بانتظار "صفقة القرن"

بانتظار "صفقة القرن"
ضجة كبيرة تصاحب قدوم صهر الرئيس الأميركي، وكبير مستشاريه، جاريد كوشنير ومبعوث إدارة دونالد ترامب إلى عملية السلام جيسون غرينبلات، إلى المنطقة، حيث شملت زيارتهما اللقاء مع قادة كل من مصر والسعودية وقطر والأردن وإسرائيل، إلا أن السبب الأساس للضجّة يتعلّق باعتزام ترامب إعلان مبادرة أميركية جديدة، لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والتي باتت تعرف في الأوساط الدبلوماسية والصحافية بـ“صفقة القرن”.

السبب الأخر لهذه الضجّة السياسية المتعلقة بها، ناجم عن التسريبات التي تفيد بتبلور نوع من الإجماع العربي الرافض لهذه المبادرة، بمضامينها المعروفة، والتي تشمل إقامة دولة فلسطينية منقوصة، أي في جزء من أراضي الضفة، ذات صلاحيات منقوصة، مع انسحاب أو إعادة انتشار إسرائيلي، من بعض قرى شرقي القدس المحتلة (شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبوديس)، تكون إحداها (أبوديس) عاصمة للدولة الفلسطينية، مع إبقاء البلدة القديمة المحتلة والمسجد الأقصى تحت سلطة الاحتلال دون المس بالمستوطنات.

المبادرة الأميركية القادمة تحت مسمى “صفقة القرن”، أو أي اسم آخر، لا تقدم شيئاً جديدا لواقع الفلسطينيين أو لحقوقهم، بقدر ما تضفي شرعية على الكيان الفلسطيني الناشئ في الضفة، الذي سيبقى بناء عليها، ككيان بمثابة أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة، وتحت هيمنة إسرائيل، التي ستبقى مسيطرة على الحدود والمعابر والموارد.

المبادرة المزمع طرحها تضع الفلسطينيين أمام الأمر الواقع، وتغلق الخيارات الأخرى. وضمن ذلك فإن تلك المبادرة المفترضة تطيح باتفاق أوسلو جملة وتفصيلاً، بعد أن تمت الإطاحة به عمليا، نتيجة التملص الإسرائيلي، ونتيجة سكوت الإدارات الأميركية، التي لم تشتغل باعتبارها وسيطا نزيها ومحايدا وموثوقا في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وإنما اشتغلت للتغطية على مواقف إسرائيل وتبريرها، وإصدار المبادرة تلو الأخرى للالتفاف على حقوق الفلسطينيين والتزامهم عملية التسوية، ومن هنا جاءت مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000)، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وخطة “خارطة الطريق” (2002)، و“اتفاق أنا بوليس” (2007) في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن، وطبعا فإن إدارة الرئيس أوباما وضعت الأمر خلف ظهرها تقريبا، باستثناء طلبها استئناف المفاوضات بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي (2011 و2013 و2014).

هكذا، جاء دور إدارة ترامب لطرح مبادرة جديدة، لن يتم فيها تقديم أي شيء للفلسطينيين، زيادة على ما هم فيه، أي دولة في جزء من أراضي الضفة في جزء من الحقوق السيادية، ولجزء من شعب فلسطين، وهو ما يستنتج منه على وجه التحديد، أن إدارة ترامب تتنصل من اتفاق أوسلو بصورة واضحة، بإطاحتها مرة واحدة بمجمل القضايا التي تم النص على طرحها في ما يسمى مفاوضات الحل النهائي، التي تتضمن حل قضايا: القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية.

تستمد تلك الضجة قوتها من حقيقة الرفض الفلسطيني لتلك الصفقة، ورفض الرئيس الفلسطيني التعاطي مع الزائرين الأميركيين أو استقبالهما، الأمر الذي يطرح التساؤل عن الأوراق التي تمتلكها القيادة الفلسطينية لمواجهة المسعى الأميركي، وتفويت استهدافه. وربما يجدر التذكير هنا أن الولايات المتحدة هي أحد أهم المصادر السياسية لتشريع وجود الكيان الفلسطيني، بغض النظر عن رأينا بذلك، كما إنها أحد أهم مصادر تمويل السلطة الفلسطينية.

يستنتج من ذلك أن وضع القيادة الفلسطينية في غاية الصعوبة والتعقيد، فهي أولاً تعتمد في شرعيتها، أي في وجود الكيان الفلسطيني، على الخارج. ثانيا تعتمد على المساعدات المالية المتأتية من الدول المانحة، ومن عمليات “المقاصة” مع إسرائيل، وهذان يغطيان ثلاثة أرباع موازنة السلطة البالغة أربعة بلايين دولار.

ثالثا ثمة حال الانقسام الفلسطيني، بين سلطتي الضفة وغزة، وبين حركتي فتح وحماس، ما يضعف الفلسطينيين ويحد من قدراتهم، ناهيك أنه ينمي مشاعر الإحباط عندهم. رابعا لا توجد حاضنة عربية للموقف الفلسطيني بحكم اضطراب الأوضاع في المنطقة، والتدخلات الإيرانية، لا سيما في المشرق العربي، وغياب إجماع عربي في مختلف الشؤون العربية.

المبادرات الأميركية، كما علمتنا التجربة، تطرح لفرضها وليس لنقاشها، لا سيما في هذه الظروف العربية والدولية، مع ذلك فإن ما يجب إدراكه أننا لسنا إزاء “صفقة قرن” وإنما إزاء “طبخة بحص” أخرى.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات