ترامب.. رهينة بموسكو وبنظامه السياسي

ترامب.. رهينة بموسكو وبنظامه السياسي
أجمع الجمهوريون قبل الديمقراطيين في الولايات المتحدة على وصف أداء رئيس بلادهم دونالد ترامب، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع الأسبوع الماضي، على أنه “كارثي” و“غير مسبوق” في تاريخ الدبلوماسية الأميركية.

الحقيقة أن ما جرى ربما يكون غير مسبوق في تاريخ أي دبلوماسية على الإطلاق؛ إذ رفض الرئيس الأميركي تقارير أجهزة الاستخبارات التي أجمعت على حدوث تدخل روسي منظم للتأثير على نتائج الانتخابات الأميركية، بل شكك ترامب في قدرات ونزاهة تلك الأجهزة التي يقودها شخصياً، وذلك من على منصة مشتركة مع الرئيس الروسي، العدو الأول للمؤسسة السياسية والعسكرية الأميركية.

ولتفسير سلوك الرئيس الأميركي، ذهبت بعض الشخصيات السياسية، فضلا عن خبراء سابقين في جهاز الاستخبارات الأميركي، إلى ترجيح امتلاك روسيا لمعلومات أو وثائق تبتز بها الرئيس الأميركي وتدفعه إلى مسار دبلوماسي محاب لموسكو. هنالك من يرى أن الأمر أبعد من ذلك وأن هنالك تواطأ بين موسكو وترامب ساهم في إيصال الأخير إلى البيت الأبيض، وهو ما يجعله ملتزما بخدمة تحالفه مع بوتين بصورة أو بأخرى. في الحالتين هنالك وسائل ضغط روسية على الرئيس الأميركي جعلته يظهر في المؤتمر الصحافي وكأنه محتجز لدى الرئيس الروسي، يردد ما يحلو لهذا الأخير سماعه.

بعد انتهاء مؤتمره الصحافي مع بوتين بأربع وعشرين ساعة، ظهر ترامب مجددا في تصريح مصور يدعي فيه حدوث سوء فهم لتصريحاته السابقة، ليتراجع عن موقفه السابق ويقبل بتدخل روسيا في الانتخابات الأميركية. ومن جديد، بدا ترامب كرهينة يتلو رسالة يمليها عليه محتجزوه، وهم هذه المرة المؤسسة السياسية الأميركية.ويوضح ذلك آليات عمل المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة التي تحيط الرئيس الأميركي بقيود تقلل من إمكانية التغريد خارج السرب. فرغم أن النظام السياسي نظام رئاسي، فإن الدرجة العالية لتوزيع السلطات تكبح جماح الرئيس. اختبرنا ذلك من قبل في مواجهة ترامب مع السلطة القضائية، حيث بدأها ترامب بهجوم لا يراعي استقلالية تلك السلطة، ليتراجع بعد ذلك ويخرجها من دائرة معاركه التي يخوضها يوميا. وكذلك الحال مع المجلس التشريعي الذي رفض تمرير كل ما يطلبه الرئيس الأميركي من مشاريع داخلية، كما وضع العديد من الخطوط الحمراء على السياسة الخارجية الأميركية.

وفضلاً عن تلك القنوات الدستورية لتقييد الرئيس الأميركي، يبدو أن القنوات غير الرسمية وغير المباشرة لا تقل قوة عندما يتعلق الأمر بتعديل سلوك الإدارة الأميركية ودفعها نحو المزيد من “العقلانية”؛ العقلانية بهذا المعنى هي كل ما يتوافق مع التيار السياسي والاقتصادي السائد والمهيمن في الولايات المتحدة. هنالك ثقل سياسي واقتصادي كبير للرأي العام في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فضلا عن مجموعات المصالح التي تمتلك نفوذا هائلاً على كلا الحزبين وعلى الإدارة الأميركية.

وبالإضافة إلى قوة المؤسسات السياسية والقضائية الأميركية، هنالك قوة خاصة لإجماع الحزبين الرئيسيين ومجموعات المصالح على عدد من القضايا التي تضمن استمرار عمل النظام السياسي. يفسر ذلك الهجوم الذي واجهه ترامب بعد مواقفه الأخيرة تجاه روسيا من قبل الجمهوريين قبل الديمقراطيين، ويفسر بالتالي تراجعه، وهو المعروف برفضه التراجع عن كل ما يقوم به.

وبسبب إدراك بوتين لآليات عمل النظام الأميركي، لم تقتصر محاولاته للتأثير على السياسة الخارجية الأميركية بما يخدم مصالح روسيا على دعم وصول ترامب إلى البيت الأبيض فقط، بل أرسلت موسكو عدة مخبرين للتواصل مع، والتأثير على، التحالف السياسي والاقتصادي الذي يرسم الخطوط العريضة للسياسات الأميركية. وفي هذا السياق، أتى اعتقال ماريا بوتينا بعد ساعات فقط على انتهاء قمة ترامب وبوتين.

هكذا، يبدو ترامب أسيراً لقوى خارجية سوف تكشف الأيام مدى تورطها في إيصاله إلى السلطة، ولقوى داخلية عصية على الترويض. كل ذلك يزيد من التخبط الذي تعاني منه السياسة الخارجية الأميركية، تخبط يقول عنه الخبراء إنه “غير مسبوق”، وصف يكاد يناسب كل ما يتعلق بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات