ما هي سيناريوهات دخول تركيا إلى مناطق شرق الفرات؟

ما هي سيناريوهات دخول تركيا إلى مناطق شرق الفرات؟
تتعالى التصريحات التركية مؤخراً حول البدء بمرحلة جديدة من التدخل في سوريا، والتي تجسدت في تأكيد الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) عقب فوزه وحزبه بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، بأن "تركيا ستواصل تحرير الأراضي السورية" ليتسنى للاجئين السوريين العودة إلى بلادهم بأمان.

وكان الرئيس التركي قد أشار صراحة قبل الانتخابات بأيام إلى المناطق التي تعتزم بلاده دخولها، قائلاً "الدور قد جاء على المناطق السورية المحاذية لولاية شانلي أورفة التركية" في إشارة إلى مدينة تل أبيض وريف محافظة الرقة الشمالي الذي تسيطر عليه ميليشيا "الوحدات الكردية".

أمس الأول، أعاد وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) التأكيد على مضي تركيا للانتقال إلى مناطق شرق الفرات، حيث أكد أن "هناك توافقاً واضحاً في خارطة الطريق مع واشنطن للانتقال إلى مناطق أخرى شمال سوريا بعد إتمام المهمة في منبج" في إشارة واضحة لمناطق شرق الفرات.

بالمقابل، تسارع "الوحدات الكردية" إلى خوض مفاوضات مع نظام الأسد لصياغة اتفاق بين الجانبين يمكن أن يحقق لها بعض المكاسب، وفقاً لتسريبات إعلامية، فيما يبدو إدراكاً مسبقاً منها أن الولايات المتحدة حليفتها وأبرز داعميها الغربيين قد تخلت عنها، لا سيما بعد النأي بالنفس عن العمليات العسكرية التركية في ريف حلب الشمالي وعفرين وصولاً إلى منبج.

وتؤكد مصادر إعلامية، أن المفاوضات مع نظام الأسد تُعقد باستمرار وبشكل متسارع، والتي طالب عبرها النظام بمربعات أمنية داخل المدن الرئيسية شرق الفرات (الرقة الحسكة والطبقة وغيرها) حيث بدأت تظهر بعض "بوادر حسن النية" التي قدمتها ميليشيا "الوحدات الكردية" كإزالة صور زعيمها أوجلان وأعلامها من مراكز مدن الرقة والحسكة.

ويبقى السؤال حول آلية دخول الأتراك إلى شرق الفرات مبهماً (اتفاق مع الأمريكيين على مبدأ اتفاق منبج أم بعملية عسكرية جديدة) والعمق الذي سيتم الانتشار فيه وإذا سيقتصر على بعض المناطق أم على طول الحدود السورية التركية من جرابلس إلى عين ديوار؟ وما هو الأساس الذي تبني عليه تركيا للمضي قدماً باتجاه شرق الفرات؟

تركيا بعد الانتخابات

وهنا يقول الكاتب والمحلل السياسي (يوسف كاتب أوغلو) لأورينت نت، إن نجاح الرئيس (أردوغان) وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، أعطى إنذاراً لكل من كان يراهن على عدم استمرار أردوغان وحزبه في الحكم، وبالتالي كان هناك رؤية عند بعض الدول التي تعارض سياسات وتوجهات أنقرة في المنطقة، خصوصاً أمريكا وبعض الدول الأوربية، في كيفية كسب تركيا لصالحها، لا سيما بعد التقارب الواضح بين أنقرة وموسكو في عدد من المجالات والملفات خصوصاً في سوريا.

ويرى (كاتب أوغلو) أن هناك "استدارة" في السياسة الأمريكية لكسب تركيا مرة أخرى كحليف إستراتيجي بعد انهيار الثقة بين الطرفين، نتيجة لعدة عوامل أهمها دعم الولايات المتحدة للتنظيمات الكردية وعدم وجود سياسة أمريكية واضحة في سوريا، وهذا كله أدى إلى ما شهدناه في اتفاق منبج الأخير، ومن المتوقع أن تدخل تركيا قريباً وسط المدينة.

وبحسب المحلل التركي، فإن "نجاح الدبلوماسية" التركية والتغير في السياسة الأمريكية في محاولة عدم خسارة تركيا التي لا يمكن المقارنة بينها وبين ميليشيات إرهابية لإنشاء كيان كردي في المنطقة، والذي ادركته واشنطن متأخرة، لذا يتم النظر في تطهير المنطقة من هذه التنظيمات حتى في شرق الفرات.

وأوضح (كاتب أوغلو) لأورينت نت، أن هناك "تفاهم" بين الأتراك والأمريكيين في السياسة الخارجية؛ ولكن هذا ليس معناه الثقة التركية المطلقة بالأمريكيين؛ لأنهم لطالما وعدوا ولم يفعلوا في عدد من المواقف، مشيراً إلى أن أمريكا أيقنت بأن تركيا إذا قالت فعلت و"درع الفرات" و"غصن الزيتون" أكبر دليل على ذلك، وهي لا تريد(أي أمريكا) أن تقوم حملة ثالثة في المنطقة، ولهذا فإن الإدارة الأمريكية وبتفاهم مع تركيا دبلوماسياً سيؤدي إلى تطهير بعض المناطق المتاخمة لحدود تركيا.

التراجع الأمريكي

ويذهب في هذا الاتجاه الصحفي والمحلل السياسي التركي (جاهد طوز) والذي يؤكد أن واشنطن عندما رأت جدية أنقرة التي تجسدت بالعمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية داخل سوريا، بدأت بمحاولة التقارب مع تركيا، لأنها تعلم إن استمرت في سياستها هذه في المنطقة ستتبلور تحالفات جديدة، لا سيما ما تم التوصل إليه في العلاقات الروسية التركية، وهي تعلم أن تركيا أهم دولة في المنطقة لبناء العلاقات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، مستبعداً مضي واشنطن في طريق خسارة تركيا كحليف إستراتيجي في المنطقة.

ويؤكد (طوز) لأورينت نت، بأن التصريحات التركية بالذهاب إلى شرق الفرات تأتي تأكيداً على عزمها في مواصلة "محاربة الإرهاب" واستكمالاً لعملياتها السابقة (درع الفرات وغصن الزيتون) وقد أكدت أنقرة قبل بداية "درع الفرات" أنها لن تكون الأخيرة، فتركيا مصرة على إبعاد "المنظمات الإرهابية" من على حدودها، سواء شرق الفرات أم غربه.

واستبعد (طوز) أن يكون هناك تفاهمات غير معلنة (تركية أمريكية) ستؤدي بالنهاية لدخول تركيا إلى هذه المنطقة، منوهاً إلى أن الهدف الأمريكي في الأصل من دعم هذه التنظيمات كان لاستخدامها كورقة ضغط على أنقرة، إلا أن عزم الأخيرة على محاربة هذه التنظيمات، جعل واشنطن تعيد التفكير في سياستها، لذا نرى اليوم تراجع أمريكي في هذا الشأن.

سيناريوهات الدخول التركي

وحول السيناريوهات المحتملة للتدخل التركي، يرى (كاتب اوغلو) أنه من المحتمل "استنساخ" اتفاق منبج في مناطق شرق الفرات، وفقاً لما صرح به المسؤولون الأتراك، وذلك في حال التزمت واشنطن بما تم التفاهم عليه، ومن المبكر الحديث عن عمليات عسكرية، لأن هذا مرتبط بالالتزام الأمريكي، ومبني على ما سينتهي إليه الأمر في منبج.

بدوره يؤكد الصحفي التركي (جاهد طوز) أن تركيا ستسعى إلى الدبلوماسية في هذا الخصوص، لا سيما أن الطرفين ما زالا في مباحثات بهذا الشأن، مستبعداً الخيار العسكري في المستقبل لشرق الفرات، إذا التزمت واشنطن بمتطلبات تركيا، منوهاً إلى وجود مشكلة ثقة بين الطرفين، وإن لم تحصل أنقرة على مبتغاها بالطبع ستشن عمل عسكري ضد هذه التنظيمات كمرحلة ثالثة من عمليات "غصن الزيتون" و"درع الفرات".

إعادة إنتاج

وفيما يتعلق بالمفاوضات التي تجريها "الوحدات الكردية" مع ميليشيا أسد الطائفية حول إمكانية تسليم الأخيرة مناطق شرق الفرات، لا سيما المناطق الحدودية، قال (كاتب اوغلو) إن الطبيعة السياسية التفاوضية في الملف السوري شبيه بـ"حقل الألغام" ولا يمكننا الحديث اليوم عن تحالفات بين أعداء الأمس في إشارة لهذه التنظيمات وميليشيا الأسد الطائفية، مؤكداً أن هذه المفاوضات لن تعطي أي نتائج ولن يكون لها تأثير على الأرض لعدة أسباب، أولها أنه لا يوجد أرضية يبنى عليها بين الطرفين، وثانياً انعدام عامل الثقة بينهما، فقد خسر كل من راهن على النظام بمن فيهم الكرد أنفسهم.

واستطر (كاتب اوغلو) بقوله "نحن نعلم أن انسحاب هذه التنظيمات من الشمال السوري لا يعني أنهم سيخرجون من سوريا، وربما يعاد إنتاجهم مرة أخرى من قبل أمريكيا وإعادة توزيعهم في مناطق أخرى ربما في المناطق الجنوبية الشرقية من سوريا، فأمريكا تجري مناورات على رقعة الشطرنج السورية، وللأسف تستخدم العرقية الكردية لتحقيق مصالحها، وربما تأمرهم بالتوجه إلى مناطق أخرى من سوريا لتحقيق مصالح مع تركيا".

وفي هذا السياق، يرى المحلل التركي (جاهد طوز) أن المفاوضات الدائرة بين التنظيمات الكردية ونظام الأسد تعبير عن عجز الطرفين فيما يتعلق بوجودهما في المنطقة، أي عدم القدرة لفرض نفسيهما هذا أولا، وثانياً تركيا لن يوقفها شيء في حفظ أمنها القومي وحماية حدودها، مؤكداً أن تركيا ستسهدف كل من يقف إلى جانب هذه التنظيمات، لا سيما نظام الأسد ومهما كان الثمن، مستبعداً بأن يغامر النظام في خطوة كهذه ضد تركيا.

العمق المتوقع

وحول العمق المتوقع للدخول التركي شرق الفرات، قال (يوسف كاتب اوغلو): "نحن نعلم أن هناك معاهدة بين تركيا وسوريا (معاهدة أضنة) والتي تنص على الحفاظ على الأمن القومي التركي على طول الحدود وبعمق 30 كم" منوهاً إلى أن الدخول التركي سيشمل كل المدن الحدودية بما فيها المدن ذات الغالبية الكردية التي تسيطر عليها "الوحدات الكردية" وأن هذه المنطقة ستكون بمثابة "منطقة آمنة"، لن يتم السماح لتواجد أي ميليشيات مسلحة، ليتمكن أهل المنطقة من العودة إلى ديارهم، على حد قوله.

وختم المحلل التركي بالتساؤل "هنا علينا التساؤل بأنه لماذا يتواجد 3.5 مليون سوري في تركيا؟" هم لم يأتوا للسياحة بل جاؤوا بسبب الحرب والمسؤول الأول عن ذلك هو نظام الأسد، فتركيا ستدخل لهذين السببين (حل مشكلة الضيوف السوريين وتأمين أمنها القومي).

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات