معطيات يجب معرفتها قبل "الصفقة أو الحرب الكبرى في سوريا"

معطيات يجب معرفتها قبل "الصفقة أو الحرب الكبرى في سوريا"
ما يميز الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) أنه تجاوز حقبة مكر الأنظمة العالمية على الشعوب المغدورة، ونقل الصفقات الدولية على الهواء مباشرةً، ليس فقط تلك التي تخص الولايات المتحدة فحسب، وإنما صفقات كل الدول الفاعلة في الملفات العالمية الحساسة، وهي حالة غير اعتيادية لحال السياسة العالمية، وضعته بالتأكيد في خانة سخرية وسائل الإعلام الممولة من تلك الدول الفاعلة والماكرة.

آخر مستجدات الرئيس الواضح والجريء، توبيخه  للمستشارة الألمانية (انجيلا ميركل) بشأن النفوذ الروسي والإنفاق على الدفاع، وذلك قبل عقد قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو).

(ترامب) الذي يجب أن نسمع ما يقوله دائماً، قال إن ألمانيا خاضعة بالكامل لسيطرة روسيا بسبب المستوى المرتفع من الغاز الطبيعي الذي تستورده الأولى من الأخيرة. معتبراً أن هذا أمر "سيئ للغاية للناتو".

وقال أيضاً "في نهاية المطاف ستسيطر روسيا على ما يقرب من 70 بالمئة من ألمانيا بالغاز الطبيعي، لذا يجب أن تخبرني: هل هذا مناسب؟".

أخبرنا الرئيس الجريء عمّا يجب أن نعرفه، ثم عاد للدبلوماسية الكلاسيكية وأدلى بتصريحات أكثر تصالحية بعدما اجتمع مع ميركل على هامش القمة في بروكسل.

ما الذي يجب أن نعرفه؟ 

من المعروف أن حلف الناتو الذي تأسس عام 1949، كان لمواجهة الاتحاد السوفيتي، الذي تعد روسيا الدولة الرئيسية التي خلفته، لكن هذا الحلف لم يتحرك بشكل فاعل وحقيقي ومؤثر إلا لمرة واحدة وكانت لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد بعد هجمات أيلول/سبتمبر.

الخلاف الحالي تنقله وسائل الإعلام أن (ترامب) يريد من ألمانيا زيادة الإنفاق الدفاعي، حيث إن الأخيرة تنفق واحداً في المئة فقط من ناتجها الاقتصادي على الدفاع، في الوقت الذي تنفق الولايات المتحدة 4.2 في المئة.

ويتمثل اعتراض (ترامب) الرئيسي بحسب وسائل الإعلام في أن معظم الدول الأعضاء لم تقم بزيادة ميزانياتها الدفاعية لتحقيق الهدف المتمثل في إنفاق ما لا يقل عن اثنين في المئة من إنتاجها الاقتصادي السنوي على الدفاع بحلول عام 2024.

من بين أعضاء الناتو البالغ عددهم 29 دولة، حققت خمسة بلدان فقط هذا الهدف العام الماضي، وهي الولايات المتحدة واليونان وإستونيا والمملكة المتحدة ولاتفيا. وتقترب بلدان أخرى، مثل بولندا وفرنسا، من تحقيق هذا الهدف.

ربما يكون الإنفاق الدفاعي هو الخلاف الثانوي وليس الرئيسي، لأن المنطق يقول إن هناك شيئاً خلف قضية الإنفاق الدفاعي، المنطق يقول كيف تزيد إنفاقك على الدفاع ضمن حلف تأسس لمواجهة "روسيا" ثم تقوم بشراء الغاز منها بما نسبته 70% من احتياجاتك ؟!.

الخلاف سيتفاقم بالتأكيد كلما اقترب تنفيذ خط غاز"السيل الشمالي 2" الذي يربط روسيا بألمانيا عن طريق قاع بحر البلطيق. عند الانتهاء من تنفيذه ، ستدفع ألمانيا مليارات الدولارات سنوياً لروسيا. وستخسر أوكرانيا طريق ترانزيت الغاز إلى أوروبا، وحينها سيكون لروسيا خطّا غاز إلى أوروبا أحدهما السيل الشمالي، والثاني السيل التركي الذي تمول تركيا نصف تكاليفه وتعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا، متفوقة على إيطاليا.

ما تحاول الولايات المتحدة فعله هو عرقلة إنشاء خط السيل عن طريق العقوبات المفروضة على روسيا، وهذه خطة أمريكية لمنع الجهات الممولة من إنشاء هذا الخط عن المساهمة فيه. لكن ماذا لو لم تطبق السويد وفنلندا وألمانيا تلك العقوبات؟! وماذا لو وجدت روسيا تمويلاً لهذا المشروع يتجاوز العقوبات الأمريكية ؟!.

الدور المشبوه لألمانيا 

تقوم الولايات المتحدة الآن بإعادة النظر في علاقاتها مع تركيا، بدا ذلك جلياً في مرونة التجاوب مع المطالب التركية حول منبج بداية، وربما سيمتد الأمر بها إلى السماح للأتراك بالوصول إلى الحدود العراقية، وإعطائها التحكم بالشمال السوري على الأقل. ربما تكون خطوط الغاز الروسية هي السبب، وربما تكون إحداها! تركيا تحتاج إلى الغاز خصوصاً أنها تستورد أكثر من 90% من حاجاتها من الطاقة. 

وأما عن الدور الألماني في الشمال السوري، فيمكن معاينة استقبال برلين لناشطين كرد ودعمهم على وجه الخصوص هذا في ما يتعلق بالجانب السياسي، وكذلك الاتهامات المتبادلة بين أنقرة وبرلين وأهمها دعم الأخيرة لحزب العمال الكردستاني ومشتقاته الحزبية في سوريا، ومع بداية عملية غصن الزيتون والتي نفذها الجيش السوري الحر مدعوما بالقوات التركية ضد المليشيات الكردية، نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية تقريراً عن وصول قوات مسلحة تضم عناصر مقاتلة ألمانية إلى شمال سوريا لمواجهة القوات التركية، وتلك القوات كانت موجودة أساسا وتقاتل إلى جانب الميليشيات الكردية في مواجهة "داعش".

ما يجب البحث عنه هو ماهية الدور الألماني في سوريا، وكذلك علاقة برلين مع موسكو وطهران، وهل كان تدخلها ودعمها للمجموعات الكردية الانفصالية هو لتجاوز الجغرافيا التركية ولتحقيق بديل استراتيجي يمنع أي استفزاز روسي مستقبلي ولتحقيق غاية وصول الغاز إليها من إيران ؟!. 

تاريخ للقراءة والبحث

بعض المعطيات والتواريخ يجب أن نقرأها جيداً، في عام 2014 لم تعد أوكرانيا حليفة لموسكو، تحركت روسيا فوراً لقضم جزيرة القرم منها، ثم تحركت في 30 أيلول/ سبتمبر عام 2015 إلى سوريا، بعد عشرة أيام فقط كان الإعلان عن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً ( والتي تنتشر في المنطقة التي يجب أن يمر فيها خط الغاز القادم من بحر قزوين إلى المتوسط)، بعدها بشهرين تقريباً (ديسمبر 2015) نشبت خلافات بين تركيا وروسيا إثر إسقاط أنقرة لمقاتلة روسية، وفي ذات الشهر أعلن وزير الطاقة الروسي تعليق المفاوضات بخصوص تنفيذ مشروع السيل التركي، تأخرت أنقرة قليلاً للتجاوب مع المعطيات المفاجئة، قبل أن تتدارك الوقت وتدخل عسكرياً في منتصف العام 2016 (بعض التحليلات تشير إلى إجهاض أنقرة للمخطط بإنشاء إقليم كردي يصل إلى المتوسط ).

قمة ترامب بوتين!

 لاتزال التحليلات تؤكد أن الدور الإيراني في سوريا سيكون على رأس القضايا التي ستتناولها قمة (ترامب) و(بوتين) المقررة في العاصمة الفنلندية "هلسنكي " بتاريخ 16 تموز الجاري، كما سيكون المحور المهم الثاني لها أوكرانيا، وقبل هذه القمة لم تتوقف حركة الزيارات المهمة إلى موسكو، بدأها مستشار الأمن القومي جون بولتون، وكذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتيناهو، في حين لم تترد طهران من إرسال دبلوماسيها إلى هناك لمناقشة مايحصل. 

ويبدو التوصيف الدقيق للقاء القادم بين (بوتين) و(ترامب) هو لقاء الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى مع روسيا. فإذا ما استثنيا قضايا الدرع الصاروخية وتدخل روسيا بالانتخابات الأمريكية وماشابه، فإن ما يتردد عن هذه الصفقة هو قيام واشنطن بمنح موسكو جزيرة القرم، وكذلك رفع العقوبات وخصوصا تلك المتعلقة بخطوط الغاز، في مقابل إخراج إيران من سوريا وتضييق الخناق عليها . لكن يبدو ذلك مبالغاً فيه، فقرار الوجود الإيراني في سوريا لاتتحكم فيه روسيا، ودفع روسيا لمواجهة مع إيران قد يبدو أمراً مستحيلاً ووهما لايصدقه عقل، سننتظر الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى، لكن المحلل الإسرائيلي (إيدي كوهين) سبقها بالإعلان عن نتائجها من خلال الحديث عن فشل الصفقة التي جرت في موسكو بين (نتيناهو) و(بوتين). (كوهين) قال" لكل من يفكر بأن الأزمة السورية انتهت، سيناريو لبنان 1982 ، سيتكرر في سوريا ودمشق تحديداً، إيران رفضت صفقة (بوتين) و(نتيناهو)، إيران لن تخرج من سوريا إلا بالقوة مثل ما هرب (عرفات) بالباخرة من بيروت إلى تونس.. الحرب على الأبواب".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات