قراءة قبل سيناريو إدلب المجهول

قراءة قبل سيناريو إدلب المجهول
في أوكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، أي قبل 9 أشهر تقريباً، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العملية العسكرية في محافظة إدلب بأنها "مسألة أمن قومي" وبأن بلاده مضطرة لعرقلة "الحزام الإرهابي المراد تأسيسه من أقصى شرق سوريا إلى البحر المتوسط، فلا يمكن لأنقرة السماح بتنفيذ هذا المشروع".

تصريح أردوغان جاء مع تثبيت أول نقطة مراقبة تركية داخل الأراضي السورية وتحديداً في إدلب، قبل أن يستكمل الجيش التركي، نشر نقاطه على تخوم هذه المحافظة (12 نقطة مراقبة). ومابين نشر النقطة الأولى والأخيرة تم تسليم قرى شرق السكة في إدلب إلى سيطرة مليشيا أسد.

يوم الجمعة الفائت، تظاهر عشرات المهجرين من قرى شرق إدلب إلى غربها، أمام نقطة مراقبة للجيش التركي للتعبير عن غضبهم من استمرار قوات الأسد بالسيطرة على قراهم. لايعرف المحتجون ماجرى بالتحديد حتى الآن، ويبدو أن الأتراك لن يفعلوا شيئاً في سبيل ذلك، لأن ذلك سيؤثر على الاتفاقيات المبرمة مع روسيا وإيران. 

تحت عنوان "هل يشن الجيش السوري معركته في إدلب" يسأل مذيع في قناة روسية، محللا سياسيا تركيا، هل تعتبر أنقرة "جبهة النصرة" منظمة إرهابية؟!، يجيب المحلل التركي: نعم تصنفها أنقرة مع الإرهابيين، لكن المشكلة ليست بالنصرة هنا، بل بـ4 ملايين مدني يقبعون الآن في إدلب! المحلل التركي كما الجميع يدرك أن هذا الأمر يشكل حرجاً على الحدود التركية المغلقة أساساً. كما يشكل حرجاً أمام هيبة تركيا في معالجة الملف السوري. 

سيناريو ماقبل سقوط التعهدات في درعا باتت تعيشه إدلب الآن. كل المعطيات والتحليلات والتسريبات تؤكد أن هناك عملاً عسكرياً ضد إدلب. الائتلاف أيضاً الذي يقيم في إسطنبول وأثناء مأدبة إفطار أقامها في شهر رمضان أكد للصحفيين ذلك، اتفاقيات خفض التصعيد ربما تنتهي في أي وقت (هذا هو التلميح والتلويح التركي). حيث أشار أردوغان مؤخرا إلى أحداث طارئة وغير متوقعة قد تحدث في درعا وإدلب . 

بدأت أنقرة التحرك مؤخراً بتصريحات أهمها، أن أي عملية ضد إدلب، ستنهي اتفاقات استانة! تصريح لايعني بالضرورة تدخلا تركيا لمنع أي عمل عسكري ضد إدلب، وبالتأكيد إن العمل العسكري ضد إدلب سينهي اتفاقات استانة. لاضمانات صريحة قدمتها أنقرة للشعب السوري حتى الآن سوى زيادة المخاوف وإخبارنا عن خطر العمل العسكري القادم. 

يبدو أن لقاء بوتين أردوغان القادم في جنوب أفريقيا سيتحدد فيه كل شيء، وسيخبر بوتين نظيره التركي ماتم الاتفاق عليه مع ترامب في هلسنكي. الاتفاق السري الذي تظهر معالمه تباعاً. 

لابد للسوريين معرفة السيناريوهات ومعالم الصفقة التي ربما تطيح بأهم معقل للثورة السورية حالياً، وعليهم دراسة افتراضات الصفقة في صورتها الكبيرة والتي أبرمت على نحو ما. افتراضات على غرار صفقة ربما تمت بين إسرائيل والأسد برعاية روسية تسمح لحاكم قتل أكثر من مليون سوري بالبقاء رئيساً مقابل تفاهمات يتنازل فيها عن الجولان مع مناطق أخرى يقدمها هدية كحوض اليرموك أو قرى في القنيطرة مثلاً.

صفقة إسرائيل الأسد برعاية وكفالة روسية، وبمعزل عن فشلها أو نجاحها مستقبلاً، إلا أن تنفيذها يبدو حقيقة اليوم بعد اعتماد تل أبيب لسياسات جديدة على الحدود مع سوريا، فهي التي لم ترفض مؤخراً وجود "قوات الأسد " مقابل إبعاد الميليشيات الإيرانية 100 كم عن حدودها. (وفق وزارة الخارجية الروسية). 

وبمعزل عن فشل المساعي الروسية في الجنوب السوري، بسبب عدم امتلاك الأسد العدد الكافي من السوريين في قواته لحماية هذه الحدود، وهو الأمر الذي من الممكن أدى إلى وساطة روسية من خلال زيارة رئيس الأركان الروسي لمناقشة الأمر مع تل أبيب قبل الهجمات التي استهدفت السويداء. إلا أن ذلك يحشر القوى والجهود الدولية تجاه ادلب بمفردها هذه المرة. 

ربما أيضاً هناك صفقة على إنهاء الورقة الكردية لصالح أنقرة، وبناء صفقة جديدة تكون فيها القوات الأمريكية متواجدة على الحدود العراقية ومسيطرة على حقول النفط في سوريا، وربما تستعيض واشنطن هذه المرة بقوات عربية بدلاً من الكردية تم التلميح لها سابقاً من قبل ترامب،  ربما يكون ذلك لتبديد مخاوف أنقرة ودفعها لتجاهل مصير إدلب.

كل السيناريوهات السابقة يجب معاينتها واستعراضها قبل سيناريو إدلب المجهول والذي سيكون الأكثر مأساوية في الثورة السورية إذا اعتمدت الفصائل أيضاً على التعهدات الإقليمية والدولية ، فاتفاق "خفض التصعيد" الذي أبرمته الولايات المتحدة والأردن وروسيا في مايخص درعا تم نسفه، على الرغم من أن واشنطن حذرت من أنها سترد على انتهاك الاتفاق.

سكتت واشنطن ولم ترد أبداً على مافعلته روسيا في الغوطة وبعدها درعا. نعم لقد ذهبت الغوطة، وذهبت درعا لسيطرة ميليشيا أسد المدعومة من روسيا المتفاهمة مع إدارة ترامب حتى الآن، ولا يعرف الثائرون دون "الضفادع" كما أهالي شرق سكة إدلب، ماجرى بالتحديد.

سيناريو أكثر مأساوية ربما تتعرض له المحافظة الأكثر "رمزية قتالية" في الثورة السورية، والأكثر كثافة سكانية، والأكثر احتضانا للمهجرين من باقي المناطق داخل سوريا.

في النهاية يجب التذكير بثلاثة أمور اثناء الاستعداد للسيناريو الأسوأ الذي يجب معالجته ومواجهته والتحضير له قبل فوات الآوان:

الأول، في عام 2016 وقبل خوض جولات أستانة وقعت روسيا وإيران وتركيا وثيقة موسكو تضمنت 8 بنود، آخر تلك البنود "تؤكد إيران وروسيا وتركيا على التزامها بحرب مشتركة لمكافحة تنظيمي داعش وجبهة النصرة والعمل على فصلهما عن مجموعات المعارضة المسلحة". كان المقصود ومازال وسيظل هيئة تحرير الشام وإن غيرت اسمها في أكثر من مرة، ولفظت نفسها عن القاعدة. حجة دولية حاضرة بقوة يعززها "أبو يقظان المصري" في فيديو إخلاء أهالي كفريا والفوعة، ربما يكون أحد الضفادع الذين سنشاهدهم بلون آخر في معركة إدلب القادمة.

الثاني، عدم تمكن أنقرة المثقلة الأن وأمس بهموم داخلية وخارجية، من مساعدة حلب أثناء الهجمة الروسية التي تذرعت بوجود النصرة أيضاً.

الثالث، تأكيد صحيفة "تليغراف" قبل يومين بوجود خبراء بريطانيين على مستوى عال من الخبرة على الحدود السورية – التركية يقومون بتدريب المسعفين القادمين من إدلب وذلك بسبب خشيتهم من تكرار محتمل للهجمات الكيماوية، وهو مايؤكد العمل العسكري العنيف والشرس ضد إدلب، والذي يمكن أن يستخدم فيه شتى أنواع الأسلحة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات