستقلة، وإنّما من فريق 8 آذار أيضاً، انطلاقاً من اللغة التي يستعملها والصورة التي يمثّلها.

وبحسب المحلل، فإن "حزب الله" يدرك أن شخصية من هذا النوع تنعكس سلباً عليه في لبنان عموماً، وفي بيئته الحاضنة خصوصاً، ما يعني أنه حريص على تحدي اللبنانيين الذين يرفضون رمزاً من حقبة هي "وصمة عار" يتوجب انهاءها، فاللبنانيون جميعهم مقتنعون أن إحياء تلك المرحلة مرفوض، ولم تعد المسألة مع أو ضد سلاح "حزب الله"، لكن الكرة ستتدحرج وتكبر لإعادة تجديد ثورة سيادية ضد رموز شوّهت سيادة لبنان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات