العبادي يطوق المظاهرات في العراق بالمظلومية

العبادي يطوق المظاهرات في العراق بالمظلومية
الأحزاب السياسية في العراق مع ميليشياتها والمنتفعين منها ومن أوجه نشاطاتها، ظهرت عليهم علامات فقدان الأعصاب والذعر من استمرار المظاهرات والاحتجاجات وبوادر الاعتصامات، إذ طفت على السطح تهديدات معلنة وفجّة حد إشهار نيات الاغتيال والتصفيات الجسدية ورصد داعمي الاحتجاجات في تجنيد فاضح لمهمات لم تعد تكتفي بالمتابعة والردود المشينة أو المحبطة في مواقع التواصل الاجتماعي المغلفة عادة بالطائفية.

على الرغم من عدم بلوغ الاحتجاجات الشهر الأول من عمرها، إلا أن ثمارها وقطاف دروسها أبلغ وأعمق أثرا من إجراءات حكومية تستهدف إخماد جذوة الغضب وقطع الطريق على انتقال شرارة الثورة الشعبية الكبرى من مدينة لأخرى ومن قرية لأخرى ومن بيت لبيت.

خوف ورعب قوى الاحتلال الإيراني ونظامه السياسي الذي هبط فجأة في المنطقة الخضراء سيئة السمعة مع عار الاحتلال الأميركي؛ يوجبان على المتظاهرين الانتقال إلى مرحلة متقدمة تستمد طاقة الشباب لرفد الاحتجاجات بالوعي المتجدد، ومراقبة أسباب التراجع في أماكن معينة وتغذيتها بتنشيط وترصين أهدافها بأجوبة مقابلة لما تطرحه السلطة والأحزاب والميليشيات من حلول تبسيطية وهامشية في غاياتها المعروفة والمكشوفة من صعود على كتف المتظاهرين وإعلاء أصواتها بسرقة الشعارات وتسويقها وترويجها، لدرجة يكادون معها أن يقدموا أنفسهم كثوار لإدانة جرائم عمليتهم السياسية بحق تاريخ ووحدة وتضامن شعب العراق.

رئيس وزراء حكومة حزب الدعوة يصف الاحتجاجات بالثورة، ربما سقطة كلام عابر كالمعتاد في دولة التناقضات وتشظي الصلاحيات وضبابية المسؤوليات وتعدد منابر التصريحات لكنه يستطرد ليصفها بـ”ثورة المظلومين”، وهنا لا بد وأن يستشعر الثوار دورهم ومكانتهم وما أدى إليه تواصل المظاهرات والإصرار على سحب مبررات العنف وما يهيأ من قبل الأجهزة الأمنية ومن الميليشيات المتغلغلة فيها أو من ردود فعل الميليشيات المباشرة.

ربط المظلومية بالمحتجين إساءة لهم يراد منها ضخ المزيد من وقود الفتن الطائفية والنفخ فيها لإيقاد أحقاد المشروع الإيراني في عقول وذاكرة المتظاهرين، ولإعادة إنتاج عقلية حزب الدعوة بأمراضه المتفشية مع غيره من أمراض الأحزاب الطائفية بين صفوف شعبنا بعد الاحتلال.

المظاهرات تسلقت بصعوبة منصة الإعلام العالمي واستحوذت على انتباه قادة دول كبرى في مرحلة مفصلية من تداعيات الأحداث في الشرق الأوسط. أحداث لا نستبعد أن تكون فيها الاحتجاجات السلمية وارتفاع سقفها بل انفتاحها نحو فضاء التغيير الشامل، جزءاً من رسم سياسات وتوزيع مهمات دولية؛ بما يملي على المتظاهرين انضباطا عاليا يقتفي أثر الثورات الإنسانية في تعاطيها مع المطالب والحريات، وبما تشكله من ضغط يهيئ الأجواء لمستقبل جديد للعراقيين يبدأ بتهشيم قواعد حكومات الاحتلال المتتالية ويقوض صروحها ويعالج الانقسامات المجتمعية الخطيرة؛ خاصة بعد تفجر نقمة الشعوب في الداخل الإيراني على نظام الملالي ومشروعه الدموي.

لذلك فإن تحجيم الثورة بالمظلومية والفقر وحصر مطالبها بالخدمات، سيذهب إلى تثبيت ركائز مضافة لعملاء الاحتلال وأحزابهم لسنوات مقبلة في حال جفاف الأفكار عند حدود الصيف أو نضوبها قبل التنسيق لتحريك العراقيين جميعا، وعندها يمتلك الشعب زمام الرهان على مصيره لتفويت الفرصة على صالات قمار السياسة المحلية من التلاعب بأوراق موضوعة أساسا على طاولات العلاقات بين الكتل السياسية والاقتصادية العالمية، وما يجري بينها من ترتيب للأوضاع في دول مازالت رواياتها مفتوحة النهايات وتخضع للمساومات والحوار في أعلى مصادر القرارات الدولية.

إقالة أي وزير في حكومة حيدر العبادي المنتهية ولايته وتحت أي إطار، لا تعدو إلا مقايضة مخادعة لمطالب إقالة ومحاسبة جماعية لحكومات الاحتلال لما اقترفته من سرقات وانتهاكات مجتمعية وخيانات عظمى وَطّنَت الناس على الخوف والكراهية بشرعنة مفاهيم خارجة عن الأعراف وتقاليد وواجبات المواطن والمواطنة، وهو ما صنع من العمالة للأجنبي عملا يوميا لا يحاسب عليه القانون ولا تنتفض ضده حكومة أو برلمان أو قضاء، بل إن النماذج السياسية المتوفرة في السلطة تتفاخر بعمالتها وتعرضها كمنجز انتخابي لها.

تنظيم داعش ولكل من يتناسى مجازر الإيزيديين ومذابح الموصل ومأساة تحريرها، متوفر حسب الحاجة والطلب، والسويداء وضحايا جبل العرب والكرامة حاضرون بقوة؛ والنظام في العراق خاضع لإرادة الإرهاب الإيراني، والأميركان بقلب المنطقة الخضراء، والروس في قلب الشام مع قواعدهم والميليشيات عند كل باب، وهي في بغداد المحتلة وغيرها من مدن العراق تشكل مقاطعات أمنية تتقاسم النفوذ الخاص رغم أنها تشترك في واجباتها العامة بولائها للمرشد ولمرجعياتها العقائدية والمالية.

ثورة أبناء الجنوب بصمودها ستنتزع العراق من مخالب فرق الموت وسلطتهم، وما تباشير الاعترافات والاعتذارات إلا مقدمات لانهيار الأحزاب الطائفية، وتفتتها والبراءة من أفعالها، علاوة على ما هي عليه الآن من تخلف وجمود وتحجر وانغلاق في الرؤية للحياة.

النظام السياسي في العراق تهزمه المرأة وتلاحقه الآداب والثقافة والفنون، وتطارده الطفولة والشيخوخة كما اللعنات؛ إنهم يفرون ويهربون من الموسيقى والأغنيات.

لذلك على المتظاهرين العراقيين أن يجتهدوا لابتكار وسائلهم في تحشيد الإبداع في مواجهة العنف، وعلى العالم أن يتدبر استيعاب فكرة هزيمة أسلحة الميليشيات وآليات مكافحة “الشعب”، أمام إرادة عراقية شعبية تنشد لثقافة الحياة في كل ساحات المظاهرات.

ترتكب حكومة حزب الدعوة خطايا العنف واستدعاء الفتن بصلاحيات الميليشيات وتجاربها للإجهاز على الثورة عند الحاجة، وبما أن التعجب ليس عراقياً، فالاحتجاجات تتعرض إلى هجمات فساد لشراء أصوات المتظاهرين كما حصل في شراء الأصوات الانتخابية، لكن هذه المرة بتشكيل زمر إحباط بأموال قليلة ووعود توظيف مع تعميم فكرة مظلومية المحتجين وإدعاء الاستجابة لكل مطالبهم إلا في “الإساءة للنظام”.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات