لماذا السويداء؟

لماذا السويداء؟
استفاقت مدينة السويداء أمس على مذبحة اختار مخططوها وأدواتها أن تكون بهذا الأسلوب دون غيره (القتل بكل الطرق) وفقاً لشهادات من أبناء المنطقة، ولتكون ذات وقع كبير من الألم والرعب على أهالي المدينة وبالتالي وضعهم في حالة إرباك بموقف مشابه للضحية في مواجهة المجرم.

وتشير أحداث المذبحة في السويداء لسيناريوهات مشابهة تكررت مرات عدة منذ مطلع عام 2015 هندسها نظام الأسد في ريف مدينة السلمية الشرقي بريف حماة، عندما  بدأ "داعش" هجماته على قرى السلمية، وعاث بأرواح سكانها ذبحاً، إذ أكدت وثائق سربتها وسائل إعلام حينها أن النظام كان على علم بهذه الهجمات قبل شنها، عدا عن إفساح المجال لتكرارها آنذاك، حتى ضبط النظام المدينة وريفها بالرعب والخوف من "الموت القادم من الشرق" جراء انخراط القسم الأعظم من أبنائها في صفوف الثورة السورية.

انتقام

بالعودة إلى تسلسل الأحداث القريب والمبني على مواقف جزء لا يستهان به من أبناء السويداء، فقد رفض هؤلاء (حركة رجال الكرامة) نعتهم بالإرهاب من قبل قوات الاحتلال الروسي، وردوا بالوصف ذاته بأنه "لا يحق لدولة محتلة راعية للإرهاب أن تصف الآخرين بالإرهابيين" وسبقته الحركة ببيان حذّرت فيه من المساس بأبناء السويداء، ليبدأ أهالي المحافظة بعدها بأيام حملة ضد شراء ممتلكات أبناء الجارة درعا "المعفّشة" على يد ميليشيات أسد والتجارة بها، بل وصل الأمر بالمؤسسة الدينية في المحافظة لإصدار فتوى حرّمت تداول الممتلكات "المعفّشة" إضافة لتحريم الصلاة على من يشتريها أو يتاجر بها وعائلته، ويمنع دفنه في مقابر "الدروز" أيضاً.

السويداء والتي حاولت إلى حدٍ كبير "إمساك العصا من المنتصف" كما يقول أبناؤها، في محاولة لتحييدهم من الانخراط في سفك الدم السوري إلى جانب ميليشيا أسد الطائفية، شهدت أحداث طالت كل من عارض نظام الأسد، بدءاً بالاستيلاء على الأموال مثل (فيصل قاسم) وتدبير اغتيال مؤسس حركة رجال الكرامة (وحيد البلعوس) ورفاقه من رجال الحركة، إضافة إلى تفجير كل من لحق به من محبيه إلى المستشفى إثر نقله إليها، عدا عن عشرات حالات الخطف والاعتقال والملاحقة عقب مظاهرات عارمة أطاحت بصنم حافظ الأسد وسط المدينة، والمحاولات الحثيثة لاشعال الفتنة مع درعا والتهديد بداعش دون محاولة حقيقة لإبعاده عن المحافظة.

سد الفراغ

وتشير احصائيات غير رسمية إلى أنه ما بين 30 إلى 50 ألف من أبناء السويداء (ممن هم في سن الخدمة العسكرية والمطلوبين للاحتياط) يرفضون الانخراط في صفوف ميليشيا أسد، وهو ما نوه إليه مراقبون بعضهم من أبناء المحافظة نفسها، بأن نظام الأسد والروس هندسوا "خطة بديلة" لإرغام أبناء المحافظة على الانخراط في صفوف ميليشياتهم، لا سيما بعد الرفض الإسرائيلي للعرض الروسي قبل أيام بابعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود مع إسرائيل مسافة 100كم.

ويؤكد هؤلاء إلى أن نظام الأسد ونتيجة للنقص الحاد في صفوف ميليشياته والفراغ الذي سيحدثه انسحاب الميليشيات الشيعية الإيرانية سعى لإعداد "خطة بديلة" لتطويع السويداء تحت رايته من خلال ذبح أبنائها، وفرض نفسه "بحكم الأمر الواقع" وهو ما أشار إليه صحفي من أبناء المدينة (رفض الكشف عن هويته) بجواب على سؤال لأورينت نت حول خلفية الهجوم على السويداء، بقوله: "لأنها قاسية ويجب إخضاعها لإرادة العالم بسوريا الجديدة".

ونوه الصحفي إلى أن المطلوب من بث حالة الرعب والإرباك في السويداء، يأتي لتحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها إفناء الحركات المحلية المسلحة المناوئة للنظام من خلال زجها في مواجهة "داعش" خصوصاً أنها لجان شعبية غير مدربة وتفتقر للتسليح الثقيل على عكس "داعش" المتمرس في القتال، أو الانخراط في صفوف ميليشيا النظام كـ "أمر واقع" إضافة لاستنزاف المحافظة ومحاصرة أهلها بتكرار الهجمات من التنظيم في المستقبل.

وكان مثقفون وإعلاميون من أبناء السويداء نفسها قد حذّروا مما يخطط له نظام الأسد، إثر إصرار الأخير على نقل المئات من عناصر "داعش" من جنوبي دمشق إلى شرق السويداء والذين هاجموها أمس وفقاً لشهادات ووثائق وجدت بحوزة المهاجمين، علماً أن التنظيم طالب بنقله إلى معاقله في دير الزور، وقد تمت عرقلة الاتفاق من قبل النظام حينها، بعد أن خرج بعض عناصر من "داعش" لاستطلاع الطريق إلى دير الزور.

خيارات صعبة

"هذه المجزرة تأتي ضمن الانتقام الممنهج لهذا النظام الحاقد على كافة السوريين، كما تأتي اليوم ضمن مهام الأسد لتنيفذ ما يخطط للسويداء من المحتلين" يقول الكاتب والصحفي (حافظ قرقوط) أحد أبناء محافظة السويداء، والذي يؤكد أن هذه المجزرة تندرج في مخطط نظام الأسد لتطويع أبناء السويداء بتنسيق مع الروس والإيرانيين، وهذا سيناريو عايشناه في لبنان منذ أكثر من 30 عاماً عندما تمدد حزب الله نحو بيروت لإخضاعها، على حد قوله.

ومثل هذه العمليات لا يمكن توقعها من الناس العاديين، إلا بالتفكير الذي يتوقعه المجرم نفسه فقط، وفقاً لـ (قرقوط) فالسويداء هي إحدى المحافظات السورية التي تدفع ثمن مادفعه السوريون في سبيل حريتهم، وهي اختهم في النسيج، وهذا الوطن كله يدفع الثمن للانتقال إلى مرحلة جديدة، مبدياً خشيته من أن هذا التوقيت يرتبط بما يحاك لتشتيت المنطقة بـ "المهمات الوضيعة" التي يتم رسمها من قبل دول غضت البصر عن جرائم الأسد في سوريا.

ويشير (قرقوط) بحديثه لأورينت نت إلى أن هذه المذبحة تأتي لتدفع أهالي السويداء بين خيارين "أحلاهما مر" إما داعش والجرائم المتنقلة والمتفجرات وإما القبول بإعادة القبضة الأمنية لنظام الأسد وانخراط أبنائكم في الخدمة العسكرية، خاصة بعد أن أنجز مصالحته في درعا والقنيطرة وهذا ما يجب على أبناء السويداء الحذر منه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات